صدمة حرب غزة ما زالت تفعل فعلها في «إسرائيل»
بقلم: عدنان أبو عامر
بصورة مفاجئة، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تنشر منذ أوائل أبريل الحالي
بعض يوميات حرب غزة في صيف 2014، تتحدث فيها عن إخفاقات الجيش الإسرائيلي أمام مقاتلي
حماس، وكان أخطر الاعترافات ما تحدث به "عوفر شيلح" عضو لجنة الخارجية والأمن
في الكنيست، وسبقه "يوآف غالانت" قائد المنطقة الجنوبية السابق في الجيش،
فيما بث التلفزيون الإسرائيلي شريط فيديو حول التحقيقات العسكرية التي أجراها الجيش.
الملفت في الاعترافات الإسرائيلية أن وسائل الإعلام الفلسطينية التابعة لحماس،
تناقلتها سريعًا، وباتت حديث الساعة في غزة، لأن التقارير الإسرائيلية التي تمت ترجمتها
من اللغة العبرية إلى العربية, أظهرت ضعف الجيش الإسرائيلي وبسالة المقاتل الفلسطيني،
وهو ما دفع حماس للقول إن التسريبات الإسرائيلية تشكل "اعترافًا إضافيًّا بهزيمة
الاحتلال الإسرائيلي وانتصار المقاومة في حرب غزة، وكل محاولات التخفيف من الهزيمة
أمام المقاومة باءت بالفشل".
حماس مصابة بالنشوة من الاعترافات الإسرائيلية، وقد تبدو محقة في ذلك، لأنها
معنية بأن تظهر الجانب الإيجابي من يوميات القتال مع جيش (إسرائيل)، بعد عدم تحقيقها
الأهداف المعلنة من الحرب، المتمثلة برفع حصار غزة وفتح المعابر وإنشاء الميناء والمطار،
وجاءت التسريبات الإسرائيلية لتحظى بانتشار غير مسبوق من التداول بين الفلسطينيين،
لتقدم إفادة تحتاجها حماس في ظل حالة التذمر التي تسود أوساط الفلسطينيين في غزة لعدم
تحقق وعود حماس بتحسين الوضع بعد الحرب.
ومع ذلك، لا تبدو كل هذه الاعترافات الإسرائيلية المسربة إيجابية، فقد تخفي
أهدافًا استخبارية تخشاها حماس، تتعلق بكشف أسرار عسكرية تحتاجها (إسرائيل)، خاصة أن
(إسرائيل) لا تنكر الخسارة الكبيرة التي منيت بها خلال حرب غزة، لكن نشرها لإفادة العشرات
من الضباط والجنود يثير علامات الاستفهام حول الهدف الخفي منها، لأن (إسرائيل) دولة
متغطرسة لا تقبل الهزيمة، ولا تنشرها على الملأ أمام الشعب الإسرائيلي، وقد تحاول من
خلال التسريبات الحصول على معلومات أمنية حول مصير جنودها الذين فقدوا خلال الحرب.
وعممت وسائل إعلام حماس تحقيقًا عسكريًّا إسرائيليًّا يتحدث عما أسماها
"مهارة" مقاتلي القسام في اختطاف الجندي "هدار غولدن" جنوب رفح،
وهو ما يعني أن تكثيف حديث (إسرائيل) عن يوميات حرب غزة، يثبت أنها لا تملك معلومات
مؤكدة عن مصير جنودها المفقودين، ولن تكشفها حماس إلا في صفقة تبادل.
الحديث عن التسريبات الإسرائيلية وصل صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تداولها
نشطاء حماس والمقربون منها، فمنهم من اعتبرها جزءًا من ثقافة إسرائيلية للتقييم المتواصل
لأداء الجيش، وآخرون رأوا فيها استدراجًا لحماس لكشف ما لديها من معلومات أمنية، وفريق
ثالث جعل منها فرصة كي يراجع الفلسطينيون أخطاءهم في الحرب الأخيرة، ورأى فريق رابع
من كوادر حماس أن التسريبات الإسرائيلية مقدمة لتضخيم قدرات حماس العسكرية، لتهيئة
الرأي العام الإسرائيلي لشنّ حرب جديدة عليها.
حماس التي قرأت التاريخ العسكري للجيش الإسرائيلي, تدرك أن نشر اعترافات فشله
وإخفاقه يحصل بعد مرور سنوات وعقود على انتهاء الحروب، لكن نشر الاعترافات الإسرائيلية
بعد مرور أقل من عام على انقضاء حرب غزة، أثار قلق حماس بجانب ترحيبها.
ومن الفرضيات السائدة في أوساط حماس في الأيام الأخيرة عقب مواصلة (إسرائيل)
نشر اعترافاتها وإخفاقاتها, أن قيادة الجيش الإسرائيلي قد تسعى للتحضير لحرب جديدة
في غزة، وتريد أن تستبق اندلاعها، وتمهّد لقتل ودمار أكثر في الحرب القادمة، وتهيئة
الأجواء النفسية للجيش الإسرائيلي كي يتقبل خسائره دون شكوى.
أوساط حماس استمرت عدة أيام تتداول الاعترافات الإسرائيلية باعتبارها مؤشرًا
جديدًا على الأداء العسكري لكتائب القسام، دون أن ترى فيها جوانب مريبة ومثيرة لطرح
مزيد من التساؤلات، لكن مرور أيام قليلة على نشر التسريبات الإسرائيلية دفع بوسائل
الإعلام التابعة لحماس لنشر قائمة الأهداف التي تسعى (إسرائيل) لتحقيقها من هذه الاعترافات.
أخيرًا.. ترحيب حماس باعترافات (إسرائيل) بخسائر جيشها خلال حرب غزة الأخيرة,
منحها جانبًا مريحًا؛ لأنه يتعلق برغبة صناع القرار الإسرائيلي بإشاعة أجواء الخوف
والقلق لدى الرأي العام الإسرائيلي؛ لعدم العودة من جديد لحرب ضد غزة، لأنها تحمل أنباء
غير سارة وخسائر بشرية كبيرة.
وفي الوقت نفسه، لا تخفي حماس قلقها من أن (إسرائيل) التي لا تعترف بالهزيمة
سريعًا قد تستخدم هذه التسريبات لتهيئة الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي بأنها ستكرر
حربها من جديد على غزة للثأر لقتلاها وجرحاها، وتوجيه ضربة جديدة لحماس، ما جعل حماس
تتلقف هذه الاعترافات الإسرائيلية بكثير من الحذر.
المصدر: فلسطين أون لاين