القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

ذكرى النكبة وحق العودة

ذكرى النكبة وحق العودة

بقلم: سري القدوة*

شعار "إنّنا لعائدون” شعار سهل بسيط غير معقّد وواضح المضامين. شعب شرِّد من أرضه وعائد إليها مهما طال الزمن وبالمفهوم الفلسطيني يكون حق العودة هو حق مقدس لا يسقط هذا الحق بالتقادم أو يمكن أن يتغير ويتوارثه الشعب الفلسطيني جيل وراء جيل.

حق العودة يتجدد فينا يكون بمثابة صرخة قوية في يوم النكبة، تأتي صرخة مدوية في سماء الغربة، تأتي لتؤكد حق شعبنا في الكفاح والحرية والاستقلال، تأتي لتكرس روح الحرية والمقاومة، روح الحياة التي استمرّت فينا رغم ما تعرّض إليه شعبنا من قتل وتشريد ودمار.

إنّنا لعائدون لأن العودة حق مقدس وإنّ العودة حق لكل فلسطيني.

إنّ حفاظنا على حق العودة، وحق شعبنا في التحرر من الاحتلال وتحقيق الاستقلال يندمج بالنضال الوطني المشترك ضد نظام الفصل العنصري "الأبارتهايد” الإسرائيلي، وهو نظام فصل أصبح الأسوأ في تاريخ البشرية، وأسوأ ممّا كان قائما في جنوب أفريقيا، وإنّ حق العودة للاجئين الفلسطينيين مكفول لهم ولا يستطيع أحد أن يساوم على هذا الحق، إنّه حق اللاجئين في السكن والامتلاك المجدد لحواكيرهم وبيوتهم وبساتينهم.

إنّ الذكرى الخامسة والستين للنكبة تأتي على شعبنا وقد تضاعفت فرص عدم إنجاح تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية ممّا يعزز رؤيا ضبابية للموقف الفلسطيني، وهنا وفي ظل هذا الانقسام تبقي وحدة الشعب الفلسطيني في هذه الذكرى ضرورة، وقد تبعدنا المسافات كأبناء شعب واحد موحد، بفعل المنافي والشتات، لكننا لا يجب أن نتخلّى عن وحدة تاريخنا ومستقبلنا وهويتنا، أيّا كان موقع أبناء هذا الشعب الصامد وعيون أبنائه تحدّق نحو فلسطين المولد والرسالة والحضارة والتاريخ العريق.

تعدّ ذكرى النكبة التي يحييها شعبنا في وقت يحتفل فيه الإسرائيليون بما يسمونه عيد الاستقلال عمّا حدث في العام 1948 عندما أعلن قيام دولة "إسرائيل” على الأراضي التي تم تهجير غالبية سكانها من الفلسطينيين الذين أصبحوا يعيشون إمّا مهجرين في وطنهم أو في مخيمات أقيمت في الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية.

ففي الوقت الذي تشتدّ فيه حلكة المؤامرات الإسرائيلية على الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، تمرّ ذكرى النكبة المثقلة بشتى صنوف الآلام والمعاناة، ليبقى مشهد التهجير ماثلا في كل يوم، وفي كل لحظة من حياة شعبنا، رغم أنّ حق العودة يمثّل جوهر وعنوان القضية الوطنية الفلسطينية وحق العودة لم ولن يكون شعاراً يرفعه شعبنا، بل هو حق منصوص عليه في مواثيق الأمم المتحدة وقراراتها، ويمتلك الشرعية الدولية.

إنّ حق العودة ليس منّة من أحد، بل إنّه حق فردي لكل فلسطيني شرِّد من أرضه، يتوارثه أبناؤه وأحفاده من بعده، وبالتالي فهو حق قانوني للأفراد والجماعات غير قابل للتصرف، وحق العودة متلائم ومتوافق مع الحس الإنساني السليم، وهو حق طبيعي كعودة الأب إلى بيته، وعودة الطير إلى عشه، وإنّه ملك لكل فلسطيني، اقتلع من أرضه وقريته وبيته، وهو حق لا ينتزع ولا يتقادم، ومن هذا الحق ولد الأمل الفلسطيني بالعودة.

إنّ جماهير شعبنا الفلسطيني بمختلف أطيافه السياسية في الوطن والشتات تحيي الذكرى الخامسة والستين للنكبة، سفر الآلام والمعاناة الذي سجّل شعبنا من خلالها، ولا زال، أروع صور الفداء والتضحية والإصرار العنيد بالمقاومة الشعبية وكل أشكال النضال حتى إحقاق الحق بنيل الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير.

وإنّه بالرغم من الآلام الكبيرة والتضحيات الجسام التي تكبّدها الشعب الفلسطيني على مدار 65 عاماً من التشرد واللجوء قدّم خلالها مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين وقف بصلابة مدافعاً عن حقوقه الوطنية، وفي مقدمتها حقه في العودة إلى دياره، ولا يزال مصرّاً على نيلها رغم التعجرف الإسرائيلي الذي يتنكّر لحقوقه المشروعة.

إنّ التغلب على الآثار المدمرة للنكبة ولسنوات الاحتلال الإسرائيلي الطويلة وفتح نافذة أمل حقيقية للأجيال المقبلة يكمن في اعتراف "إسرائيل” بمسؤوليتها التاريخية عن المأساة الفلسطينية والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس، ودون ذلك لا يمكن للسلام والأمن أن يستتبّا في المنطقة.

وإنّ حق العودة هو حق مقدس مهما طال الزمان، فلا بد لشعبنا أن يعود وإنّ أولئك البعيدين عن أرض الوطن بأجسادهم فإنّ الوطن في قلوبهم وهم يحلمون بالعودة وينظرون إلى فلسطين من بعيد ويسألون الله بأن تطأ أقدامهم وطننا السليب كي يعود إليه مجده وبهاؤه.

طالما أنّ الإنسان الفلسطيني مبعد عن وطنه، محروم من ترابه وهوائه، ويرى الأغراب ينهبون خيراته ستبقى النكبة قائمة، وحق العودة إلى الرحم شاخص في العيون، نابض في القلوب، فالحق المقدس لا يحدّه زمان ولا ينكره المكان.

إنّ الحق لا يموت ولا يتلاشى مع التقادم، وعودة الفلسطيني إلى وطنه غير قابل للقسمة، ولا يملك أحد صلاحية التفريط به أو التنازل عنه، وإن حصل تخاذل من البعض أو تراخى جيل، فستأتي الأجيال تلو الأجيال تطالب بحقها المقدس.

اسألوا جبال فلسطين ووديانها، اسألوا شطآنها وجداولها، اسألوا أرضها وسماءها، اسألوا يافا وحيفا وصفد وطبريا والناصرة، اسألوا القدس والخليل وبيت لحم وأريحا ورام الله وغزة وبئر السبع..كل من ستسألونه ليس لديه سوى جواب واحد..هذه هي فلسطين التي أدماها الشوق لعودة أحبابها.

عائدون، فالحدود لن تكون والقلاع والحصون، اصرخوا يا نازحون إنّنا لعائدون إنّنا لعائدون.

* رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين

المصدر: السبيل الأردنية