القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

صناعة التهديدات: الإسلام في أوروبا في الاستراتيجيات الإسرائيلية الجديدة

صناعة التهديدات: الإسلام في أوروبا في الاستراتيجيات الإسرائيلية الجديدة

بقلم: حسام شاكر

ما معنى أن تبحث منصة التفكير الاستراتيجي الإسرائيلية الأبرز موضوع "الإسلام في أوروبا" ضمن "التهديدات الاستراتيجية"؟

ما جرى هذا الأسبوع في مؤتمر هرتسليا الخامس عشر يعطي انطباعاً عن الاتجاهات التي تحكم التفكير لدى بعض راسمي الاستراتيجيات الإسرائيليين.

فقد عقد المؤتمر يوم الاثنين (٨ يونيو/ حزيران) حلقة نقاش تحت عنوان "الإسلام في أوروبا، والمقاطعة ونزع الاستثمارات وفرض العقوبات: تهديد استراتيجي". وأن يأتي الإسلام ثم المقاطعة كعنوان لتهديد المصالح الإسرائيلية في أوروبا؛ فإنّ لذلك معناه بالنسبة للمسؤولين المتشنجين في حكومة بنيامين نتنياهو، والذين يصنفون المقاطعة ونزع الاستثمارات وفرض العقوبات ضمن التهديدات الاستراتيجية التي تستدعي شنّ حملات تحريضية شرسة ضد هذه الموجة المتصاعدة في المجتمع المدني حول العالم.

وللمراقبين أن يخمِّنوا الشكل الذي ستكون عليه حملات التحريض الجديدة ضد الإسلام في أوروبا زيادة على دعاية التشويه المكثفة التي تقوم بها بعض الجهات المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات عدة.

إنّ اعتبار الإسلام في أوروبا تهديداً استراتيجياً للمصالح الإسرائيلية، بالطريقة الساذجة التي جاءت في برنامج مؤتمر هرتسليا، ربما يعين على فهم بعض الاصطفافات التي حدثت في السنوات الخمس الماضية.

فقد أبرم أقصى اليمين السياسي في أوروبا بأحزابه المتطرفة وقياداته الشعبوية مصالحة تاريخية مع إسرائيل، واحتضن مسؤولون إسرائيليون زيارات متكررة لقيادات الأحزاب التي لاحقتها اتهامات العداء للسامية حتى سنوات معدودة. وقد قام بعضهم بإبداء تفهمه لبناء المستوطنات في الضفة الغربية، ومنهم من ارتدى ملابس الجيش الإسرائيلي عند أطراف السجن الكبير المسمى قطاع غزة. كنتيجة لهذه المصالحة تم إنضاج خطاب سياسي مشترك عنوانه: "إسرائيل هي القاعدة المتقدمة للدفاع عن أوروبا والحضارة الغربية في وجه الإسلام".

حسناً، يمكن الافتراض أنّ التوجهات الإسرائيلية تجد فرصتها في حالة القلق الجارفة في أوروبا من المجموعات المتطرفة، لا سيما تنظيم "الدولة"، من أجل تقديم نفسها حليفاً للغرب في لعبة "صدام الحضارات"، وبالطبع على حساب حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.

هناك تفاصيل مهمة في هذا الشأن، فمثلاً خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف ٢٠١٤، قامت الدعاية الإسرائيلية بتبرير الفظائع التي اقترفها جيش الاحتلال بحق السكان هناك من خلال الحديث عن مكافحة "التطرف الإسلامي"، بل تم وضع الفلسطينيين في غزة في كفة واحدة مع تنظيم "الدولة" الصاعد في العراق وسورية. وفي حالات متفرقة؛ نشرت أوساط دبلوماسية إسرائيلية ملصقات ومواد ذات طابع معادٍ للإسلام والمسلمين قبل أن تبادر إلى سحبها من الإنترنت بعد أن أثارت موجة من الاستهجان، كما جرى في إيرلندا والسويد مثلاً.

وما إن وقع اعتداء "شارلي إيبدو" حتى تماثلت مقولات كبار المسؤولين الإسرائيليين مع شعارات أقصى اليمين في أوروبا. ومنحت الحكومة الإسرائيلية التي أقحمت نفسها في المشهد، الانطباع بأنها تسعى إلى تحريض أوروبا ضد مواطنيها المسلمين من خلال ما يصدر عنها من تصريحات وإيحاءات.

ما ينبغي قوله إنّ هذه التوجهات "الاستراتيجية" لا تُسدي أي خدمة لأوروبا؛ بل تراهن على شق صفوف مجتمعاتها وبث الضغائن بين مكوِّناتها على طريقة حلفاء إسرائيل الجدد في أقصى اليمين السياسي، ممن احترفوا إثارة الهلع لحصد الأصوات.

بدلاً من تصنيف الحضور المسلم في أنحاء القارة الأوروبية ضمن التهديدات الاستراتيجية؛ كان على الاستراتيجيين الإسرائيليين وأصدقائهم حول العالم الذين شاركوا في مؤتمر هرتسليا الخامس عشر، أن يلتفتوا إلى المآلات التي تقود إليها العقلية اليمينية المتطرفة التي تمسك اليوم بزمام الحكومة الإسرائيلية، في اتجاهها المعاكس لمنطق التاريخ.

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام