شكراً للحرية صانعة هدوء الشوارع
بقلم: تغريد عطاالله
في ذلك اليوم فرح الغزيون بإطلاق سراح أسراهم. غزة يومها كانت هادئة على عكس عادتها. إذن لماذا لا أستغلّ هذه الفرصة لأرى غزة بعين جديدة. بعين لم تعتد رؤية شوارع القطاع خالية؟
غزة | انتزعت المقاومة حقها في تحرير الأسرى الفلسطينيين، فحقّ لها الاحتفال بإنجازها الذي تفاخر به كل عربي وفلسطيني. أهالي قطاع غزة كانوا الأكثر حظاً بالفرح، وفي مقدمهم جنود كتائب القسام التي اختطفت الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عملية «الوهم المبدد». قدموا عروضاً عسكرية بمشاركة الأهالي، هللوا وزغردوا وتبادلوا القبلات والسلامات.
الحدث استحق أن يكون عيداً وطنياً، فكانت الدموع سيّدة الموقف. هكذا، اختلف دور سيارات الإسعاف هذه المرة، فنقلت، على غير عادتها حالات إغماءات الفرح بدلاً من المصابين بحوادث استهدافات المحتل الإسرائيلي المحزنة.
الشوارع الخالية والمحال المغلقة كان لها احتفالها الخاص. وهنا سأقدّم لكل المحتفين بيوم اتمام الصفقة شكراً خافتاً سرياً للغاية، ليس فقط لأنّهم جعلوا من ذلك اليوم عيداً ثالثاً غير الفطر والأضحى، عيداً أعلنته التكبيرات صبيحة ذاك اليوم، بل لأنهم تجمهروا جميعاً أطفالاً وكباراً رجالاً ونساءً في ساحة الكتيبة مكان الاحتفال، وتركوا لي عن قصد أو غير قصد الشوارع خالية بل بهية جداً، أزهى مما يتخيلون! فهل هو جوعي للهدوء بعد وقت طويل من العمل والتوتر النفسي والمشكلات العائلية التي لا أوّل لها ولا آخر؟ هل هي مشكلتي الصحيّة الدائمة في معدتي، لا أدري. بكل الأحوال لم أفهم ما سر متعتي في تأمّل أبواب المحال الزرقاء والرمادية والسوداء والبيضاء، تلك المحال المغلقة بأقفال تحملني بشدّة على التقاط صورها، الصور ذاتها تسمّرت أمامها وقتاً طويلاً! ترى أي جمال في إغلاقها؟ السوق. السوق ليس فيه مزركشات وملونات ومعلقّات ترهق العين، ليست هناك أصوات باعة تخدش الآذان دون إذن، ليس هناك أحد يزدحم بي. سرت يميناً ويساراً، أحوّل نظري في كل الأنحاء وأبتسم، فأيّ متعة في السير منفردة وحيدة في الشارع؟ ربما الجوع للسكون الذي يخلو منه بيتي المشحون يومياً بصراخ أبناء أشقائي؟ لحظة...أي متعة في تفقد مكان بائع الترمس الخالي منه، هو ذاته الذي يضايقني بتمرير يديه فوق الترمس طوال الوقت، وكأنّه شيء ما افتقده طويلاً ورآه تواً وحان لديه وقت الملامسة، طالما تمنيت لو أصرخ في وجهه هكذا لله في الله وأقول له: ارحمنا يا هذا من ملامسات يديك البدينتين جداً للترمس؟! يا إلهي لماذا كنت أتفقد قدمي طوال الطريق إن كانتا تنتعلان حذاء أم لا؟ الهاجس ذاته الذي يصرّ على الحضور في حلمي بين الفينة والأخرى، بالله لماذا يأتيني في صحوي الآن؟ أجاء ليعكّر صفوي؟ تباً لتلك الهواجس الملعونة التي تنسيني جمال الإسفلت الإسفلت الإسفلت! وكيف بدا مسرحاً رمادياً واسعاً لامعاً لأشعة الشمس، إلا من رفرفة رايات الفصائل المختلفة من فتح وحماس والجبهة الشعبية حمّلت فوق سيارات مسرعة توارت بعيداً نحو بيوت الأسرى كأنها طيور ملوّنة، كأنّ تلك الشوارع كانت تحتفل على طريقتها الخاصة بانتصار المقاومة وتحرير الأسرى، بل كأنّ معالم غزّة هاشم توارت بعيداً حتى لم يبق أمام الناظر سوى التحديق بالإسفلت ونسيان حتى موج البحر!!
المصدر: جريدة الأخبار