رحلة الموت من مخيم الجليل .. هل تمتد لباقي المخيمات؟
بقلم: فرج أبو شقرا
راجت في المخيمات الفلسطينية في لبنان قبل أشهر حملة تدعو إلى الهجرة، تلك الحملة
شملت المخيمات جميعها عبر مسيرات ووقفات واعتصامات تدعو لفتح طريق الهجرة أمام الفلسطيني
في لبنان، إلا أن ذلك المخيم المترامي على مدخل مدينة بعلبك نأى بنفسه بعيدا عن هذه
الحملة، فلم يشهد تحركا ميدانيا ولا حتى دعوات على مواقع التواصل، ولم يتفاعل الناس
مع الحدث وكأن الأمر لا يعنيهم. وكأني بالمخيم يطبق ذلك القول المشهور "خالف تعرف"
فبعد أن خفت نجم الحملة في جميع المخيمات معلنا فشلها، نفذ المخيم أهداف الحملة فعلا
لا قولا، حيث يشهد المخيم هذه الأيام حملة تهجير هي الأكبر في تاريخه.
إنه لمن العبث بالكلام إذا ما تحدثنا عن الهجرة في المخيم، حيث قل أن تجد بيت
في المخيم يخلو من مهاجر أو إثنين، وقد كانت حينها هجرة طبيعية بقصد العلم أو العمل
وتحسين الوضع الإقتصادي للأهالي، لكن ما يختلف هذه الأيام أننا أمام عملية تهجير مبرمجة
تستهدف عائلات بأكملها، والخوف أن تكون هذه العملية كتجربة قد تنتقل لباقي المخيمات
بعد التأكد من نجاحها.
قد تكون دوافع الهجرة للفلسطيني من لبنان واقعية وموضوعية ومنطقية، حيث يشهد
البلد توترا أمنيا ويعيش على كف عفريت، ناهيك عن الوضع الإقتصادي المتردي للفلسطيني
الذي يعاني من الحرمان من حقوقه المدنية ويمنع من مزاولة عشرات المهن والوظائف. بل
ويعطي البعض للهجرة بعدا وطنيا إذ أن الكثير من المهاجرين الفلسطينيين ساهموا فعليا
في رفع القضية ونقل صورتها إلى المجتمع الغربي، لكن هؤلاء يجهلون أن الهجرة تختلف تماما
عن التهجير الذي نشهده، فالتهجير الذي يستهدف عائلات بأكملها يهدف إلى تفريغ المخيمات
وضرب رمزيتها التي تحمل عنوان حق العودة، ولا شك أن قضية اللاجئين وحق عودتهم إلى قراهم
في فلسطين يمثل جوهر القضية الفلسطينية.
"هي رحلة الموت" هكذا تصف إحداهن من اللواتي شاركن في تلك الرحلة،
وتضيف "لقد رأينا الموت في أعيننا مرات ومرات".
وبرغم أنها كذلك إلا أنها تشهد إقبالا منقطع النظير، ويتهافت عليها الناس كما
تتهافت الأكلة على قصعتها. فخلال أقل من شهرين تم "تهجير" أكثر من 50 عائلة
فلسطينية من المخيم، أي ما يعادل أكثر من 200 لاجئ، والعدد في تزايد مستمر في كل يوم.
هي رحلة الموت إذا، تلك التي تطارد الفلسطيني، ولعل مشاهد غرق العبارات التي
تقل اللاجئين وأبرزها العبارة التي غرقت باللاجئين الفلسطينيين من سوريا قبالة سواحل
ليبيا، أو تلك التي غرقت قبل أيام أيضاً، لا تزال عالقة بالأذهان، إلا أنها لم تكن
كافية لردع اللاجئين من خوض رحلة الموت، التي بات من الواضح أن هناك أيد خفية تنظمها،
فعملية تسهيل الحصول على تأشيرة السفر إلى مصر والانتقال السلس من شواطئها باتجاه أوروبا
تثير الكثير من الاستفهام والشكوك، لا أحد يملك جوابا وأدلة واضحة على ذلك، إلا أن
الجميع هنا يعبر عنها.
حملة التهجير هذه لم تستهدف الفقراء أو من ضاقت بهم الدنيا في لبنان، بل إن
بعضهم من الميسورين ومن الموظفين وبعضهم مدرسين في مدارس الأونروا، الذين تتوفر لهم
إمكانات هي على الأقل أكثر حظا من غيرهم، الأمر الذي يزيد من الشك حول دوافع الحملة،
وهو ما يعبر عن الحملة الغير مباشرة لتلك الأيدي الخفية بإستهداف الوعي لدى البعض،
مما دفعهم للإنسياق حول سراب الرفاهية وكأن القصور العاجية المرصعة بالذهب والفضة في
انتظارهم في بلاد ما خلف البحار، ناسين أو متناسين واقع إخوانهم من فلسطينيي العراق
و فلسطينيي سوريا في البلاد التي هاجروا إليها.
لا يمكننا التشكيك بوطنية أولئك المهجرين، فلا شك لدينا أن فلسطين تعيش في أذهانهم،
وكلهم يتوق للعمل لها ونصرتها، وما مجازفتهم بخوض رحلة الموت، إلا دليلا واضحا عن الواقع
الكارثي للاجئ الفلسطيني في لبنان، التي تتحمل مسؤوليته بشكل مباشر الدولة اللبنانية
التي لا تزال تمنع عن الفلسطيني حقوقه المدنية والسياسية، وبشكل غير مباشر على وكالة
الأونروا المسؤولة قانونيا وإنسانيا عن تقديم الخدمات والإغاثة للفلسطينيين في لبنان،
والتي لا تزال تعتمد سياسة تقليص الخدمات، المسؤولية تقع أيضا على عاتق منظمة التحرير
التي تمثل الفلسطينيين والتي باتت الغائب الرئيس عن ميدان خدمة اللاجئ، كل هؤلاء يتحملون
مسؤولية هذا الواقع المأساوي الذي يعتبر السبب المباشر والذريعة الأساس لعملية التهجير.
لا ننتظر من المسؤولين قرع ناقوس الخطر، فالخطر قد داهم فعلا، وبات واقعاً لا
يمكن اخفاؤه، او الهروب من آثاره، ولهيب النار قد يمتد إلى باقي المخيمات، بل إن كان
هؤلاء يملكون بعضا من المسؤولية، لتداعوا فورا لتحسين واقع الفلسطيني في لبنان، ودعم
صمودهم في مخيماتهم، والضغط فعليا على الدولة اللبنانية لإقرار الحقوق المدنية، والعمل
الدؤوب على النأي بالمخيمات عن أي ارتداد أمني يشهده البلد، مما يعزز بقاؤهم في لبنان
قريباً من فلسطين، فهؤلاء من حقهم العيش بكرامة لحين عودتهم.