رؤية الكيان الإسرائيلي
للجان التحقيق الدولية
بقلم | علي هويدي
للكيان
الإسرائيلي رؤيته الخاصة في التعاطي مع الأمم المتحدة كمنظومة دولية وللقرارات
وللمعاهدات الصادرة عنها، وهي رؤية شاذة تنفرد فيها عن الإجماع الدولي، إذ تكاد
القرارات التي اتخذت بحق الكيان الإسرائيلي ولم يلتزم بها منذ قبل وبعد قيام دولة
الإحتلال عام 48 لا تعد ولا تحصى، وفي كل مرة يصطدم إتخاذ أي إجراء عقابي بجدار
الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، وهذا ما يعطي دولة الإحتلال الجرأة لإرتكاب المزيد
من الجرائم، غير آبه بأية مساءلة أو عواقب رادعة.
لكن لم تكن
لهذه الظاهرة أن تنمو وتكبر وتصبح الأصل في التعاطي مع المجتمع الدولي، لولا غياب
الإرادة السياسية للقوى الفاعلة في السياسة الدولية، وتأثير تلك الحالة من
الإنهزام السياسي ليس فقط على شريحة واسعة من الدول الأعضاء الفاعلين في المنظومة
الدولية، وإنما كذلك على طرف فلسطيني لا يزال يتعلق بأستار أوسلو وكأنها أستار الكعبة
المشرفة..!؛ ليخرج علينا مندوب فلسطين في مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة
ابراهيم خريشة بتاريخ 13/7/2014 ليقول بأن صواريخ المقاومة التي تطلق ضد
"إسرائيل" هي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية..!! والمفارقة بأنه لم يتخذ
بحقه أي إجراء من قبل مؤسسة السلطة الفلسطينية.
تنكَّر الكيان
الإسرائيلي لمهام ولدور لجان أممية كثيرة تشكلت للتحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد
الإنسانية ارتكبها قادة الإحتلال وجنوده بحق الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية
المحتلة سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة، وكنموذج واقعي يحاكي العدوان الصهيوني
على قطاع غزة المحاصر منذ ثمانية سنوات وطلب لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم
المتحدة بالتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان في عملية "الجرف الصامد"
الإسرائيلية العدوانية المستمرة على القطاع؛ يرفض الإحتلال السماح لأعضاء اللجنة
بالدخول وممارسة مهامهم، وكانت اللجنة قد تشكلت من ثلاثة خبراء وفق قرار صادر عن
مجلس الأمن الدولي بتاريخ 23/7/2014، واعترضت أمريكا فقط على صدور القرار وامتنعت
17 دولة عن التصويت، وستقدم اللجنة تقريرها في آذار من العام 2015، لكن
"إسرائيل" سارعت إلى انتقاد اللجنة معترضة على تشكيلها ومستبقة نتائج
التحقيق، واصفة قرار التشكيل بأنه "مهزلة"؛ فقد قال رئيس وزراء الكيان
الإسرائيلي بأن "تقرير اللجنة قد كُتب مسبقاً وأن رئيسها قرر أن حماس ليست
منظمة إرهابية"، أما وزير خارجيته فقد دعا الى عدم التعاون مع اللجنة، ومنع
منحها أية شرعية ومنع وصول رئيسها إلى إسرائيل". وطلب رئيس بعثة
"إسرائيل" في الأمم المتحدة من الأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون
"إبعاد رئيس اللجنة شاباس عن عضوية ورئاسة اللجنة" متذرعاً بأن لشاباس
"مواقف سابقة معادية لإسرائيل ما يعني بانه سيكون الخصم والحكم"، متهماً
مجلس حقوق الانسان بـ "تبني أجندة معادية لتل ابيب".
وكمحاولات
التفافية وللإفلات من أي إلتزام تجاه لجان المحاكم الدولية، تلجأ
"إسرائيل" إلى المسارعة لتشكيل لجان محلية تتولى التحقيق، تماماً كما
يحصل حاليا مع "لجنة شاباس" إذ أعلن ما يسمى بمراقب الدولة الإسرائيلي
يوسيف شابيرا أنه قرر "فحص عمليات اتخاذ القرارات في المستويين العسكري
والسياسي" أثناء العدوان على غزة "إضافة الى فحص أجهزة التحقيق التابعة
للجيش الإسرائيلي والحكومة وذلك في إطار اتهامات تقول أن إسرائيل خرقت القانون
الدولي"، وتشكيل هذا النوع من اللجان الداخلية تعتبر وكانها سترة واقية
قضائية محصنة ضد الدعاوى في المحكمة الدولية في لاهاي.
يتخوف الكيان
من سمعة وصورة ومكانة "إسرائيل" على الساحة الدولية، فقد كان ولا يزال
يحاول أن يقدم نفسه بانه "الدولة" الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، لكن
المزيد من التطاول على المنظومة الدولية والانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان
الفلسطيني، يعني المزيد من العزلة الدولية ويعني أن محاكمة قادة الإحتلال تلوح في
الأفق في ضوء النتائج التي ستصل إليها اللجنة، على أعتبار أن نفوذ المحاكم الدولية
ملغى عرفاً ومقدَّم على المحاكم المحلية، حيث ستقدَّم لوائح إتهام مثل إرتكاب
جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية للمحاكم التي تحظى بصلاحية دولية.
على
الرغم من وفرة الأدوات القضائية لسوق قادة الإحتلال الى المحاكم من وثائق وأدلة
تسمح بمحاكمة أولائك القادة بمحاكم دولية أو محاكم وطنية كما حدث في إسبانيا خلال
تحقيقها في المجزرة التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي باستهداف "حي الدرج"
المدني في قطاع غزة في صيف العام 2002 بصاروخ يزن طن من طائرة ف 15 مما أدى إلى
إستشهاد صلاح شحادة قائد كتائب القسام ومعه 14 مدنياً وإصابة أكثر من 150 بجراح
وتدمير الحي بالكامل، وحينها نشب خلاف دبلوماسي بين "إسرائيل" وإسبانيا
واستطاع اللوبي الصهيوني أن يؤثر في مجريات التحقيق مما أبطل الدعوى في العام
2009، إلا أن ما يدفع الإحتلال لهذا الإستعلاء في التعاطي مع المنظومة الدولية،
المصالح المشتركة مع صانعي القرارات بين الدول، وهذا يدعنا نعتقد بأن هناك شكوك
حول دور هذه المنظومة الأممية، وهذا الغياب للإرادة السياسية، هو الذي أعطى الغطاء
للإحتلال لاستهداف مدرسة "الاونروا" في رفح خلال ساعات التهدئة والتي
كانت برعاية بانكي مون نفسه، وهو الذي أعطاها الضوء الأخضر لاستهداف المستشفيات
والبنى تحتية والمؤسسات الأهلية ودور العبادة في قطاع غزة، بخرق فاضح واضح
للقرارات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، وهذه جريمة ترتكبها "إسرائيل"
بحق منظومة تشكلت بقرار أممي، وفي المقابل لم يتم حتى التداع للقاء على الأقل
للتشاور، سواءً من مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الرؤية
الإسرائيلية للمحاكم الدولية لن تتغير، إلا إذا استشعر الكيان بأن هناك إرادة
سياسية أممية فاعلة قادرة على عزله ومحاسبته، والضغط على صانع القرار فيه، لإنهاء
الإحتلال لب المشكلة في المنطقة، وهذا لا يتحقق سوى بممارسة المزيد من العمل
السياسي الفلسطيني، والحراك الشعبي الضاغط من منظمات المجتمع الأهلي الفلسطيني
والعالمي الجمعيات الصديقة وفي شتى القطاعات لا سيما القانونية منها للضغط على
صانع القرار في تلك الدول، وفي النهاية يكفي أن يبادر الطرف الفلسطيني الرسمي
للتوقيع على معاهدة روما والحصول على عضوية محكمة الجنايات الدولية، ليصبح
بمقدورنا كفلسطينيين وفي غضون شهر الحصول على صلاحية سوق مجرمي الحرب من القادة
الإسرائيليين الى أكثر من 130 دولة حول العالم، ليشكل واحدة من وسائل وأدوات
الردع، وإنهاء ظاهرة الرؤية الإسرائيلية بالكامل عن الساحة الدولية.