«رسائل من اليرموك»
بقلم: بشار إبراهيم
لم يكفّ المهتمون عن دعوة التلفزيون إلى
دخول عالم الإنتاج الوثائقي، اعتقاداً أن القنوات الفضائية تمتلك، بإمكاناتها المالية،
وطاقاتها المهنية، المقدرة على كسر حال الانغلاق التي تتسم بها الحال الإنتاجية العربية.
ومن هنا فإن كلّ إضافة تقدمها أيّ من الفضائيات في هذا المجال جديرة بالاحتفال.
لم يكن لمأساة مخيم اليرموك أن تقع، وتستمر
على مدى سنتين، حتى الآن، من دون أن يبادر المخرج رشيد مشهراوي لصناعة شريط يبيّن موقفه
تجاه هذه المأساة، ورؤيتها في إطار النكبة الفلسطينية. إذ أن رشيد مشهراوي بات منذ
أول أفلامه التي شاهدناها («جواز سفر»، 1986)، المعادل السينمائي للموضوع الفلسطيني،
على مختلف الصعد، وشتى المواضيع، إلى درجة أننا بالكاد نعثر على موضوع فلسطيني حياتي
أو وطني، من دون أن نجد له صدى في أحد أفلامه.
منذ زمن ما قبل الانتفاضة الفلسطينية الكبرى
(1987 – 2001)، أخذت أفلام رشيد مشهراوي صيغة القول السينمائي في الشأن الفلسطيني،
الرواية البصرية الموازية أو المحايثة، الناقدة حيناً والمؤسسة حيناً آخر، بدءاً من
نقد حلم الهجرة خارج فلسطين، إلى رصد معاناة العمال الفلسطينيين (في زمن ما قبل الانتفاضة)،
بين ذلّ المعابر، والضياع في أقبية تل أبيب، مروراً بالانتفاضة ووقائعها وأثرها، وصولاً
إلى اتفاقيات أوسلو وجدل الفلسطينيين حولها، ونقد السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وليس
انتهاء بالتجوال بحثاً في حال وواقع اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، في الأردن وسورية
ولبنان. يحقّق رشيد مشهراوي فيلمه الوثائقي الجديد «رسائل من اليرموك» (2014، 57 دقيقة)،
بتعاون مع قناة «الغد العربي»، الجديدة في عالم الفضاء العربي، مستعيناً بالمنتج عبدالسلام
أبو عسكر، لننتهي معهما إلى فيلم وثائقي يبدو من عنوانه أن يريد تناول مأساة مخيم اليرموك.
منذ اللحظات الأولى من الوثائقي يتبدّى
حرص مشهراوي على أمرين اثنين: واقعية ما يجري، أولاً، وإعطاء أصحاب الحقّ ما يستحقونه،
ثانياً. وسيتحوّل الفيلم إلى ما يشبه حكاية الفيلم ذاته.
يوظّف مشهراوي أبرز وسائل الاتصال الإلكتروني
(سكايب)، ويجعله عنصراً بصرياً، يلعب دوراً لازماً، فعبره يتعرّف إلى لميس، وهي سوف
تدلّه على نيراز، الذي سينهض الفيلم كاملاً على ما أمكنه تصويره من داخل مخيم اليرموك،
المُحاصر، والمنغلق على وسائل الإعلام. وسيثابر مشهراوي في الاتكاء على هذا الاتصال
الإلكتروني، طيلة الفيلم، إلى درجة أنه يجعله الخطّ الدرامي الموازي عملياً، والفاعل
إنسانياً، خاصة عندما ينتبه (وننتبه معه) إلى العلاقة الخاصة التي تربط لميس بنيراز.
ها نحن أمام ثلاثية: المخيم، ولميس، ونيراز، التي تتقابل مع ثلاثية: الحصار، والنزوح،
والبقاء. وسنجد أن التفاصيل تتمهل على بوابة الانتقال إلى قلب المخيم، في فيلم نموذج،
أنتجه التلفزيون، فينجو من التقريرية، وينتسب إلى الفن الضروري.
المصدر: الحياة