القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

رحلة عائد: قصة صمود وانتصار. مخيم الشهداء

رحلة عائد: قصة صمود وانتصار. مخيم الشهداء

بقلم: سامي حمود

دائماً ما يسيطر في أذهان وعقول الكثير من الفلسطينيين صورة ذلك المشهد الحزين الذي تشكّلت أبعاده ومعالمه منذ الحدث الأبرز في تاريخ فلسطين الحديث وهو مشهد النكبة والمجازر التي سبقت ذلك الحدث وأيضاً المجازر التي أعقبته واستمرت حتى أيامنا هذه. فالمشهد لا يختلف كثيراً، فالمجزرة واحدة تلو الأخرى والضحايا من أبناء شعبنا وأمتنا، والفاعل الصهيوني واحد وإن تعدّدت أساليبه وأدواته.

ولكن من الضروري أن لا يغيب عن أذهاننا ومن ذاكرتنا، وخصوصاً نحن الفلسطينيون العائدون، مشاهد الصمود والتصدي والانتصار، حيث لم يغب عنّا ذلك المشهد البطولي لشعبنا الفلسطيني في لبنان عندما سجّل بدماء وتضحيات شبابه أسمى وأروع مشاهد العز والفخر والنصر في مسيرة العودة 15 أيار. حيث واجه الشباب الفلسطيني ظُلم وجبروت العدو الصهيوني بصدورٍعارية مؤمنة مقابل أحدث أسلحة فتّاكة.

هذا المشهد عايشناه حديثاً ولكن هناك مشاهد أخرى تدعونا للتوقف عندها والاعتزاز بها وبأبطالها من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان وخصوصاً قصة ذلك المخيم الصامد المضّحي خلال عملية الاجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982، هو مخيم البرج الشمالي والذي أُطلق عليه اسم "مخيم الشهداء" نسبةً لعدد الشهداء الذين سقطوا خلال الاجتياح بعد أن فشل العدو الصهيوني من اقتحامه واستبسال أبناء المخيم في التصدي له وتكبيده العديد من الخسائر في الآليات والجنود وأيضاً بعد أسر جنديين صهيونيين واخفائهما داخل المخيم، لدى اضطر العدو الصهيوني أن يصب جمام غضبه وناره على الناس المختبأين داخل الملاجئ والمغاور، ويُخلّف بعدها تدمير لبنية المخيم وسقوط العديد من الشهداء من أطفال ونساء وشيوخ.

وبشكل موجز نسرد لكم قصة صمود وتضحيات أبناء ذلك المخيم:

فوجئت المواقع المتقدمة للدفاع عن مخيم البرج الشمالي بارتال الدبابات الصهيونية على بعد 150 متر من مدخل المخيم متجهةً شمالاً بمحاذاة مشروع قناة مياة الليطاني، وتقدم منها رتل باتجاة المخيم وتصدّت لهم مجموعة من أبناء المخيم، بأسلحتها الرشاشة وقذائف الآربي جي واستطاعت أن توقف التقدم بعد تدمير أربع 4 آليات، في هذه الأثناء كان أبناء المخيم قد تنبئوا للهجوم الصهيوني، فانتشر الشباب والمقاتلين خلف القوة الصهيونية التي اتجهت شمالاًعلى طول قناة الليطاني، وتم تدمير وإعطاب "حاملة جسور وقتل من فيها"، تدمير 6 ناقلات جنود والصعود إليها وهنالك تم أسر الجنديين الصهيونيين ونقلهم إلى داخل المخيم. عند الساعة الثالثة عصراً حاولت القوات الصهيونية التقدم إلى المدخل الشرقي للمخيم من منطقة مدرسة فلسطين وقد تصدّى المقاتلين لها وتم تدمير آليتين وجرافة للعدو. ليلاً حاولت قوات العدو التقدم من منطقة مدرستي جباليا والصرفند، وقد أُفشل الهجوم وتم تدمير عدد من الآليات وأُجبر العدو على التراجع باتجاة منطقة بساتين المعمورة. مع بزوغ فجر يوم الاثنين 7 حزيران 1982 حوالى الساعة الثالثة صباحاً حاولت قوات العدو التقدم من أكثر من محور، محورالرمالي والمدخل الرئيسي للمخيم ومنطقة شارنية، فتم التصدي لها بالأسلحة الرشاشة وقذائف بي 7 من قبل القوات المشتركة وتم تدمير وإحراق 4 ناقلات جند على جسر الرمالي وتدمير 3 آليات على محور شرنية، وتراجع العدو عند مدخل المخيم بعد معركة تكبّد بها خسائر بين قواتة. طوال 5 ساعات من الثامنة صباحاً حتى الواحدة ظهراً ركزّت قوات العدو قصفها البري والجوي والبحري لمحاور المخيم وتحت وابل القصف تقدّمت قوات العدو والتي جُوبهت بمقاومة أكثر شراسةً من التقدم الأول وتم تدمير عدد من آلياتة بقيت في أرض المواجهة بعد تراجع العدو، حوالى الساعة الخامسة عصراً ولأكثر من 3 ساعات شنّت الطائرات الحربية ومدافع الميدان والبحرية الصهيونية قصفها لعمق المخيم وبشكل منسّق مستخدمة القنابل الفوسفورية الحارقة وصواريخ ارتجاجية، بحيث شوهد المخيم ككتلة نيران مشتعلة، بعد احتراق مستودعات قوارير الغاز وخزانات الكاز والمازوت في المحلات التجارية. دبّ الذُعر والهلع بين الأهالي فخرجوا من الملاجئ والمغاور متجهين إلى مؤسسة جبل عامل المهنية الملاصقة للمخيم، تاركين خلفهم مئات الشهداء والجرحى. قبل بزوغ فجر يوم الاثنين 7 حزيران 1982 تبيّن أن العدو ارتكب مجزرة مرّوعة في المخيم – لم يستطع الإعلام تصويرها ونقلها، ففي ملجأ نادي الحولة سقط 94 شهيداً من أطفال ونساء وشيوخ ولم يستطع المدافعين عن المخيم من إنقاذ أي منهم بسبب احتراق الجثث من القنابل التي أُلقيت عليهم، بينما تحوّل الملجأ إلى مقبرة جماعية، بعد أن تم بناء مدخل الملجأ بحائط من الإسمنت. وفي العام 1985أُقيم نُصب تذكاري تخليداً لذكرى الشهداء. غارة علي الرميض 21 شهيدا، ملجأ روضة النجدة الاجتماعية 7 شهداء، غارة حي المغاربة 3 شهداء، وعدد آخر أصيب في المنازل والأزقة.

ورغم حجم الخسائر وسقوط العديد من الشهداء إلاّ أن المخيم سجّل بصمود وبسالة وتضحيات أبنائه أروع صور المواجهة والمقاومة والانتصار على العدو الصهيوني...فشعبنا الفلسطيني يضعف أحياناً، ولكنه يمتلك إرادة مؤمنة تجعله يصمد وينتصر بإذن الله.

المصدر: البراق