بقلم: ياسر علي
عندما اغتال العدو الصهيوني القسامي
محمود المبحوح في دبي، كانت بعض تعليقاتهم تتحدث عن إقفال ملف عملية أسر الجندي
إيلان سعدون، حيث زعموا أن الشهيد المبحوح كان آخر الأحياء من المتورطين بهذه
العملية.
وفي هذا ما يدل على الإصرار الصهيوني
على الانتقام من كل من قام بأي عمل ضدها.
اختيار هذا المخيم
وبينما تتساءل بيان نويهض في نهاية
كتابها عن صبرا وشاتيلا عن سر اختيار صبرا وشاتيلا لارتكاب مجزرة العصر في الصراع
العربي الصهيوني، ولماذا لم تتم في مخيمات عين الحلوة أو الرشيدية، حيث لقيت قوات
الاحتلال مقاومة عنيفة. يطرح كتاب محمود عبدالله كلّم "صبرا وشاتيلا، ذاكرة
الدم" هذا السؤال في بدايته ليفرد له حوالى ثلث الكتاب، خاصة وأن بعض القوى
التي ارتكبت المجزرة مرت بمحاذاة مخيم برج البراجنة، ولم ترتكب المجزرة فيه.
يؤكد الكاتب من خلال البحث أن
المجزرة كان مخططاً لها قبل الاجتياح، وربما قبل عشر سنين؛ أي منذ عملية ميونيخ
عام 1972..
يشرح الكاتب التفاصيل في عرض سريع
لحياة الذين قاموا بالعملية ويعددهم، فإذا بهم جميعاً من الحي الذي ارتكبت فيه
المجزرة، وأن المجزرة بدأت من جمعية إنعاش المخيم الفلسطيني، مقابل السفارة
الكويتية في حي عرسان. حيث كان الشباب من لاعبي كرة قدم في نادي الكرمل التابع
للجمعية. وأن المجزرة ارتكبت في شارع أبو حسن سلامة (حيث كانت منطقة نفوذه ومنظمة
أيلول الأسود)، وهو الشارع الممتد من محطة الرحاب باتجاه منطقة جامع الدنا.
ويعدد الكاتب أسماء الثلاثة الذين
بقوا أحياء من منفذي عملية ميونيخ، ويشير إلى أن العدو اغتال الأول في الثمانينات
في قبرص، والثاني مات مسموماً في إمارة الشارقة عام 1984.
ولقد تم قصف مركز جمعية الإنعاش
ونادي الكرمل وتدميرهما أثناء الاجتياح بعنف. هذا المركز الذي أخبرني عنه الراوي
أنه لم يكن فقط لهؤلاء الذين نفذوا عملية ميونيخ، بل كان مقراً سرياً لمنظمة أيلول
الأسود.
الكتاب
الصهاينة لا يتركون حقداً لتمحوه
الأيام، بل إن الانتقام والثأر سياسة دولة تسعى لفرض هيبتها وعنفها على الدنيا،
وأن هذه الشهوة متجذرة في التاريخ، أثبتتها مطارداتها للنازيين عبر العالم.
الملفت في الكاتب كلّم أنه كتب
"صبرا وشاتيلا – ذاكرة الدم" بجهد فردي فذ، وأنه قام على مدى أكثر من
سنة بتوثيق ما لم تستطع فرق بحث أن توثقه. فقد تزامن صدور كتابه مع كتاب بيان
نويهض الحوت التوثيقي عن المجزرة، والذي جمع كل ما وقع بيده عنها، فكان موسوعياً
تطلب جهداً كبيراً ليغطي مئات الصفحات.
غير أن ما كتبه محمود كلّم كان
انتخابياً نوعياً، لم يكرر فيه ما نشره الصحفيون والصحف (كما في كتاب نويهض)، بل
أجرى كل مقابلات الكتاب بنفسه، زرت الكاتب في بيته، والمفاجأة اللطيفة أن منزل
الكاتب يقع في ساحة المجزرة حيث سقط آخر قتيل في المجزرة تحت الشرفة، وهو شاب ظن
أن جنسيته الأمريكية ستمنعهم من قتله، فتلقّى ضربة بلطة في وجهه.
لم يكتب الكتاب في مكتب مكيّف مرفّه،
بل كتبه في المخيم، حيث ارتُكبت المجزرة، حيث تساقط الشهداء من أقاربه، وحيث كان
قبلها بربع ساعة فقط، حين ودع صديقه عصام (المذكور في الفقرة السابقة) والذي اصطف
مع المجموعة الأولى التي قتلت، فسقط جريحاً بثلاث رصاصات في ظهره، ادّعى أنه قُتل
بها.
ثم خرج إلى العلاج، وبقي شهوراً، حتى
استعاد عافيته وذهب إلى مخيم عين الحلوة، وقاد عدداً من العمليات في محيط المخيم.
وعلم العدو بعد خروجه عام 1985، أن مجموعة عصام قامت بهذه العمليات، وفي إثبات
جديد على الانتقام ولو بعد حين، قامت استخبارات العدو باغتياله بعد خروجها بأكثر
من سنة ونصف، ثم اغتيال باقي أفراد مجموعته فرداً فرداً.
إذن، خرج هذا الكتاب من أزقة المخيم،
من جثث الجيران ودماء الأقارب ودموع الأصحاب والأحباب، فكان الكاتب قادراً أن يعرف
صاحب كل جثة، فاستطاع أن ينشر صورة كثير من الضحايا قبل وبعد المجزرة، ويجمع
شهادات من لم يبوحوا حتى الآن بأي شهادة في الموضوع.
كان الكاتب يتمنى لو أنه تأخر أكثر
من ذلك لأنه نشر في الكتاب أسماء 502 فقط من ضحايا المجزرة، إلا أنه لديه الآن
أسماء 1209 شهيد من الضحايا، وهو رقم لم يصل إلى توثيق أسمائه أحد.
المصدر: صحيفة السبيل الأردنية