ستة اعوام مضت.. أين
اصبحت حقوق الفلسطينيين في لبنان؟
بقلم: فتحي كليب
في مثل هذه الايام قبل ستة اعوام كان البرلمانيون
اللبنانيون منهمكون في نقاش بعض التعديلات المطروحة على بعض القوانين التي كانت تحرم
الفلسطينيين من حق العمل وغيرها من الحقوق..
انعقدت الجلسة العامة للبرلمان اللبناني في
17/8/2010، وهي المرة الاولى منذ العام 1948 التي تناقش فيها جلسة رسمية للبرلمان اللبناني
مسألة حقوق الفلسطينيين في لبنان وهذا بحد ذاته مسألة ايجابية رغم ان ما خرج عن الجلسة
لم يكن يساوي شيئا، الا ان تلك الجلسة شكلت نقلة هامة في مسار الحقوق الانسانية للاجئين
الفلسطينيين المقيمين في لبنان، حيث اقرت ادخال بعض التعديلات القانونية، وهي تعديلات
جاءت كتسوية بين الاطراف السياسية والطائفية اللبنانية. فتم ادخال تعديل بسيط على المادة
59 من قانون العمل وتعديل آخر على المادة التاسعة من قانون الضمان الاجتماعي، فيما
تم استبعاد بقية الحقوق ومنها حق التملك..
مسألتان هامتان ومتناقضتان يمكن الاشارة اليهما
سلبية وايجابية: المسألة السلبية هي في ان واقع التمييز ظل على حاله، نتيجة الابقاء
على اجازة العمل اولا وتجاهل حقوق العاملين في المهن الحرة ثانيا، والايجابية هي في
اقتناع البرلمان اللبناني وقطاع واسع من الراي العام اللبناني بمختلف انتماءاته السياسية
والطائفية باستحالة ابقاء اوضاع الفسطينيين على حالها من البؤس والمعاناة. وبالتالي
الاقرار بصعوبة تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على اللاجئين الفلسطينيين نظرا لخصوصية
اوضاعهم السياسية والقانونية، وقد تم الغاء مبدأ المعاملة بالمثل على مستوى حق العمل
للاجراء فقط، وبقي معمولا بهذا المبدأ في جميع القوانين الاخرى..
كان يفترض ان يشكل الغاء هذا المبدأ مقدمة
لتحرير حق العمل، للاجراء والمهنيين، من جميع الشروط المفروضة على الاجانب وبما يعتبر
اسهاما فعليا في تحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين. لكن مجرد ابقاء الحالة
التمييزية سواء لناحية شرط الحصول على اجازة العمل او بالنسبة لاستبعاد المهنيين الفلسطينيين
من حق العمل بحرية، فهذا مؤشر سلبي اذ ليس هناك تغييرات مستقبلية في مجال عمل الفلسطينيين..
عندما اقر البرلمان اللبناني التعديلين القانونيين
في آب 2010، طرح سؤال بديهي في حينه عن الاسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الخطوة،
خاصة عندما بادر العديد من الساسة اللبنانيين لاعتبار هذا الامر "اقرارا بالحقوق
الانسانية، وجب على الفلسطينيين ملاقاة اللبنانيين في منتصف الطريق". غير ان تقييم
خطوة البرلمان اللبناني، بعد ستة اعوام على اقرارها، مقارنة مع فترة ما قبل العام
2010 تشير الى ان هناك انحدارا سلبيا في مسار تعاطي المؤسسات اللبنانية المعنية مع
الفلسطينيين في لبنان وحقوقهم الانسانية والاجتماعية.. ما يؤكد صحة التحفظات التي عبرت
عنها الكثير من الفصائل والشخصيات والمؤسسات الحقوقية المعنية..
ان قراءة واقعية وموضوعية لمسار خطوة مجلس
النواب اللبناني تجاه الحقوق الانسانية للشعب الفلسطيني في لبنان، تجعلنا نجزم بأن
هذه الخطوة، ومعها الشعب الفلسطيني في لبنان، وقعا ضحية للانقسامات اللبنانية، ما يجعل
الحالة الفلسطينية برمتها مطالبة بتقييم طبيعة علاقتها مع الدولة اللبنانية بمختلف
مؤسساتها واستخلاص الدروس التي بامكانها رسم علاقات مستقبلية جديدة صحيحة وسليمة قائمة
على التزام كل طرف بواجباته واحترام حقوق الآخر.
نقول هذا الكلام ليس من زاوية اعادة النظر
بالموقف الاجماعي الفلسطيني بتحييد الحالة الفلسطينية في لبنان وابعادها عن التجاذبات
المحلية والاقليمية بمختلف اشكالها السياسية والطائفية والحزبية، بل من زاوية تقديم
الحالة الفلسطينية باعتبارها تجمعا فلسطينيا، كما عليه واجبات تجاه الدولة المضيفة،
فله ايضا حقوق يجب ان تحترم. وهي حقوق ليست منّة من احد، كما حاولت بعض القوى تصوير
خطوة مجلس النواب تجاه الفلسطينيين في لبنان، بل هي حقوق واجبة التنفيذ على الدولة
اللبنانية..
ان تحييد الحالة الفلسطينية في لبنان عن التجاذبات
والصراعات المحلية خاصة يجب ان تقابل بسياسة اخرى من قبل الدولة اللبنانية بمؤسساتها
المختلفة.. وبالتالي فان عدم انحياز الفلسطينيين الى تيار سياسي لبناني، يعني حكما
ان هناك قناة رسمية لبنانية هي المؤسسات المعنية (سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية)
يجب على الفلسطينيين التعاطي معها. هذا الموقف كان خلاصة لتقييم الدور الفلسطيني في
مراحل سابقة.. لكن عندما تصبح المؤسسات الرسمية اللبنانية هي ذاتها موضع تجاذب وانقسام،
فهذا يعني ان المشكلة هي لبنانية بالاساس وبالتالي ليس هناك جهة رسمية يستطيع الفلسطيني
التعاطي معها.
وعلى سبيل المثال فقط بما اننا نتحدث عن التعديلين
القانونيين، اقرت السلطة التشريعية تعديلين قانونيين، وبموجب الاعراف احيلت هذه القوانين
الى الهيئات المعنية لاصدار المراسم التطبيقية لتنفيذها، لكن نظرا لموقف سياسي مسبق
من قبل وزير ينتمي الى كتلة نيابية له موقف مسبق من حقوق الفلسطينيين في لبنان (كتلة
التيار الوطني الحر ثم الكتائب)، توقف العمل بهذه القوانين، والاهم من ذلك ان ما من
هيئة قضائية او اشرافية تابعت هذه المسالة، التي هي ليست مخالفة للقانون فقط بل وتجاوز
واضح من وزير لسلطة مجلس النواب. وبالتالي فان المؤسسات المعنية بتطبيق التعديلين القانونيين
(وزارة العمل) اصبحت طرفا مباشرا في التجاذبات، ما يجعل اصحاب الحقوق مطالبين بالبحث
عن اساليب وطرق نضالية اخرى تسهم في تصحيح العلاقات المستقبلية بين الطرفين.
ان استعراض السياسة اللبنانية والاجراءات المتخذه،
تؤكد ان لبنان لم يقبل على اقرار التعديلين القانونيين الا نتيجة التحركات الشعبية
الضاغطة وبعد اتساع دائرة النقد على المستوى الدولي، ما دفع بلبنان الى محاولة النزول
عند بعض المطالب الدولية (مجلس حقوق الانسان) وبما يضمن اقترابه اكثر من المعايير الدولية
في تعامله مع اللاجئين الفلسطينيين..
التعديلات القانونية السابقة وإن كانت تشكل
خطوة محدودة جداً، إلا أنها تبقى منقوصة وجزئية بعد ان اختصرت الحقوق الانسانية بحق
العمل فقط وبشكل مجزوء ايضا، وهي تعديلات لم تستجيب إلى الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية
التي طالب ولا زال يطالب بها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان. ومن بينها حق تملك شقة
للسكن، والغاء إجازة العمل، والحق في ممارسة المهن الحرة (كالطب والمحاماة، والصيدلة
والهندسة وغيرها)، وحق العامل في الإفادة من صندوق الضمان الاجتماعي أسوة بالعامل للبناني،
دون أن يمس ذلك حقه في الإفادة من خدمات الأونروا، أو يؤثر على وضعه القانوني كلاجئ.
ان مسألة تحسين اوضاع الفلسطينيين في لبنان
المعيشية والاقتصادية لم تعد قضية سياسية وانسانية فقط بل هي مسؤولية لبنان وباتت تشكل
شرطا اساسيا من شروط الحياة لكنها خضعت، كما العادة، لواقع التجاذبات السياسية والطائفية
التي كانت السبب المباشر في عرقلة امكانية الوصول الى النتائج المنشودة بإقرار الحقوق
الانسانية كرزمة واحدة دون تجزأة.
لكن السؤال: اذا كان هناك من شكر وتقدير عبرت
عنه كل الحالة الفلسطينية للبرلمان اللبناني باقرار التعديلات السابقة، فلماذا لم تبادر
اي كتلة نيابية صديقة وغير صديقة، وما اكثر الاصدقاء بالاعلام، عناء السؤال اين اصبحت
هذه القوانين.. الم يحن الوقت بعد لاخراجها من ادراج وزارة العمل، خاصة وان الجميع
بالغرف المغلقة يسلمون بعدالة المطالب الفلسطينية؟