«سيناريو الرعب» يوقف "إسرائيل" عند أبواب غزة
بقلم: حلمي موسى
لا يشكّل قرار وقف حرب «الجرف الصامد» على غزة نهاية
سعيدة في نظر الإسرائيليين، خصوصاً في الحكومة الأشدّ يمينية في تاريخ إسرائيل،
ولا حتى في نظر الجمهور الإسرائيلي الطامح إلى الحفاظ على صورة «الجيش الذي لا
يُقهر» و«القادر دوماً على هزيمة العدو».
ويعتقد معلّقون أن جانباً من انعدام الخيار، أو
محدوديته، أمام إسرائيل، كان يكمن في حقيقة أن الحكومة الحالية هي الأشدّ تمسكاً
بالحفاظ على الوضع القائم، والأشدّ خوفاً من التغيير في أي اتجاه، تقدماً أو
تراجعاً. ومع ذلك فإن السيناريوهات التي عرضت أمام الحكومة الإسرائيلية لإقناعها
بعدم اللجوء إلى فكرة إعادة احتلال القطاع لحسم المعركة كانت بالغة الأهمية في
تحديد النهاية الحالية، لأنها حذرت من مئات القتلى الإسرائيليين ومن سنوات قتال.
وكشفت صحيفة «هآرتس» والقناة الثانية في التلفزيون
الإسرائيلي النقاب عن أنه في إحدى جلسات المجلس الوزاري المصغر، التي عقدت أثناء
الحرب البرية على غزة، عرضت قيادة الجيش على الوزراء خطة عملانية لاحتلال القطاع.
ووصفت الصحيفة هذه الخطة بأنها أُعدّت لأن تكون، على حد وصف وزراء كبار، «سيناريو
الرعب». وقال هؤلاء الوزراء إن السيناريو تم عرضه بناء على طلب رئيس الحكومة
بنيامين نتنياهو، الذي أراد من ورائه إقناع الوزراء برفض تنفيذ أي عملية من هذا
النوع.
ومعروف أن وزراء مثل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان
ووزير الاقتصاد نفتالي بينت، وكل منهما يرأس حزباً ائتلافياً مهماً، ووزير
الاستخبارات من الليكود يوفال شتاينتس، دعوا مراراً إلى ترك الجيش الإسرائيلي
يسيطر تماماً على القطاع، ويطيح بسيطرة «حماس» هناك. كما أن الوزير السابق للجبهة
الداخلية جلعاد أردان تحدث مراراً في اجتماعات المجلس الوزاري المصغر مؤيداً
احتلال القطاع. وتشير «هآرتس» إلى أنه ربما على هذه الخلفية قرر نتنياهو عقد جلسة
تداول، وصفها أعضاء في المجلس المصغر على أنها «جلسة تخويف».
وقال أحد الوزراء ممن حضروا الجلسة أنها استمرّت أربع
ساعات، وحضرتها سلسلة طويلة من قادة الجيش و«الشاباك». وبحسب صورة الاستخبارات،
التي تمّ عرضها أمام الوزراء، فإن كل بيت في المدن الكبرى في القطاع مفخّخ، كما أن
شوارع بأكملها مفخخة، وأن عبوات ناسفة تنتظر القوات. وقال آخر «لقد وصفوا لنا في
الجلسة سيناريوهات تبدو وكأنها مأخوذة من الحرب العالمية الثانية، وكان واضحاً أن
هذه الجلسة معدّة لإزاحة فكرة احتلال غزة عن جدول الأعمال، وبعد ذلك بأيام ظهرت في
وسائل الإعلام تقارير تتحدث عن أن كل الوزراء صوتوا ضد احتلال القطاع، وكان واضحاً
للجميع أن ديوان رئاسة الحكومة يقف خلف هذه الأنباء».
وبحسب ما عرضت القناة الثانية، فإن احتلال غزة يكلف مئات
القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى اختطاف جنود إسرائيليين أحياء وجثث،
فضلاً عن مقتل آلاف من الفلسطينيين الأبرياء. وأشارت القناة إلى أن الجيش قدّم
عرضه مبيناً أن عملية تطهير غزة من عشرات ألوف قطع السلاح والمواد المتفجرة
والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ بمختلف أنواعها، ومن عشرين ألفاً من المقاتلين،
يتطلّب ما لا يقلّ عن خمس سنوات.
وحسب «هآرتس» فإن التقديرات التي عرضت في الجلسة نفسها
تحدثت عن أن احتلال قطاع غزة بأسره يحتاج إلى شهور عدة. وحسب التقديرات يتطلّب
الأمر سنوات عدة «لتطهير» المنطقة من الوسائل القتالية، ومن نشطاء «الإرهاب»، على
شاكلة ما جرى في الضفة الغربية أثناء عملية «السور الواقي». ونقلت الصحيفة عن وزير
حضر الجلسة أن عدد الإصابات التي عرضها التقرير كانت مئات القتلى في صفوف جنود
الجيش الإسرائيلي أثناء مرحلة احتلال القطاع.
وأوضحت القناة الثانية أن العرض الأمني تحدّث عن حاجة "إسرائيل"
لسنوات كثيرة لإعادة بناء سيطرة استخبارية فعلية في القطاع، وأنه إلى حين تجسيد
هذه السيطرة ستسود فوضى مطلقة، وسيلقى آلاف الفلسطينيين مصرعهم أثناء عمليتي
الاحتلال والتطهير. وبحسب الضابط، الذي قدم العرض، فإنه في وضع كهذا «سنشتاق لجنوب
لبنان».
وفضلاً عن ذلك عرض ضباط الجيش على الوزراء العواقب
المدنية والإنسانية للخطوة، مشددين على أن المسؤولية عن معالجة أمور وتوفير
الخدمات لسكان القطاع ستقع على كاهل دولة إسرائيل، وأن تكلفة ذلك ستبلغ مليارات
الشواكل. ونقلت «هآرتس» عن أحد الوزراء ممن حضروا الجلسة قوله «كان العرض مغرضاً
تماماً، وأعدّ لدفعنا للتفكير بأنه محظور حتى أن يخطر بالبال أمر كهذا. كل الوزراء
من دون استثناء أبدوا استغرابهم، بل إن قسماً من الوزراء قدموا ملاحظات للضباط بأن
هذا عرض مخجل».
وأشارت القناة الثانية إلى أن ثالثة الأثافي هي في
الميدان السياسي، حيث أن احتلال غزة قد يشكل خطراً فعلياً على معاهدات السلام مع
مصر والأردن، فضلاً عن التظاهرات التي ستحدث في الضفة الغربية ومناطق الـ 48.
وقدّر الجيش تكلفة هذه العملية بحوالي 10 مليار شيكل، وهي تكلفة ستزداد إلى 15
مليار شيكل، إذا أضيفت لها تكلفة إعادة إعمار غزة.
وأشار أحد الوزراء الحاضرين في الجلسة إلى أن رئيس
الحكومة طلب في نهاية النقاش إجراء تصويت في هذا الشأن، وسأل إن كان أي من الوزراء
يؤيّد مثل هذه العملية. وتحفّظ الوزراء على إجراء تصويت ولم يرد أحد على سؤاله.
نتنياهو رأى في رد فعل الوزراء تأكيد على أنهم لا يؤيدون خطوة كهذه. وكان ضابط
رفيع المستوى أعلن أن بوسع الجيش «احتلال غزة خلال عشرة أيام، لكن تدمير حماس
يحتاج إلى عامين». ويقول وزراء إن القسم الأول من العبارة السابقة لم يعرض على
الحكومة، وأن الانطباع كان أن الجنرالات يريدون العودة بسلام إلى بيوتهم.
ورفض الجيش اتهامات بعض الوزراء بـ«تضخيم المعطيات»، كما
رفض الاتهامات له بأنه «غير تواق لخوض المعركة». وأشار وزير إلى أنه «عادة في
الحروب يصادق المستوى السياسي على 50 في المئة مما يعرضه الجيش، لكننا هنا صادقنا
على 120 في المئة. ومنذ اليوم الأول كان لدينا شعور بأن الجيش بحاجة إلى من يحثه
على العمل».
وأعرب نتنياهو، في مؤتمر صحافي أمس، عن رغبته في أن
تضطلع السلطة الفلسطينية بدور في إعادة إعمار غزة، معتبراً أن الحرب «كانت مبررة
ومتناسبة».
إلى ذلك، نقل وسطاء مصريون في القاهرة المطالب
الإسرائيلية إلى المفاوضين الفلسطينيين، في القاهرة، في إطار المحادثات التي تهدف
إلى إحلال هدنة دائمة في غزة، فيما أعلن الاحتلال موافقته على تمديد الهدنة إلى ما
بعد غد الجمعة.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر صحافي «إن
مسألة المعابر سيتم طرحها، ودخول المواد الإنسانية الأساسية (ومواد) لإعمار غزة».
وأضاف «أنها من المسائل الرئيسية التي سيتم بحثها أثناء المفاوضات بعد سنوات من
معاناة الشعب الفلسطيني».
المصدر: السفير