القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

صــــورة جــديــدة

صــــورة جــديــدة

بقلم: محمد سليمان

كثيرون من هذا الجيل، وربما من الأجيال السابقة، اعتادت على أسماء لم تتغير على مدى سنوات وسنوات في سدة الحكومات العربية، فمنهم من جلس عشرين عاماً ومنهم من جلس جيلاً كاملاً على هذا الكرسي.

لم يكن سهلا علينا أن نتخيل في يوم من الأيام أن هذه الأسماء قد تتغير، لدرجة أننا قد حفظنا صورهم وكلماتهم وحتى حركاتهم وإيماءاتهم وكل كلمة تخرج من أفواههم عن ظهر قلب.

وفجأة تبدلت الصورة فاختفت من داخل البرواز الملصق على حائط كل زاوية في بلادنا العربية، واحترقت معها ثورات عربية عمل أهلها على تغير نظام الحكم، وتمزيق الصور ومحو الاسم تلو الآخر. وتنفسنا الصعداء واستشرقت في قلوبنا مفاهيم جديدة تذكرنا بقصة فرعون في البحر وما آل إليه.

استفاقت بنا حمية العرب والنخوة وأيام النحاس باشا، كما صنعها الأخوة المصريين في أكثر مسلسلاتهم وأفلامهم عن الثورة، بل وذهبنا إلى أكثر من ذلك. فقد حققنا المحظور لسنوات كثيرة خلت دون كلمة تمس النظام، وأمن النظام، واسم صاحب النظام، واحترقت معها صورة القبضة الحديدة، ورأينا ما رأينا في ساحات الاعتصام والشعارات التي تشبه إلى حد كبير الحلم الممنوع.

ولكن بعد أن صحونا من نشوة النصر- على حد تعبير ساحات الحرية- وبعد أن ذهبت سكرة الشعارات، وجدنا أنها لم تكن هي ما حلمنا به، لم تكن أيدي صلاح الدين!

فمنذ زمن بعيد يزيد عن عشرة سنوات، ونحن نسمع عن خارطة الطريق والشرق الأوسط الجديد، ولم نفقه ماذا يعني هذا الكلام، هل هي فعلا خارطة جديدة يحدها من الشمال ما يحدها، ويحدها من الجنوب والشرق والغرب ما يحدها أم ماذا؟!

لم ولن يستطع الغرب حتى يومنا هذا على الأقل أن يقلب الخارطة الجغرافية كما يريد، فلن يتمكن من مد سوريا إلى مصر، ولن يستطيع أن يعطي السعودية نفط العراق ولن ولن ولن...الخ.

فماذا فعل؟

في الحقيقة هنالك اختلافات عدة حول ما آلت إليه بلادنا العربية اليوم أو ما يسمى بالربيع العربي، فمهم من قال فعلا إنه ربيع وأن الشعب قد سئم الحياة الحديدية وأصبح متعطشا إلى مساحة من الحرية والديمقراطية، ولكن في الحقيقة أنه غير هذا كله.

كنت أود أن أصدق هذا المفهوم لو رأيت أن النظام يسقط على يد الشعوب العربية فعلا، وأن الحكم سيؤول فعلا للشعب العربي، ولكن ما حصل هو أن الحكومات العربية بكل ما تملك من عتاد وعدة سقطت في أيام معدودة، بالرغم أننا منذ نعومة أظافرنا نعلم أنها ليست بالسهولة التي هي عليها الآن فكيف حدث هذا؟!

بكل بساطة أن أدوارهم قد انتهت، لم يكن لديهم الحل الشافي لحل القضية الفلسطينية كما يريد الغرب وسيدتها" الكيان الصهيوني".

ثلاثة وستون عاما وحتى الآن لم يستطع الحكام العرب- مع تبدل أسمائهم ولا ألوانهم ولا ألسنتهم- إن كان بالدبلوماسية أو بالقبضات الحديدة أن يقنعوا أي شخص عربي بالتعايش مع ما يسمى "الكيان الصهيوني"، ونحن نعرف جل المعرفة أن هذا هو الدور الأساسي للأنظمة العربية وثمن لبقائها على عروشها.

ومن بعد الفشل الذريع الذي منيت به تلك السلطات لم يعد لهم أي مكان في خارطة الحل الجذري للقضية الفلسطينية، فقد سقطت أوراقهم وكشفت أهدافهم، أو بالأحرى قد كشف الغرب أهدافهم تمهيدا لسقوطهم. فمنذ متى وعلى سبيل المثال نرى الإعلام العربي وبكل وقاحة ينقل صور للرئيس الفلاني يصافح "الإسرائيلي"، علما أنه من أحد البروتكولات العربية عدم المساس بشخصية دبلوماسية في بلادنا العربية، وهذا مشروع آخر للإعلام العربي وكيفية اصطفافه جنبا إلى جنب مع السياسات الغربية وتأديته واجب الطاعة لأسياده الممولين.

ولأن أمن ما يسمى بالكيان الصهيوني قد تزعزع في السنوات الأخيرة، أصبح الوضع أكثر خطورة ولا بد من وجود حلول أخرى وبدائل ثانية للحفاظ على أمن "إسرائيل".

وبدأت المعادلة الجديدة، معادلة الإرهاب في المنطقة، كر وفر بين الإرهابين على حد تعبير أميركا وبين الحكومات العربية، وفشل آخر، قتلى من المدنيين والأبرياء (صناعة محلية ودولية) وإعلام مبرمج، وأزمة اقتصادية خانقة، بطالة، عمالة، قبضة حديدية، وأموال تنهب من الشعوب وتصب في بنوك خارج حدودنا العربية بأسماء الحكومات والأسياد، وفضائح هنا وهناك، وخيانات، كل هذا أصبح مسموعا ومرئيا للجميع، وكانت بداية النهاية.

من المعروف لدينا نحن العرب أننا نميل إلى العاطفة أكثر من العقلانية، والحق يقال إننا نأبى الذل، فدمنا العربي الصحراوي والفلاحي، هو دم يغلي على أعراضنا، وأرضنا، وشرفنا، وكرامتنا وكل تلك المسميات.

وكما هو معروف أن هنالك متخصصين في الدول الغربية لدراسة المجتمع العربي من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، وغيرهما من الأمور التي تهم الغرب بشكل دقيق. ومع مرور الزمن اكتسب الغرب خبرات عديدة في كيفية تحريك العقول العربية أو بالأحرى العواطف العربية، فبدأوا يلعبون على هذا الوتر الحساس، فضاق الشارع العربي ذرعا لما يحصل حتى وصلت الأرواح إلى الحناجر كما يقال في أمثالنا العربية، وحصل ما حصل.

ولكن للأسف الشديد تغير كل شيء من حولنا إلا نحن! ما زلنا لا ُنقّدر الأمور حق تقدير، فرحنا بانتصارات زائفة؛ صحيح كان يلزم منذ زمن حرق تلك الصور، ولكن كنا نود أن نحرقها بأيدينا، لا بجنود الغرب وأسلحته.

ماذا يعني أن حلف الأطلسي بسلاحه وعتاده وما بينهما من تكاليف (تدفعها الأمة العربية فيما بعد) يتحرك لنصرة شعوبنا العربية لتتخلص من الظالمين واللاديمقراطيين والمستبدين، كل تلك الكلمات سمعناها على ألسنة الغرب بكل أسمائها ونحن نعلم جيدًا أنهم هم من صنعوا هؤلاء.

هي خارطة الطريق الجديدة؛ الخارطة العسكرية الجديدة لحماية ما يسمى بالكيان الصهيوني من جديد، أسقطوا جنرالات الدول العربية ليأتوا بغيرهم لأجلها.

أربعون عاما واكثر سقطت ليأتوا بأربعين عاما مماثلة! ُحرقت الصور ولكن البراويز ما تزال تنتظر الصور الأخرى، وإن اختلف الحراس فالسلاح واحد!