رسـائـل صبـابة وحنظلة | آلو.. ابن عمي!
بقلم: أماني شنينو
فوجئت بتجاهله اتصالي. ليس اتصالاً واحداً بل اثنان.. وعشرة! أخذني الغضب
ولا أدري كمية البذاءة التي راشقته بها ولعنته في داخلي قائلة بيني وبين نفسي
«يصطفل.. ما عاد أعيدها وأتصل»! ابن عمي الذي يفصلني عنه كل من الأردن ولبنان. ابن
عمي الذي لم أره ولم أعرفه إلا صدفة على موقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك»، الذي
لو عرف مارك زوكربرغ بعدد الفلسطينيين في الشتات الذين وجدوا بعضهم عبره، لسمّاه
«موقع التعارف العائلي»!
لا أُخفي أني بكيت! فقد شعرت بالإهانة. كانت المرة الأُولى التي أتصل به،
فلماذا إذن يُغلق الباب في وجه مُبادرتي؟ نويت النوم هرباً من كل المشاعر السلبية
التي لحقتني، لكني رأيت في ما يرى النائم أطفالاً كثيرين.. لا يمكنني تخيل عددهم،
يدورون في دائرة كبيرة شكلوها بتشابك أيديهم. كانوا يغنّون بصوتٍ دافئ أغاني تشبه
براءتهم وجمالهم.
كنت أنظر اليهم من أعلى الدائرة، لكن لا أدري لماذا كان وجهي يبدو كبيراً
جداً وكذلك يدي اليمنى، بينما هم بحجم الأقزام ولربما أصغر. فجأة، حين انتبهت
للأمر وتأملت يدي مقارنةً بهم حدث العكس! صاروا يكبرون بسرعة، كحركة الكاميرا حين
تقوم بعمل «زووم»! « تكبير.. تكبير».. أحدهم كان يُعطي هذا الأمر لهم، ويُعطيني
أمراً معاكسا وهو التصغير، فكنت أصغر بحيث أصبحت أنظر اليهم رافعة رأسي للأعلى.
نظروا الي دفعة واحدة، ثم قبَّلوني واحداً واحداً.. والأخير منهم قبّلني على عجل
وركض سريعاً خلفهم. مضوا بسرعة فلم أرهم يذهبون.. فقط تبخروا كما يتبدد
الدخان!
فزعتُ من نومي! اوف ما هذا؟ كابوس؟ ضوء الغرفة لا يزال مُشتعلاً...
وهاتفي بيدي! تسارع غريب في نبضي، أشعر وكأن قلبي سيقفز من جسدي. حاولتُ تهدئة
نفسي فأخذت نفساً عميقاً وجلست إلى حافة السرير مرة أخرى.
ما أن هدأت بعض الشيء حتى وقفتُ أمام المرآة لأتاكد: وجهي ..يدي! إنهما
بالحجم الطبيعي ..»اوووف الحمدلله»!
لكن شيئا ما مبهماً هزَّني من أعماقي، فشرعت بالبكاء! بكيت بحرقة لم
أعهدها أبداً، وبدأت فكرة تروادني «معقول هالحلم حامل رسالة الي؟» وأي رسالة هذه
قد تكون؟ ولماذا أنا؟ ولم الآن؟.
فتحتُ «اللاب توب»، وكعادتي، قفزتُ لفتح الفايسبوك مستعجلةً. ثواني
للتحميل.. وأنا صبري قليل.. قليل. فتحت نافذة أخرى لتويتر، وثالثة ليوتيوب لسماع
موسيقى لموزارت. كنت أريد موسيقى صافية، بدون كلمة. صمت قد يُعديني فيصمت هذا
الغضب غير المبرر بداخلي. أهو اتصالي المتكرر دون نتيجة بابن عمي؟ أم
الحلم/الأطفال! ومن هم هؤلاء؟ وماذا يعني هذا الحلم..
عدت إلى نافذة الفايسبوك.
تصفحت صفحتي.. بعض تعليقات الأصدقاء عن سوريا، وبعضهم عن مصر، والأغلبية
تكتب في هاشتاغ «#الغوطة». «#الغوطة_الشرقية»، صورٌ لمذبحة أطفال! للحظة عاد الدم
ليتجمد في عروقي.
تسارع نبضي من جديد، بكيت، قاموا بقتلهم بالكيماوي! كفنٌ يبدو أكبر من
أجسادهم الصغيرة بكثير، وأجساد أخرى تبدو أكبر عمراً، اختنقت.. فجأة تجمدت دموعي
وتوقفت عن البكاء، وصراخ بداخلي بدأ يعوي، كيف لإنسان أن يقوم بتوجيه سلاح به غاز
سام لإنسان آخر؟ وهذا على افتراض أن الأول إنسان فعلاً! وليس حيواناً تطورت قدرة
يديه بحيث يحمل
سلاحا!
عدتُ لمشاهد الحلم بالتفصيل، وجوه الأطفال الباهتة التي كانت تغني بصوت ملائكي،
لا أذكر الأغنية.. الكلمات.. الصوت، إنما الصورة، وجوههم فقط! دورانهم! أكانوا
يدورون حول موتهم! يزفون أنفسهم للسماء؟ يالوجع الذي لا تستطيع أمامه سوى السكوت..
سكوت أنيق يلبس الأسود، ماذا عن ابن عمي؟ هل ذهب معهم؟ لماذا نشرات الأخبار تُعلن
ضحايا المجزرة بالأرقام! أي جريمة هذه، التي تمنعك أن تطمئن إلى أحد أقاربك ان كان
ضمن قائمة الشهداء أم نجا مصادفةً؟
بالأمس حلمت بالأطفال مرة أخرى، ولكن هذه المرة كانت ضحكتهم واضحة،
يُصفِّقون، يركضون في اتجاهات مختلفة، يلحقون بعضهم البعض، أذكر أن السماء كانت
بلون أبيض، وكانوا يلبسون ثباياً بلون قوس قزح، ألوان مليئة بالفرح.. أتأملهم عن
قرب وأيضاً؛ كما نهاية الحلم السابق كنت أبدو صغيرة وبحجم قزم أمامهم.. حتى أنهم
لم يستطيعوا رؤيتي أو الإحساس أصلاً بوجودي معهم..
فجأة فتحت عينيَّ على صوت تنبيه الهاتف الى وصول رسالة. كانت من ابن عمي
«آسف، أنا بخير ولكن جيراني وأصدقائي ليسوا كذلك. عزاء جماعي بجانب بيتي. شكراً
لاتصالك.. لا تحرميني من دعواتك لنا أرجوكِ!»
بالطبع لم يكن بحاجة ليقول أنا حزين، متعب.. أنا ميت حي! لكنني فهمت.
المصدر: الأخبار