القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

سر الهجمة الإسرائيلية على الأقصى

سر الهجمة الإسرائيلية على الأقصى

بقلم: هشام منور

يدرك الاحتلال الإسرائيلي جيداً أن الدول العربية ليست في حالة تمكنها من رد أي عدوان، حتى ولو استهدف المسجد الأقصى. فهذه الدول غارقة حتى أذنيها في همومها ومشاكلها الداخلية الأمنية والسياسية والاجتماعية. والأهم، أن الاحتلال يدرك أن الصورة الجديدة للإسلام في العالم، والتي صنعها الإرهاب الداعشي، لم تترك لقضية المقدسات الإسلامية صديقاً أو حليفاً أو حتى متعاطفاً. حتى إن بعض الدول الأوروبية اشترط لقبول حصته من اللاجئين من الشرق الأوسط أن يكونوا مسيحيين أو تحديداً أن لا يكونوا مسلمين.

يحرص الاحتلال الإسرائيلي على الإيحاء بأنه خارج دائرة الصراع في الشرق الأوسط. وأن هذا الصراع الذي يقلق العالم اليوم بما يتسم به من ممارسات إرهابية عابرة للدول وحتى للقارات، ليس جزءا منه، ولا مسؤولاً عنه. بل إنه نتيجة لصراع عربي عربي ولصراع عربي إيراني. أما الصراع العربي الإسرائيلي الذي كان يتمحور حول قضية تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية والمسيحية من الاحتلال والتهويد واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني فقد تحوّل إلى ملف يعلوه غبار الزمن.

من مصلحة الاحتلال الإسرائيلي دفع الطرفين المتنافسين، العربي والإيراني لمواصلة الصراع. ومن مصلحته أيضاً تعميق هوة اللا ثقة بينهما. ومن مصلحته كذلك إسقاط القضية الفلسطينية عن عرش الأولوية في الاهتمامات العربية والإسلامية، مما يمكنه من المضي قدماً في مخطط التوسع والتهويد، وهو ما يقوم به الآن.

ولذلك تطلب "إسرائيل" اعترافاً عربياً وإيرانياً بها دولة يهودية كشرط مسبق لأي تسوية في المنطقة. والاعتراف بيهودية الدولة يعني الاعتراف بحقها في إقامة الهيكل. وموقع الهيكل هو المسجد الأقصى.

تعرف الدول العربية التي تحسبها جميعاً وقلوبها شتى أنها إذا استجابت لطلب الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، فإنها تشرع بطريقة غير مباشرة لمزيد من المطامع التوسعية الإسرائيلية القائمة على خلفية دينية توراتية زائفة! وأن الضحية الأولى لذلك سيكون إضافة إلى المسجد الأقصى (والذي وضعت إسرائيل المخطط الهندسي لبناء هيكل يهودي جديد على أنقاضه)، مزيداً من الأراضي العربية (من النيل إلى الفرات)!

من مصلحة الاحتلال الإسرائيلي النفخ في نار الصراع الإيراني العربي وتوسيع الفجوة القومية والمذهبية بينهما لدفع مشروع تقسيم المنطقة إلى دويلات دينية ومذهبية وعنصرية متناحرة لن تكون إيران ذاتها بمعزل عنها. فهذا المشروع الذي بدأ في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين (رسائل بن غوريون موشي شاريت) والذي نظّر له تفصيلاً في دراسة لحساب وزارة الدفاع الأميركية في عام 1978 المستشرق الأميركي اليهودي برنارد لويس، هو الركن الثابت في إستراتيجية الأمن الإسرائيلي. وبعد انقسام السودان إلى دولتين على خلفية دينية عنصرية، وبعد تمزق العراق قومياً ومذهبياً، وبعد التهجير القسري للمسيحيين، فإن الصراعات المذهبية في اليمن وسوريا، والصراعات القبلية في ليبيا، تشكل بدايات مشجعة للمضي قدماً في هذا المشروع التدميري الخطير.

يجري توظيف نظرية تفتيت الدول لتمرير مشروع تقسيم العالم العربي ومن ثم لدعوة مجموعة الدول الطائفية والعنصرية التي ستقوم فوق أنقاض هذا التقسيم إلى تبني هذه "الواقعية"، أي إلى تقبّل الأمر الواقع الجديد والتعايش معه بسلام. وهذا يعني بالنسبة لهذه النظرية - أن المشاكل الراهنة التي تعيق تقدم المجتمعات العربية لا تعود إلى الصراع مع إسرائيل، ولا إلى هدر الأموال على التسلح لمحاربة إسرائيل من دون فائدة أو نتيجة.

هناك ظاهرتان تصبان في هذا الاتجاه. ظاهرة الصراعات الداخلية المتفجرة في معظم الدول العربية، وظاهرة الصراعات البينية بين الدول العربية. وسواء كانت إيران وراء التحريض على إثارة كل هذه الصراعات كما تُتهم أو لم تكن كما تدّعي، فإن الظاهرتين تتوسلان القوة العسكرية بعيداً عن العدو الإسرائيلي وما يشكله من تهديدات، وبعيداً عن مشاريعه التوسعية وما تمثله من أخطار.

فهل وصل الصراع العربي الإيراني إلى نقطة اللا رجوع؟ وهل سدت كل الأبواب في وجه محاولات التسوية والدعوة إلى كلمة سواء؟ وهل سقط نهائياً منطق العدو المشترك الذي تمثله إسرائيل في وجودها وفي دورها وفي مشاريعها التوسعية والتهويدية؟

الثابت الوحيد أن الصراع القائم حالياً بين إيران والعالم العربي لن يخرج منه سوى منتصر واحد هو الاحتلال الإسرائيلي. فهل يدرك العرب وإيران نتائج ابتزازهما سياسياً واستنزافهما معنوياً أمام العدو الإسرائيلي المشترك؟

المصدر: فلسطين أون لاين