صفقة الأحرار وصفقة المفاوض "الكمبرس"
إياد القرا
يخرج اليوم إلى النور 26 أسيراً فلسطينياً بطلاً
من الذين قضوا عشرات السنين في سجون الاحتلال وهو أمر يدخل الفرحة إلى قلوب شعبنا،
إلا أن هذه الفرحة منقوصة بالظروف والشروط التي يخرج بها هؤلاء الأسرى.
المفاوض الفلسطيني يصر على أن يبقى الأسرى وفق رؤية
الاحتلال بأن أيديهم ملطخة بالدماء، وأن الإفراج عنهم يجب أن يتم من خلال صفقات حسن
نوايا، وأن يدفع مقابلها ثمناً مرتين من ثوابت القضية الفلسطينية.
الاستياء الشعبي والفصائلي الفلسطيني من صفقة المفاوض
الجديدة محق ومفهوم وناقم على المفاوض الذي يفقد اللياقة الوطنية والحس الوطني تجاه
القضايا الوطنية، وهنا يطرح سؤال كيف يمكن أن ندفع ثمناً باهظاً وهو القبول بالاستيطان
وشرعنته مقابل إطلاق سراح أسرى سيطلق سراح بعضهم خلال أسابيع، وبعضهم خلال عام وهكذا،
وهو ثمن ليس مضطراً له المفاوض.
نعي أن المفاوض لا يملك من أمره شيئاً وهو يقاد
للغرف المغلقة لتلبية نزواته الشخصية والسلطوية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أنه
يذهب ليمثل الشعب الفلسطيني ويقدم تنازلات بأثمان بخسة تمس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني،
والتي قدم التضحيات للدفاع عنها.
الأسرى ذاتهم هم محور الصراع ورسل المقاومة وقضوا
زهرة شبابهم خلف القطبان، وبينهم المتوقع خروجهم، وغالبيتهم اعتقل أثناء تنفيذهم عمليات
مقاومة قتلوا فيها جنوداً ومستوطنين في قطاع غزة والضفة الغربية رداً على المفاوضات
التي كانت نشطة في ذلك الوقت، وعمليات المقاومة التي قاموا بها كانت رداً على مسيرة
المفاوضات التي انتقلت في بداية التسعينيات ورفضاً للتنازل وسياسة التفريط.
الأسرى بين صفقتين: الحالية التي يقودها المفاوض
والذي قدم هدية التفاوض القبول باستمرار الاستيطان، والصمت تجاه سياسة التهويد في القدس
المحتلة، مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى المتوقع إطلاق سراحهم هذا العام، وهي سياسة
قديمة جديدة ولعبة يمارسها الاحتلال الإسرائيلي مع المفاوض الذي يتقبلها بطريقة مهينة
ومذلة.
الأسرى وعائلاتهم والشعب الفلسطيني يقفون اليوم
بين صفقتين الأولى للمقاومة والثانية للمفاوض، حيث الأولى التي يخرج فيها الأسير المقاوم
من السجن رغماً عن الاحتلال ورغماً عن أنف السجان كما حدث في صفقة وفاء الأحرار، حيث
شارك واشترط فيها المقاومون الأسماء ومعايير إطلاق سراح الأسرى.
خرج الأسرى في صفقة وفاء الأحرار في أكتوبر
2011 مرفوعي الرأس وبينهم مئات الأسرى الذين قضوا عشرات السنوات ومن كافة الأراضي الفلسطينية
وخاصة القدس وفلسطينيي الداخل وغيرهم، وفق شروط المقاومة.
الأمر اليوم مختلف طرفها الأساسي هو الاحتلال يملي
الشروط والمعايير بعيداً عن دور المفاوض الذي ارتضى دور "الكمبارس" فهو يلعب
الدور كما يجب، ويقدم الحقوق الفلسطينية على طبق من ذهب للاحتلال الذي يملي شروطه ويقبض
الثمن الذي يشاء، وسط ذهول من الشعب الفلسطيني لحال المفاوض الذي لم يعد سوى سلطة يقودها
التنسيق الأمني مع الاحتلال، وفرض سياسة التطبيع على الشعب الفلسطيني لمسح هويته الوطنية،
لكنه لن ينجح في تغييبها.
المفاوض الفلسطيني لا يزال أمامه متسع من الوقت
أن يعيد حساباته وأن يتخلى عن دور"الكمبرس" الذي يلعبه بإتقان لصالح الاحتلال،
وهو للأسف أصبح الحصول عليه أمراً صعب المنال، وهو ما اعترف به كبير المفاوضين الذي
يمتهن التفاوض ليلاً نهاراً ضمن سياسة طحن الهواء، والتي لا يجني منها الشعب الفلسطيني
إلا مزيداً من تهويد القدس وتوسيع الاستيطان وسرقة المواد البيئية وفرض الحصار وهدم
المنازل.
الطريق الأكثر وضوحاً والأكثر أملاً للشعب الفلسطيني
لإطلاق الأسرى من سجون الاحتلال هو المقاومة، وسياسة خطف الجنود والمستوطنين، ويدرك
الاحتلال ذلك جيداً ويجند ملايين الدولارات شهرياً لتحصين مواقعه العسكرية والقيام
بخطط ومناورات وإرشادات دائمة لمنع المقاومة من الوصول إلى اللحظة التي تأسر فيها جنوده.
الاحتلال على بينة أن المقاومة وتحديداً في غزة
تعمل ليلاً ونهاراً للوصول لهذه اللحظة التي ستعيد الأمل لآلاف الأسر الفلسطينية في
إطلاق سراح المقاومين من سجون الاحتلال، وخاصة بعد التجربة المميزة في إطلاق سراح المئات
من سجون الاحتلال ضمن صفقة "وفاء الأحرار عام 2011.
الشعب الفلسطيني قال كلمته دائماً إنه على استعداد
لدفع الثمن، وله في ذلك تجربة مقابل إطلاق سراح الأسرى من سجون الاحتلال حتى تبييض
سجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين باعتبارهم وقود النضال والثورة الفلسطينية.