شكراً للرئيس ميشال سليمان كلام جيد.. لكن ماذا بعد؟!
رأفت مرة- بيروت
قبل عدة سنوات زار العماد ميشال سليمان منطقة صيدا وأطراف مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان، وتفقد قطع الجيش الموجودة في المنطقة، وألقى كلمة إيجابية عن الفلسطينيين، متحدثاً عن حق العودة، وأن السلاح يجب أن يوجه للاحتلال الإسرائيلي فقط. يومها كتبنا زاوية في صحيفة البراق أشدنا فيها بكلام العماد قائد الجيش.
واليوم في شهر أيلول/ سبتمبر، زار بابا الفاتيكان لبنان، واستقبله رئيس الجمهورية على أرض المطار، وبعد عزف النشيدين الوطنيين، ألقى الرئيس سليمان كلمة، تناول فيها موضوع اللاجئين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية. وقال سليمان بالحرف:
"من تداعيات الظلم الذي حلّ في فلسطين عام 1948 ومظاهره، وجود أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني على الأرض اللبنانية والعديد منهم هنا (في مخيم برج البراجنة بمحاذاة المطار)، في هذا الجوار، تسعى الدولة بالتنسيق مع وكالة الأونروا، لتأمين احتياجاتهم الحياتية الأساسية، من ضمن القدرات. وهي مناسبة للتذكير بأن رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين على الصعيد الإنساني، مسؤولية دولية قبل كل شيء، وذلك بانتظار إيجاد حل سياسي عادل لقضيتهم ولقضية الشرق الأوسط، يضمن حقهم الطبيعي في العودة إلى أرضهم وديارهم الأصلية، ويحول دون أي شكل من أشكال توطينهم في لبنان، وفقاً لمندرجات المبادرة العربية للسلام، ولما ينص عليه الدستور اللبناني وما تقتضيه مستلزمات وفاقنا الوطني".
أهم كلام الرئيس
ننظر إلى كلام رئيس الجمهورية من زاوية أهمية خطابه وأهمية النقاط التي تناولها، ونسجل ما يلي:
1- أنها لخطوة جيدة، وبادرة طيبة، وعمل سياسي مهم، أن يتوقف رئيس الجمهورية اللبنانية عند القضية الفلسطينية، أهم قضية سياسية وإنسانية في العالم منذ مئة سنة، وأن يخصص لهذه القضية جانباً من كلامه.
2- أنها لخطوة جيدة أيضاً أن يتوقف رئيس الجمهورية اللبنانية عند قضية اللاجئين الفلسطينيين بوصفها من أهم القضايا الإنسانية والسياسية والاجتماعية في العالم، وهي تشمل سبعة ملايين لاجئ، يوجد منهم 450 ألف لاجئ مسجلون رسمياً في لبنان، ويتأثر لبنان بهم وبقضيتهم.
3- يستحق رئيس الجمهورية الشكر لأنه توقف عند قضية فلسطين واللاجئين أمام حدث سياسي وديني بامتياز، وهي زيارة البابا إلى لبنان، وهي زيارة مهمة على مستوى الأحداث الدولية، وتحظى بتغطية إعلامية، حيث تابعها أكثر من ألف صحفي في بيروت.
4- يستحق العماد سليمان الشكر، لأنه تحدث عن القضية الفلسطينية أمام ضيف كبير على لبنان، في حين – للأسف – تجاهل هذا الضيف ذكر كل ما يتعلق بفلسطين والأرض واللاجئين، مع العلم أن الكنائس المسيحية في فلسطين تتعرض للتشويه والمسيحيون تهجرهم سلطات الاحتلال، والاحتلال لا يترك وسيلة لمصادرة الأوقاف المسيحية مثل الأسواق والمباني والمقابر والأراضي إلا وينفذها. ونسي البابا أنه كان بين الحضور العشرات من المسيحيين الفلسطينيين الذين جاؤوا من القدس وجوارها لرؤيته، وبينهم الأب إلياس عطا الله الذي له مواقف شجاعة تجاه الاحتلال، ووحدوية مع الفلسطينيين.
وهنا نسجل ملاحظة على الأداء الإعلامي والسياسي للبابا حول أسباب تجاهله الأرض التي ولد فيها المسيح كما يقول المسيحيون على الأقل، وكيف ينسى معاناة أهل الناصرة وبيت لحم والقدس، فهل نسي أو تناسى لمصلحة الاحتلال.
الأهمية السياسية للكلام
الفقرة التي تناول فيها رئيس الجمهورية الموضوع الفلسطيني كانت قصيرة ومختصرة، ولكن كان فيها عدة إيجابيات ودلالات منها:
1- أن رئيس الجمهورية ذكّر العالم بوجود 400 ألف لاجئ فلسطيني على الأرض اللبنانية، مشيراً إلى أنه جاؤوا إلى لبنان بسبب الظلم الذي حلّ بالفلسطينيين عام 1948، وهذه خطوة جيدة أن يذكّر رئيس الجمهورية العالم واللبنانيين خاصة، أن اللاجئين الفلسطينيين جاؤوا رغماً عنهم ومجبرين وبفعل الظلم إلى لبنان.
2- حين تحدث الرئيس عن اللاجئين الفلسطينيين قال: "إن العديد منهم في الجوار"، وأشار بيده إلى الجهة الشرقية الشمالية من مطار بيروت، حيث يوجد مخيم برج البراجنة الذي لا يبعد أكثر من ثلاثة كيلومترات عن المخيم، وكان لذلك دلالة سياسية مهمة.
3- لقد تحدث الرئيس سليمان عن نقطة في غاية الأهمية وقال كلاماً سياسياً ممتازاً، وسجل في الإطار السياسي اللبناني الرسمي موقفاً واضحاً، حيث تحدث عن "حل سياسي عادل لقضيتهم ولقضية الشرق الأوسط يضمن حقهم الطبيعي في العودة إلى أرضهم وديارهم الأصلية".
فالرئيس سليمان ربط حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم الأصلية، وهو بذلك رفض أي محاولة لإسقاط حق العودة، وهو ما تعمل عليه مبادرات ومشاريع تسوية دولية كثيرة، ورفض التوطين.
وكان الرئيس سليمان قد قال كلاماً آخراً في خطاب آخر، حيث تحدث عن حق العودة، وقال إن لبنان يرفض التوطين ويتمسك بحق العودة، لأن من حق اللاجئين العودة إلى ديارهم، وهو بذلك أراد تسجيل مبدأ وكرّس الثوابت التي تسعى أطراف كثيرة لتجاوزها.
4- ولقد تعمد الرئيس سليمان التذكير بالمعاناة الإنسانية للاجئين، وأشار إلى أن الحكومة اللبنانية تسعى لتحسين أوضاعهم، مذكراً بنفس الوقت بدور المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية في تحسين أوضاعم.
أبعاد ودلالات
إننا وبكل صراحة ليس أمام خطاب لبناني بقدر ما نكون أمام رؤية أو فلسفة لبنانية جديدة تجاه قضية اللاجئين، وهي رؤية متكاملة إلى حدّ ما قدّمها الرئيس سليمان حول الموضوع الفلسطيني. وهذه الرؤية بحاجة إلى التعميم على جميع الأجهزة والمؤسسات الرسمية والديبلوماسية اللبنانية.
وكان من اللافت أن الرئيس سليمان عرض خطوطاً استراتيجية حول فلسطين وقضيتها، وابتعد عن ذكر كل ما يشوّه العلاقة الفلسطينية اللبنانية، ولم يأتِ على ذكر مساوئ العلاقات وتجنب الرجوع إلى الماضي الأليم، وهو أحسن حين فعل ذلك.
ويمكن البناء على موقف رئيس الجمهورية وهو موقف لا نظنه بعيداً من مواقف رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي. وبعد كلام رئيس الجمهورية هذا وما جاء في البيان الوزراي من ذكر لتحسين مستوى الخدمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان ومنحهم حقوقهم الإنسانية نرى الآتي:
1- وجوب بناء رؤية استراتيجية جديدة للعلاقة بين الفلسطينيين واللبنانيين.
2- ضرورة التجديد والتحديث والتطوير في هذه العلاقات، والخروج من الرتابة القاتلة التي طوقتها.
3- وضع مجموعة ثوابت فلسطينية ولبنانية تحترم من الجميع وتلتزم بها جميع الأطراف السياسية.
بناء عليه، أقترح على فخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان إطلاق حوار لبناني فلسطيني برعايته وحضوره، للخروج بتفاهم جديد انطلاقاً من كل ما يحدث في لبنان والمنطقة، وانطلاقاً من الأخطار المحدقة بالجميع، وانطلاقاً من المخاوف المحيطة بالقضية، وانطلاقاً من الخصوصية اللبنانية الحالية. وإذا كان البعض يقول إن الفلسطينيين غير متّحدين، فإن الحوار يوحّد الجميع، ورئيس الجمهورية بحكم موقعه وعلاقاته قادر على صياغة تفاهم فلسطيني لبناني مستقبلي يريح الجميع.
وعلى القوى والهيئات السياسية والاجتماعية الفلسطينية في لبنان أن يلاقوا رئيس الجمهورية في ما ذهب إليه من مواقف.
المصدر: البراق