سوريا وأزمة المواقف
صالح أبو ناصر- طرابلس
الكل قال وحدتنا فلسطين
وفرقتنا سوريا، وهي حقيقة لا يختلف عليها اثنان لأنه ليس من السهل أخذ موقف بشكل عفوي
أو ارتجالي تحركه العواطف لما يدور في سوريا ، فصناعة الموقف شائكة وبغاية التعقيد.
وأي موقف يتخذ سيسجله التاريخ وسيترك آثارًا إما سلبية وإما إيجابية، ولعل بعض أسباب
مأساتنا في لبنان سببها الموقف المنحاز الذي تم اتخاذه من قبل منظمة التحرير، فدخلنا
في قلب الأحداث التي شهدها لبنان، فماذا حصدنا من هذا الموقف سوى الظلم الذي لحق بنا
بعد أن اتفقت الأطراف كلها وكنا بمثابة" كبش الفدا" فأصبحنا الحلقة الأضعف. وكذلك في الأردن ما زلنا
نعاني من تلك المواقف التي دفعت بالجيش الأردني لقتال الفدائيين، الكثير ممن أتوا من
الأردن ما زالوا يعانون من مشكلة فقدان الأوراق الثبوتية، ومن المفترض أن تقوم منظمة
التحرير بمتابعة ملفاتهم. ففي خضم هذه التجارب أي موقف نتبناه يجب أن لا يؤذينا مرحلياً
ومستقبلياً.
في بداية الأحداث التي
تشهدها سوريا كان السكوت وعدم التصريح بموقف يوالي طرف على آخر هو الخيار الأفضل من
بين جميع المواقف، ففي هذه الحالة الأطراف كافة تعتبرك على مسافة واحدة ولا تصنفك في
خانة العدو المباشر.
ولكن مع زيادة شلالات الدماء
والبدء باستهداف المخيمات كان لا بد من التصريح
في الموقف بحيث يتم الجمع بين الحفاظ على الوجود الفلسطيني في سوريا من جهة
وعدم استخدام أو استغلال الفلسطيني من جهة أخرى.
والمواقف ثلاثة
الموقف الأول
الوقوف إلى جانب النظام،
وهذا ليس من الصواب لأن التجارب التاريخية السابقة تؤكد أن الوقوف إلى جانب الأنظمة
يضر أكثر مما ينفع وذلك في مقارنة بسيطة بين الموازين، فكم يساوي حجم النظام مقابل
حجم الشعب، لا يوجد مقارنة. كما أن أي نظام في العالم عبارة عن سلسلة من المؤسسات وفي
ظل الأزمات تصاب هذه المؤسسات بالشلل الذي يهدد انهيار البنية الأساسية لنظام. وبالتالي
أنت تخسر أكثر مما تربح.
الموقف الثاني
الوقوف إلى جانب المعارضة
: الوقوف إلى جانب المعارضة قد لا يكون أفضل بكثير في الوقت الحالي، لأن هذا يعني إبادة
المخيمات عن بكرة أبيها بسبب الموقف المتخذ ضد النظام، وبالتالي سنكون أمام نهر بارد
ثانٍ وثالث ورابع، وبعد ذلك سندخل في معاناة كبيرة، فمخيم نهر البارد لم تنتهِ عملية
إعماره. ولكن الحقيقة التي علمنا إياها التاريخ أنه في أسوأ الأحوال الشعوب هي التي
تبقى لأنهم مزروعون في أرضهم، لا تستطيع أي قوة في العالم إبادة شعب بكامله وخير مثال
على ذلك، الكيان الصهيوني بكل جبروته وسلاحه لم يتمكن طوال 64 عاماً من إبادة الشعب
الفلسطيني، بل على العكس من ذلك الشعب الفلسطيني يزداد والمحتلون تتراجع أعدادهم باستمرار،
فتبني هذا الموقف له بصمته المفيدة على المدى البعيد، ولكن في المرحلة الحالية هناك
صعوبة في تبنيه وخاصة أن الأزمة السورية باتت أكثر تعقيداً من السابق فمن دون أخذ هذا
الموقف والمخيمات تضرب وتدك.
الموقف الثالث
الحياد العقلاني، هذا الموقف
لا يرضي أي طرف من الأطراف ولكن آثاره السلبية أقل من تبني موقف مع أي طرف في المرحلة
الحالية، فأنت لست مع النظام ، ولا تعادي الشعب الثائر والذي من المطلوب منه أن يتفهم
ظروف شعبنا الصعبة والمعقدة.
المصدر: البراق، عدد
نيسان، 2013