رسائل صبابة وحنظلة.. أن تحبّي فلسطينيّاً
بقلم: طه سمور
صديقتي، مرّ زمن ولم أكتب لك. وكما في كل مرة، حين يصل الحال إلى «مواصيله»، أجدني أحمل قلمي لأكتب لك. منذ فترة، وقعت على ملصق كتب عليه «أن تحبّي فلسطينياً، أي أن تكوني خيمته الأخيرة». وقبلها بأيام، حدثتني إحدى صديقاتي عن علاقتها بفلسطيني. كانت تحدثني عن فيض أحاسيسه. وختمت «لم أكن أعرف أن قلب الفلسطيني يستطيع أن يعطي كل هذا»... وأنا لم أجد جواباً سوى ابتسامة.
صديقتي، أذكر أنني حملت عبء فلسطينيتي منذ الطفولة. حين كان ابن مسؤول حركة أمل في مدرستي يكيل لي الشتائم و«يبدّع» باختراع النعوت التي تتناغم مع «فلسطيني»، أثناء حرب المخيمات. وحين صرت تلميذ مدرسة «وكالة»، بدأت أدرك حجم هذا العبء أكثر، بالرغم من جهد الوكالة الممنهج لمحو هويتنا. أضيفي إلى هذا كله العنصرية، سواء على حواجز القوى الأمنية أو مكاتب التوظيف. بالمقابل، لم أقدر أن أستبدل الوطن بآخر، أن أتقبل فكرة الوطن البديل أو الجنسية الأخرى أو التعويض. فالوطن حلمنا، ولعنة قلب الفلسطيني أنه يخشى الحلم. ولكن إن وجد يداً تدغدغ هذه الأحلام، فلن يتردد للحظة. ولعنة قلب الفلسطيني أنه لا ينقل أحلامه من امرأة لأخرى، تماماً كما يرفض أن ينقل وطنه وجنسيته وأحلامه. تماماً كما يخشى أن يوضّب حقائبه، ففكرة الرحيل لا تزال مرعبة له. نحن الذين نعطي التشرد والتحدي معنى جديداً كل يوم، نعطي الحب معنى جديداً أيضاً. فالفلسطيني يرسم في امرأته امتداداً للوطن. يبحث عن الأمان والمنزل، وعن جفرا. صديقتي، الرحيل موجع. أن توضبي ذكرياتك مرة أخرى، وأن تنفي نفسك «اختيارياً» عن كل ما تعشق نفسك. عن قهوة الصباح، عن زاروب «إسترال»، عن الحمراء، عن صوت فيروز الجميل وعن وعن وعن... أن تنفي نفسك عن كل شيء تنتمين إليه، تماماً كما نفيت من وطن كل ما فيه لك، وكل ما فيك يدين بالفداء له.
كيف نعتاد الرحيل؟ كيف نقول لهم بكل بساطة إننا تعبنا من السفر؟
وإن أحببت فلسطينياً، توقّعي فيضاً من الحب والأمان. احرصي على أحلامه فهو لن يحتمل لسعة رحيل جديد. لن ينقل أحلامه التى أنجبها بين يديك إلى أياد أخرى. بل سيضيفها إلى لائحة ما أحبّ وخسر: وطن لم ير منه إلا الصور، وحضناً كان يبحث فيه عن أثر ذلك الوطن.
المصدر: الأخبار