رسائل صبابة وحنظلة: لن نموت
بقلم: أيهم السهلي
الموت لعبة تجيدها الحياة وتدرك مسالكها والرصاصات المتسلقة لهواء يعبر نحو جسد غضّ جميل يسبح في الأرض بحثاً عن لقمة عيش كريمة. الموت، ركض الحياة نحو بداية جديدة تنتهي عند السؤال عن معنى البقاء في قضية لا توجع أكثر من صاحبها الذي يظن أنه لا يموت.
اللعبة التي تجربها الحياة منذ الأزل وستكمل حياكتها إلى الأبد، يتقنها الفلسطيني بطريقة، اختلفت الحياة على تفسيرها: ظنّ الطفل الذي اتخذ من الدبابة لعبة، ومن مدفعها ميلاناً طبيعياً للزحلقة، وفارس عودة الذي حمل حجراً بوجه دبابة، ظنّ أيضاً أن الحجر قوة ستصهر الحديد الصلب وتبقيه حياً.
مثل هؤلاء الأطفال تتناوب الحياة على العبث بحياتهم.
لسنا بعيدين عن قنبلة تنفجر في مساء متعب من الجوع والعطش، ولسنا قريبين من موت يتفرع في الهواء اللزج والحامل رائحة الموت من كل التاريخ الفلسطيني. الموت الذي تسابقنا عليه سابقاً وصار جزءاً من شخصيتنا «الوطنية» ومكوناً لرمزية الحياة خاصتنا.
كذلك لسنا بعيدين عن ملائكيتنا وبشريتنا. ولكننا تمرسنا الهجوم والدفاع في آن واحد، وتمرسنا الإيمان بأن لا موت سيأتي إلا بإذننا. وكأننا آلهة تقرر متى وأين تموت، ومتى وأين تحيا. وتعلن مشيئتها بأن الموت سبيل لحياة الأرض التي لم تبتعد أكثر من فجر لم نتنفسه بعد. ففي المخيم ثمة فلسطين ضائعة، وفي المخيم ثمة ثورة قائمة لن تنهك، وثمة وجود لا يتعب من وجوده بهوية مكونة من هويات.
لسنا خارج الفرح، ولكننا نرفض المفروض علينا. فما زلنا الغضب الذي يتمشى في أزقة التاريخ. لا لأننا نحن الماضون نحو ما نريد بدمنا، ولا لأن تاريخنا لم يشهد استقلالاً واضحاً كالشمس، ولا لأن الحرية من جباهنا تسطع، لكن فقط لأننا شعب يحب أن يحيا دون موت تجيد لعبته الحياة. ولنا أن نختار موتاً نجيد فن اللعب فيه كما تستريح الأرض التي نريد.
لذا، فمخيم اليرموك رغم ما أصابه لم يقف على الحياد أمام إرادة قتله. فقام ولم يمت.
المصدر: الأخبار