شراكة وظيفية متبادلة
د. يوسف رزقة
"لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكنا
اضطررنا إلى اختراعها صيانة لمصالحها؟!"، بهذا الوضوح الفج جاء تصريح نائب
الرئيس الأمريكي محدداً لطبيعة العلاقة بين أمريكا ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
العلاقة بين الدولة العظمى و"إسرائيل" هي علاقة وظيفية من الطراز الأول
الذي لا يقبل النقض أو الانفصام، فمصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية، وفي
الشرق الأوسط مرتبطة الآن بنيويًّا بوجود "إسرائيل"، وبدورها في
المحافظة على مصالح أمريكا في المنطقة، أو قل إنه ثمة شراكة وظيفية متبادلة بين الطرفين.
التصريح يتنكر بشكل سافر للحقوق
الفلسطينية، ولا يبالي بالموقف الفلسطيني ولا بالموقف العربي، ويهمل القانون
الدولي، وحقائق التاريخ، ويحصر الموقف الأمريكي استراتيجياً بالدور الذي تقوم به "إسرائيل"
في المنطقة، وهذا قول صريح بأن ما تقوم به "إسرائيل" من أعمال تحظى
بشراكة أمريكية ابتداءً وبتفهُّم أمريكي لاحقاً. نحن لسنا بحاجة إلى هذا التصريح
لفهم هذه الحقيقة، لأن ما نشاهده على أرض الواقع أبلغ من كل تصريح، ولكننا نورد
هذا التصريح ونعلق عليه لنقول للسلطة المتمسكة بالمفاوضات، و بالرعاية الأمريكية،
هذه هي أمريكا، وهذا أوباما وكيري وبايدن؟! فماذا أنتم فاعلون؟! أمريكا لن تتخلى
عن "إسرائيل"، ولن تضغط عليها، ولن تضحي بعلاقاتها مع دولة لو لم تكن
موجودة في المنطقة للزم أن تقوم أمريكا بإيجادها، فهل بقي على العين قذى؟! وماذا
ننتظر؟! ومتى نتعامل مع الحقائق بشفافية ومسئولية؟! وكم من الوقت علينا أن ننتظر
بعد عشرين سنة من الرعاية الأمريكية لملف معطوب اسمه المفاوضات؟! أليس من حق الشعب
أن يطالب السلطة بمراجعة نفسها، والبحث في البدائل المفيدة بدلاً من الاستسلام
للقرار الأمريكي؟! المصالح الأمريكية مرتبطة عضوياً وبنيوياً بـ"إسرائيل"،
ولا تبحث أمريكا عن بديل لها، حتى و إن زعم العرب أن "إسرائيل" تهدد
المصالح الأمريكية، و أن مصالح أمريكا مرتبطة عشرة أضعاف بالبلاد العربية، منفردة
ومجتمعة، هذا القول الإنشائي لا يسمن ولا يغني من جوع في السياسة الأمريكية. فكيف
الحال بأمريكا إذا تمكنت "إسرائيل" من نسج علاقات مصالح وغرام مع أنظمة
عربية مهمة في المنطقة، حيث صارت "إسرائيل" جسراً آمناً لكل عربي يريد
رضا أمريكا. العيب ليس في أمريكا، وليس في "إسرائيل"، ولا في الغرب،
فهؤلاء يديرون العلاقات بينهم بما يخدم مصالحهم معاً. وإن مناط العيب فينا فلسطينياً
وعربياً، حيث سلمنا لهم رقابنا، واستعنا بهم على بعضنا، ولم ننجح في تحويل "إسرائيل"
إلى عبء على أمريكا وعلى المصالح الأمريكية. لقد نجحت "إسرائيل" في
إدارة سياسة دولية تخدم مصالحها، ونحن فشلنا في إدارة سياستنا لا مع العالم فحسب،
بل فشلنا في إدارتها مع أنفسنا في عالمنا العربي، واستطاعت "إسرائيل" أن
تحول القضية الفلسطينية إلى عبء لا على المجتمع الدولي فحسب، بل وعلى الدول
العربية أيضاً، حتى تسابقت أنظمة عربية فيما بينها للخلاص من القضية الفلسطينية،
وتجاوزت ذلك إلى حصار الفلسطيني، وتفضيل الشراكة مع الإسرائيلي، في رسم معالم
المستقبل.
المركز الفلسطيني للإعلام، 12/10/2013