ذكرى يوم الأرض وحق العودة للاجئين الفلسطينين
بقلم: د. محمـد عبد الـرحمـن عريـف
مما لا شك فيه أن "يوم الأرض” أصبح يومًا
وطنيًا فلسطينيًا من الدرجة الأولى، حيث يحيي الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين الأزلية
(27009 كيلومترات مربعة) وفي الشتات تلك الذكرى. ففي الثلاثين من مارس/آذار عام
1976 كانت بمثابة منحى جديد لتكريس وحدة الشعب الفلسطيني من أجل الدفاع عن أرض أجداده،
والعمل لعودة اللاجئين إليها (بلغ عددهم 5.5 ملايين لاجئ فلسطيني في عام 2013.
كان السبب المباشر لهبّة يوم الأرض هو قيام
سلطات الاحتلال بمصادرة نحو (21 ألف دونم) من أراضي عرّابة وسخنين ودير حنّا وعرب السواعد
وغيرها، لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطّط تهويد الجليل، ويشار هنا إلى
أن السلطات الصهيونية قد صادرت خلال الأعوام ما بين عام 1948-1972 أكثر من مليون دونم
من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي
التي استولت عليها سلطات الاحتلال، بعد سلسلة المجازر المروّعة التي ارتكبها جيش الاحتلال
وعمليات الإبعاد القسّري التي مارسها بحق الفلسطينيين عام 1948.
يوم الأرض الفلسطيني هو يوم يحييه الفلسطينيون
في 30 مارس/آذار من كلّ سنة ذكرى يوم الأرض، قبل قيام دولة إسرائيل كان عرب فلسطين
شعبا مزارعاً إلى حد كبير، حيث أن 75٪ كانوا يحصلون على عيشهم من الأرض. بعد نزوح الفلسطينيين
نتيجة نكبة عام 1948، بقيت الأرض تلعب دوراً هاماً في حياة 156،000 من العرب الفلسطينيين
الذين بقوا داخل ما أصبح دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبقيت الأرض مصدراً هاماً لإنتماء
الفلسطينيين العرب بها.
تبنت حكومة الاحتلال في عام 1950 قانون
العودة لتسهيل الهجرة اليهودية إلى إسرائيل واستيعاب اللاجئين اليهود. وفي المقابل
سنت قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي والذي قوم على نحو فعال بمصادرة الأراضي التابعة
للاجئين الفلسطينيين الذين فروا أو طردوا من المنطقة التي أصبحت إسرائيل في عام
1948. كان يستخدم أيضا لمصادرة أراضي المواطنين العرب في إسرائيل ” موجودة داخل الدولة،
بعد تصنيفها في القانون على أنها "أملاك غائبة”، وكان يبلغ عدد "الغائبين الحاضرين”
أو الفلسطينيين المشردين داخليا نحو20٪ من مجموع السكان العرب الفلسطينيين في إسرائيل.
هبّة يوم الأرض ليست وليدة صدفة، بل كانت
وليدة مجمل الوضع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة منذ قيام دولة إسرائيل.
وقد شارك الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967، وأصبح يوم الأرض مناسبة وطنية
فلسطينية وعربية، ورمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني والشتات.
لقد أوضح الكيان الإسرائيلي مُوقفهُ الرافض
لكافة المشاريع السياسية الدولية التي طالبت بحل قضية اللاجئين عبر تمكينهم بالعودة
الى ديارهم, وكان من نتائج الرفض الإسرائيلي صدور قرار الأمم المتحدة رقم (302) لعام
1949م الخاص بإنشاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا) لتقديم المساعدات للاجئين,
وكان الكيان الإسرائيلي قد قبل بهذا القرار لأنه يعمل على توطين اللاجئين في البلاد
العربية, كما حملت الدول العربية مسئولية استمرار المشكلة, بسبب اصراراهم على مبدأ
العودة, ورفضهم توطين اللاجئين, ويحمل بنيامين نتنياهو الدول العربية مسئولية وجود
مشكلة اللاجئين وبالتالي مسئوليتها عن إيجاد الحل, فيقول في كتابه (مكان تحت الشمس)
"يجب عدم التنازل عن ضرورة مساهمة الدول العربية في توطين اللاجئين: الدول العربية
هي التي خلقت مشكلة اللاجئين منذ البداية, وهي المسؤولة أيضاً عن عدم حلها حتى اليوم,
وإن اشتراك هذه الدول في توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم الحالية, يعتبر اختباراً
لالتزاماتها بإنهاء النزاع مع إسرائيل”. وفي ذلك يقول شمعون بيرس "لا يوجد شعب في العالم
كاليهود يعرف المعاناة الشخصية والعائلية والقومية, فنحن أمة من اللاجئين, وأن سبب
مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يرجع الى العرب الذين أخذوا يدعون السكان للخروج من فلسطين”.
بعد مرور67 عاماً على تهجير الفلسطينيين
من ديارهم, هناك العديد من فلسطينيي الشتات لا يفضلون البقاء في محل إقامتهم ويطالبون
بالعودة الى فلسطين, خاصة أولئك الذين يقطنون دول مثل أميركا وأوروبا والخليج العربي,
ولكن الغالبية منهم مَثّلَهُم اللاجئ الفلسطيني الذي يعيش حياة البؤس والشقاء في مخيمات
اللجوء في لبنان والأردن وسوريا، ولو أُعطي حق المواطنة الكاملة في تلك البلدان مع
تعويضهم عن ممتلكاتهم التي خسروها فلا شك أن نسبة غير قليلة ستقبل بذلك.
في عام 1989 اقترح وزير دفاع الكيان الإسرائيلي
اسحق رابين حلاً لمشكلة اللاجئين يكون خارج المناطق المحتلة عن طريق مؤتمر دولي يبحث
عن حل مناسب لمشكلتهم بالارتباط مع مشكلة اللاجئين اليهود, ويرى الإسرائيليون أنهم
غير مسئولين عن قضية اللاجئين, وأن الدول العربية هي التي أتت بالكارثة على الفلسطينيين
وبالتالي عليهم تحمل مسئوليتهم بهذا الخصوص, وأن الموقف الإسرائيلي المتشدد من قضيتي
الحدود واللاجئين, يأتي من منطلق الحفاظ الاستراتيجي على معادلة ديمغرافية, وهذه المعادلة
الإسرائيلية لا تعمل على تغيير الواقع القائم ديمغرافياً فحسب, بل تعمل على إرساء أسس
لحل بعيد المدى يحقق الإسرائيليون من خلاله حل القضية الديمغرافية لصالح استراتيجية
إسرائيل الأمنية.
يظهر مدى القلق الأمني الديمغرافي عند الكيان
الإسرائيلي من موضوع عودة اللاجئين, والذي أدى بدوره الى تشدد الإحتلال في موقفه من
قضية اللاجئين لاعتباراتهم الأمنية الديمغرافية, الأمر الذي ساهم فعلياً وعملياً في
اطالة أمد الصراع, وجعل الساعين الى الحل يَلهثون نَحوه عبثاً, وبناءً على ما سبق نجد
أن تعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي المختلفة الجوانب, ألقت بظلالها على صعوبة إيجاد
حل لقضية اللاجئين.
إن تسوية قضايا الوضع النهائي لا سيما قضية
اللاجئين الفلسطينيين وتوازن الحل فيها يقتضي إجراء مفاوضات لا على حقوق الشعب الفلسطيني
التي تضمنتها قرارات الشرعية الدولية, وإنما لبحث آليات تنفيذ تلك الحقوق والقرارات
دون وضع عصا الأمن الديمغرافي الإسرائيلي في دواليب عملية السلام ليتم تشكيل أساسيات
الحل السياسي الدائم, فالفلسطينيون يريدون فعلاً تحقيق السلام ولكن سلاماً يكون قريباً
من العدالة وليس سلاماً يُملي فيه الطرف القوي شروطه واعتباراته الأمنية على الطرف
الضعيف.
وأية اتفاقيات أو معاهدات سلام لا تتناول
وضع حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين, لن تؤدي الى انهاء الصراع العربي مع الكيان الإسرائيلي,
وبالتالي لن تكون هناك حالة من السلام الشامل في المنطقة العربية في ضوء تواصل قضية
اللاجئين الفلسطينيين وتفاقم معاناتهم في مخيمات اللجوء بالوطن والشتات رغم مرور67
عاما على النكبة.
وتبقى الإشارة إلى أن الأرض الفلسطينية
ستبقى محور صراع مفتوح مع المحتل الصهيوني, ويجدد الشعب الفلسطيني العهد والقسم من
أجل تحريرها في الثلاثين من مارس/آذار من كل عام.
المصدر:شجون عربية