القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

سلاحي البعيد مجزرة

سلاحي البعيد مجزرة

خلال مجزرة صبرا وشاتيلا أظهر الانسان مدى البربرية التي يمكن ان يصل اليها البشر. ففي صبرا كان للموت رائحة وصوت ولون.. اذ عبق فضاء المخيم برائحة البارود وصوت الامهات الخائفات على اطفالهن، اما اللون فكان لون الدماء..

شاهد عيان

مخيم بأكمله دفن في هذه المقبرة الجماعية هنا، وحلّت على الناجين لعنة البقاء الوحيد. جيران المخيم أيضاً لاقوا حتفهم. الناجون منهم قالوا إن كثيراً من اللبنانيين بينهم، كانوا يشهرون بطاقات هويتهم أمام وجوه «حماة لبنان»، يحاولون دفع كأس القتل عنهم، فيشهر القاتل سلاحه المكتوم ويقتل أبناء شعبه أيضاً. أما الصهاينة، فكانوا هم من يساعدونه، تارة بالقنص وتارة يضيئون له مكان الجريمة، مكان المجزرة، مكان المحرقة. وهل نستطيع أن نقول عن القاتل عبارة أنه كان يقتل «أبناء شعبه» بعد قتله للبنانيين من جيران المجزرة؟ أعتذر من الشرفاء اللبنانيين على هذا الخطأ، مؤمناً بوجوب إبقاء الأعين مفتوحة والأقلام جاهزة لكي لا يقع أحد غيري في مثل هذا الخطأ البشع. الكثيرون يؤمنون بضرورة إبقاء الفلسطيني لسلاحه ملقّماً، والرصاص في بيت النار أينما كان. فهو حتى لو كان بعيداً عن خطوط النار يواجه العدو الصهيوني مباشرة، حتى لو تعهّد العالم كله، مرة أخرى، بحماية المخيمات بعد خروج السلاح. هل نصبح أغبياء إلى درجة أن ننسى أنّ معركتنا مع العدو معركة بقاء ووجود؟! وأنه لهذا بالضبط يرسل لنا الصهاينة صهاينة جدداً أمثال «حماة لبنان» وأمثال الأقلام الكاذبة والتلفزيونات الخادعة والنفوس الفقيرة. هؤلاء جميعاً لا يستيقظون، بل لا يستطيعون ذلك حتى لو شاؤوا، حلّت عليهم «بركة الصهاينة» الملعونة. وهم يحاربون الفلسطيني وهو خارج أرضه. والمقاتل الفلسطيني لا يموت والشعب الفلسطيني لا يزول. ألا يعرفون ذلك؟ ألم ترَ أعينهم؟ ألم تسمع آذانهم؟ ألم تنطق ألسنتهم هم أنفسهم بذلك؟!

في هذه اللحظة بالذات تحتشد أرواح ضحايا المجزرة بالآلاف لتقابلني. تتسلل من بينهم روح فتاة جميلة، صغيرة السن هي، اسمها رنا. لا تعلم حتى الآن لماذا حدث ما حدث لها. بل إنها حتى لا تعلم ماذا حدث! وتظن أن كل ما تذكره هو في الحقيقة كابوس، لكنها لا تدري لماذا هي لا تستطيع الاستيقاظ منه. فتروي لنا:

«فئت، استيقظت على إمي وهيّه عم بتبوسني وتبكي. وكان باب بيتنا مفتوح، وكان برّا في ضو قوي، بس الشمس مش طالعة! وع الباب كان في خيالات هني خيالات عدو، كتار وواقفين عم بيطخّوا بكلاشن، زي اللي كان أبوي يقاتل فيّو الإسرائيلية اللي احتلوا فلسطين، بس لمّا فاتوا يحتلوا بيروت. بس الخيالات كانوا عم بيطخّوا علينا وعلى إمي وأواعيها المعلّقة على الحيط، وكمان على خريطة فلسطين المعلّقة هناك، وعلى أخوي الصغير اللي كان ينطّ ليطال الخريطة وما يطالها. كان يقلّو أبوي «إنشاء الله بس تكبر بتطالها». أخوي كان عم يلعب بالدبدوب اللي اشترالي اياتو أبوي قبل ما يروح على تونس. كنت أصيّح عليه، هدول الخيالات طخّوا عليه وهوي ع الطاولة حدّ القرآن والإنجيل اللي أعطاه ياه قرايب أبوي اللي قاعد بضبيه. كانوا الخيالات لابسين صليب، بس مش متل الصليب اللي بلبسوا قرايب أبوي. صليب ما بيحبّو المسيح لأنو زي السكيني بلمع ومسنون وبقتلو للمسيح، زي ما كان الصليب عم يلمع لمّا كان الخيال إللي لابسو عم يدبح أختي الكبيري».

غير روح رنا الصغيرة، كانت هناك آلاف الأرواح، منهم أحمد التلميذ العبقري، ورامي بائع الخضر وسارة الأم الخيّاطة، وأرواح كثيرة تريد لإدلاء بشهادتها ممّا يحول بين الكاتب ومتابعة الكتابة.

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية