روح الثورة الفلسطينية
بقلم: ماهر أبو عيسى
في المسار التاريخي لحراك الاجتماع السياسي لشعبنا الفلسطيني منذ مطلع القرن العشرين، وتحديداً منذ بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917، انصهر شعبنا في ديناميكية الصمود حتى هذه اللحظة التاريخية باختلاف المكان والزمان مما يستدعي هنا دراسة «ظاهرة الجماهير» في ميدان سوسيولوجيا الثورة، كفاعل مؤثر في حقل الاجتماع السياسي.
لا بد هنا الاشارة إلى خصائص شعبنا الفلسطيني من منظور علم النفس الاجتماعي:
·الوحدة العقلية بدون أن يكون هناك تجمع مرئي.
·سرعة الانفعال الإرادي.
·امتلاك قوة لا تقاوم، فمفهوم المستحيل لا معنى له.
·مؤهلة للانخراط في العمل.
·الوعي الجمعي الكثيف.
ارتكازاً على ما سلف، يسعى شعبنا في أماكن انتشاره إلى تكوين مؤسسات مجتمعية ذات أهداف وطنية؛ متنوعة الأعمال والنشاطات، تمدّ الثورة بما يمنحها الاستمرار وتحقيق الأهداف الوطنية السامية. حديثها كان المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج الذي عقد في اسطنبول في شهر شباط (فبراير) 2017، بِسِماته وخصائصه ومؤسساته يصنف ضمن الحركات الاجتماعية التي تسعى إلى إصلاح وحماية المجتمع من الفساد والانحراف عن المسار الوطني العام.
هكذا مؤتمرات جماهيرية أصبحت ضرورة موضوعية في ظل التسويات السياسية التي أقصت واستبعدت شعبنا الفلسطيني في الخارج، وهمشته سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
هذا المؤتمر ليس حركة رفض لوجود منظمة التحرير الفلسطينية (كإنجاز وطني يجب المحافظة علي)، أو حركة انقلابية عليها، كما أنه ليس موازياً أو بديلاً عنها. إنه حركة اعتراضية على أدائه؛ إنه حركة تصحيحية لمسار منظمة التحرير الفلسطينية، لتكريس منطلقاتها الوطنية لتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.
إنه رؤية وطنية واضحة ومحددة لعملية الإصلاح في النظام السياسي الفلسطيني، بما يضمن وحدة الأهداف واتساقها ومعالجة كافة الإشكالات ومظاهر الخلل في المؤسسات الوطنية والسياسية الفلسطينية والدور المنوط بها وتعزيز المشاركة الوطنية الجماعية في تنفيذ عملية الإصلاح، على أساس قِيم التشاركية في الإدارة والقيادة وصناعة القرار، و إحياء دور المؤسسات الجماهيرية لتزويد الثورة بالزخم الجماهيري.
هذا المؤتمر ليس حالة طارئة أو أداة وظيفية، إنما أصبح مكوناً من مكونات المبنى السياسي الفلسطيني. هذه الحركة الاجتماعية تشكل فعلاً متقدماً وطاقة متجددة لا تنضب في صناعة الوعي الجماعي.
والجدير ذكره، أن مخرجات المؤتمر شكلت البيان السياسي الجماهيري الثوري الأول، بعد اتفاقية أوسلو، حيث نهج الواقعية السياسية التي لا تفرط في الأصول والمقدمات، وأطلقت خيار القوة بأن ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بقوة أكبر منها.
إن الحركة الوطنية الفلسطينية لا تنحصر جغرافيتها السياسية والتمثيلية في الوطن المحتل فقط، إنما تشمل أماكن الانتشار واللجوء، حيث الكتلة الشعبية المقتلعة من وطنها أكبر عدداً من المقيمة في الوطن.
يُعتبر المؤتمر رسالة تاريخية مفتوحة إلى جماهير شعبنا وقواه الفاعلة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لتجديد طاقة روح الثورة الفلسطينية وجماهيرها الثورية لتحرير كل فلسطين.