القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

سننتظر الانتخابات الإسرائيلية القادمة

سننتظر الانتخابات الإسرائيلية القادمة

بقلم: عبد الستار قاسم

آه، لم نحظ بالتوفيق هذه المرة في الانتخابات الإسرائيلية. فاز نتنياهو وخسر أصحاب السلام، لا حول ولا قوة إلا بانتخابات قادمة، فقط لو يسمحون لنا بالتصويت لمكنّا أهل الخير وجعلناهم من الرابحين.

ينتظر حكام العرب عموما وبعض الفلسطينيين على مدى عشرات السنوات نتائج الانتخابات الأميركية والإسرائيلية علّ وعسى أن يفوز من يمكن أن يقدم لهم فيما يخص الحقوق الوطنية الفلسطينية شيئا يحفظ لهم بعض ماء وجوههم، ويمكنهم من تبرير سياساتهم تجاه إسرائيل أمام شعوبهم. وهم ينشغلون باستمرار ومعهم وسائل إعلام عربية عديدة بالكثير من التحليلات والتوقعات حول النتائج، ومع كل توقع تخفق القلوب أو تتوقف ترحيبا أو خوفا مما هو قادم. وواضح أن عشرات السنين لم تأت بما يتمناه العرب، ويبقى الإحباط نصيبهم مع نتائج كل جولة انتخابية حتى لو فاز من ابتهلوا له بالفوز.

من مظاهر الرجاء الانتخابي

اتصل بي صديق من مدينة نابلس الفلسطينية عام 1981 قائلا إن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية طلبت منه تشكيل مجموعة لمقابلة شمعون بيريز، وإن اسمي مطروح لأكون ضمنها. استوضحت المسألة فقال إن القيادة ترى ضرورة البحث عن سلام مع إسرائيل، وإن شمعون بيريز من الحمائم الذين يمكن التحدث معهم. رفضت الانضمام إليه. جمع صديقي أحد عشر شخصا وأتموا المطلوب، لكن الإعلام الإسرائيلي فضح اللقاء مما أدى إلى إصدار بيان ضدهم من قبل حركة فتح، ولاذت القيادة في الخارج بالصمت وكأنه لا علاقة لها بالأمر.

رأس شمعون بيريز قائمة التجمع العمالي أو اليساري في انتخابات عام 1984، وجهد حينها قادة فلسطينيون في الحث على انتخاب قائمته وذلك بالتعاون مع قيادات فلسطينية من فلسطين المحتلة 1948.

لقد نشط فلسطينيون بكثافة وقوة في استقطاب أصوات لشمعون بيريز، والنشاط بالتأكيد يتطلب أموالا. أي أن الشعب الفلسطيني تحمل سرا مبلغا من المال من أجل أن يفوز بيريز الذي حاز على 44 مقعدا.

لم يستطع الحمامة تشكيل حكومة، فاضطر إلى أن يشكل حكومة وحدة وطنية مع الليكود بقيادة إسحق شامير على أن يتناوبا رئاسة الوزراء.

لم تدخر القيادة الفلسطينية جهدا إلا وبذلته في انتخابات عام 1988 من أجل أن يفوز التجمع، إلا أن التكتل الليكودي تصدر القوائم وشكل الحكومة. لكن الفرج حصل عام 1992 عندما فاز التجمع بقيادة إسحق رابين المصنف حمامة.

تنهدت الأنظمة العربية حينها والقيادة الفلسطينية الصعداء على اعتبار أن رابين سيقدم تنازلات حقيقية، وسيدفع بالعملية التفاوضية إلى الأمام. لكن الفرحة لم تتم لأن القيادة الجديدة نشطت بالمزيد في مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات بخاصة بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.

قال أحد القيادات الفلسطينية إنه سيعتزل العمل السياسي إذا فاز بنيامين نتنياهو بانتخابات عام 1996، معبرا في قوله عن مدى ربط القيادة الفلسطينية مصيرها بصندوق الانتخابات الإسرائيلية. فاز نتنياهو، لكنه لم يعتزل، ولم يُعرف ماذا فعل بدلا من الاعتزال. فاز باراك المصنف حمامة عام 1999، لكنه لم يقدم للعرب شيئا، وانسحب من جنوب لبنان تحت ضغط المقاومة اللبنانية.

لم يشذ الإعلام العربي عن الحكام العرب، وركز كثيرا على ربط مصير القضية الفلسطينية بالانتخابات الإسرائيلية. وعلى الرغم من تركيزه أيضا على أهمية فوز ما يسمى بمعسكر اليسار الإسرائيلي، فإن هذا اليسار خيب آمال الجميع في مراحل فوزه، ولم يكن على مستوى الحسابات العربية.

رسالة ضعف

كيف يمكن أن يفهم عربي الوضع الإسرائيلي لو ربط الإسرائيليون مصيرهم بموت حاكم عربي أو فلسطيني؟ فإذا كان مصير القضية الفلسطينية مرتبطا بصندوق الانتخابات الإسرائيلية فإن قادة إسرائيل يدركون أن لا ضرورة للعجلة في حل القضية الفلسطينية أو تقديم شيء للقادة العرب والفلسطينيين يحفظ لهم بعض كرامتهم، ويدعم وضعهم السياسي أمام الجماهير العربية.

إسرائيل لا ترى أن قادة العرب يعملون ما يجب من أجل انتزاع الحقوق الفلسطينية، أو تطوير قدرات ردع يجبرها على تقديم تنازلات فيما يتعلق بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وكل ما تراه هو نشاطات دبلوماسية في المحافل الدولية، ولقاءات ومؤتمرات تصدر عنها بيانات باهتة غير قابلة للتنفيذ، وانشغال إعلامي بممارسات إسرائيل التقليدية ضد الأرض الفلسطينية والشعب، واهتمام بالتوازنات السياسية الداخلية في إسرائيل.

أعطى العرب على مدى سنوات طويلة تأكيدا للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أنهم لن يغيروا ما هم فيه، وهم بانتظار أن يغير الطرف الآخر ما هو عليه.

لا يكلف العرب أنفسهم التفكير بما يمكن أن يؤثر على السياستين الأميركية والإسرائيلية، وإنما يرجون أن يكلف الأميركيون والإسرائيليون أنفسهم عناء تغيير قياداتهم عبر صندوق الانتخابات لتلائم المقاييس العربية. وبالتالي لا يجد الأميركيون والإسرائيليون أي سبب للتفكير في الشفقة على العرب أو التعاطف معهم. التأكيد العربي يشكل تأكيدا للضعف العربي، وتأكيدا على أن العرب قد قرروا البقاء ضعفاء، عسى في ذلك ما يستدر الرحمة.

وهذا ما يشكل حالة فريدة في التاريخ الدبلوماسي، إذ إن الضعف وما يصاحبه من بكاء وتباك على الأبواب هو الأداة الأولى وربما الوحيدة التي يستخدمها العرب للحصول على الحقوق. وللوضوح، الحديث هنا لا يشمل فصائل المقاومة التي تسهر ليلا نهارا استعدادا للمواجهة، والتي تقض مضاجع إسرائيل.

يقول أحدهم إن الدول تنتظر نتائج انتخابات الدول الأخرى التي لها بها علاقة أو تُظهر لها عداوة، ولا ضير أن يفعل العرب ذلك. صحيح أن الدول تترقب نتائج الانتخابات، وقد تنتظر دول فوز طرف معين في دولة أخرى للحصول على منافع أو لتخفيف توتر أو لأي سبب آخر، لكنها لا تربط مصيرها أو مصير القضية قيد البحث بصندوق الانتخابات.

الدول تتخذ التدابير والإجراءات المناسبة للخروج من مأزق أو للسيطرة على موقف، أو الحصول على منفعة وتحقيق مصلحة، وهي ستكون سعيدة إذا فاز خصم أو ند في الانتخابات ييسر الأمور ولا يعقدها.

لكن الأمر مختلف بالنسبة للعديد من الحكام العرب والقادة الفلسطينيين، إذ إنهم يقبلون العجز ويعقدون آمالا كبيرة على صندوق انتخابات الغير. ففي الضفة الغربية مثلا، هناك قناعة لدى القائد والمواطن العربي البسيط أن إسرائيل لن تعطي الفلسطينيين شيئا من حقوقهم الوطنية، وأنها مستمرة في تنفيذ سياساتها التقليدية، لكن لا يتم الإقدام على تغيير شيء من المعادلة السياسية والأمنية القائمة، ويستمر التنسيق الأمني مع إسرائيل وكأن إسرائيل عنوان السلام والمحبة.

كلهم صهاينة

واضح من أداء مختلف الحكومات الإسرائيلية على اختلاف ألوانها وائتلافاتها أن السياسات الإسرائيلية التقليدية تجاه فلسطين الوطن والشعب مستمرة وغير خاضعة لتغييرات ذات شأن. كل الحكومات الإسرائيلية تصادر الأراضي وتبني المستوطنات وتقتل الفلسطينيين وتلاحقهم وتعتقلهم، وتهدم البيوت وتقتلع الأشجار وتنشر الرعب في كل مكان.

سياسات الحكومات تجاه الفلسطينيين سياسات إسرائيلية وليس حزبية، ولا يوجد لكل حزب سياسة مختلفة عن الأحزاب الأخرى فيما يخص هذه المسألة. هناك سياسة إسرائيلية واحدة تنفذها الأحزاب، فلم يختلف الليكود عن العمل، ولم يختلف كاديما عن الآخرين.

هناك إجماع في إسرائيل على أن فلسطين الانتدابية القائمة حاليا أرض مقدسة، وأن لا دولة غربي نهر الأردن إلا دولة إسرائيل. وهناك إجماع على أنه ليس من الحكمة ضم الضفة الغربية وغزة لإسرائيل، والأفضل منح الناس صلاحية إدارة شؤونهم اليومية والمدنية دون تحولهم إلى كيان يمارس حياة سياسية ومدنية وأمنية مستقلة.

لقد أتى من يسمون بالحمائم إلى الحكم، ولم يقدموا ما توقعه العرب، وأتى من يسمون بالصقور، ولم يفعلوا أكثر مما فعله غيرهم. ربما تختلف الأحزاب في التعابير اللغوية، لكنها تتفق في الإجراءات الميدانية.

دراسة انتخابات إسرائيل

من الضروري مراقبة ودراسة الانتخابات الإسرائيلية لمعرفة التحولات السياسية في إسرائيل وما يمكن أن يقف خلفها من تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية. تشكل الانتخابات في كل الدول التي تشهد انتخابات حرة موضوعا هاما للتعرف على الأمزجة السياسية للناس عموما، وعلى التحول في اهتماماتهم المختلفة، وعلى مدة ثقتهم بقياداتهم وأدائهم وقدراتهم، الأمر الذي يساعد كثيرا في التخطيط المستقبلي وإجراء التحولات المؤسسية التي تستوعب التطلعات المستجدة للشعب.

يشكل السلوك السياسي المصاحب للعملية الانتخابية مرآة للقضايا التي تشغل بال الجمهور، والنتائج التي يتوخونها من فترة الحكم القادمة، ومن خلالها يمكن التعرف على الأنماط المؤسسية التي يمكن أن تظهر أو تختفي، والخطط التي يمكن أن تجد طريقها إلى التنفيذ وتلك التي يمكن أن تنحسر.

أجهزة الدولة نفسها يجب أن تهتم بموضوع الانتخابات لما يمكن أن يقدمه من قاعدة بيانات مهمة للبناء الإستراتيجي والخطوات التكتيكية الموصلة إلى الهدف.

لكن هذا لا يمنع أيضا من أن تهتم دول أخرى لها مصلحة في فهم التحولات السياسية لكي تطور سياسة خارجية أكثر كفاءة وتأثيرا. فمثلا تهتم الولايات المتحدة كثيرا في الانتخابات التي جرت والتي ستجري في بلدان عربية شهدت ثورات لأن في ذلك ما يساعدها على وضع الخطط والبرامج التي تساعدها على تطوير أو تغيير سياساتها الخارجية تجاه هذه الدول خدمة لمصالحها.

إنه من المهم للعرب وللفلسطينيين بالتحديد دراسة الانتخابات الإسرائيلية للتعرف على بعض عناصر القوة والضعف لدى الجمهور الإسرائيلي، ولمعرفة اهتمامات الناس وتوجهاتهم والقيم السياسية والاقتصادية التي تشدهم.. وفي هذا ما يساعد الفلسطينيين على تطوير سياسات تستغل الثغرات التي قد تظهر على النظام السياسي، وتلك التي يمكن أن تتصل بالنظام الاجتماعي والثقافي للإسرائيليين.

فمثلا، نرى أن 34 قائمة انتخابية قد خاضت الانتخابات الأخيرة، وهو رقم كبير بالنسبة لدولة صغيرة مثل إسرائيل، وهو أكبر مما تفترضه الديمقراطية من تعدد. الديمقراطية تفتح المجال لكل من يريد خوض الانتخابات أن يفعل، لكن الكم الكبير من القوائم قد لا يعكس روح الديمقراطية بقدر ما يعكس نوعا من التمزق السياسي.

في إسرائيل هناك قوائم لم تحصل على أي مقعد في البرلمان، وهناك قوائم تتشابه في طرحها السياسي مع أخرى، وهناك كم هائل من الباحثين عن زعامة سياسية.

واضح أن إسرائيل لا تنقسم سياسيا فقط إلى هذا العدد الكبير من القوائم، وإنما تتعدد القوائم إلى حد كبير وفق تعدد المنبع الاجتماعي والأبعاد الدينية والثقافية. أي أن الانقسام السياسي له جذور أعمق منه، وإذا تم استغلالها فإنه من الممكن إحداث مزيد من الانقسامات، الأمر الذي ينعكس سلبا على قوة إسرائيل. فهل هناك من القادة الرسميين من يفكر في رسم سياسات عربية أو فلسطينية لإضعاف إسرائيل؟

خاب من وضع مصيره في صندوق انتخابات عدوه، ولن يجد من عدوه غير الازدراء والاستهتار. فمن فعل ذلك يكون قد قرر مسبقا أنه لا شيء أو يقترب من لا شيء، وطمأن عدوه أن قوانين التحدي لا تتغلب على كسله وخنوعه واستسلامه. فهنيئا لعدو يعرف تماما أن صندوق انتخاباته رمز الخيبة العربية.

المصدر: الجزيرة نت، الدوحة