القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

صورة الفلسطينيين في اليرموك… لوحة ملحمية عن الجوع والموت… هل كان ‘سيزان’ حاضرا؟

صورة الفلسطينيين في اليرموك… لوحة ملحمية عن الجوع والموت… هل كان ‘سيزان’ حاضرا؟

إبراهيم درويش

الصورة حكت كل شيء، المعاناة والدمار والفقر والجوع والألم، صورته وزعتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والتي وصفها المتحدث باسمها كريستوفر غانيس بانها تشبه ‘القيامة’ حيث تعبر عن حالة من الدمار، فلم تترك الحرب بناية واحدة في مخيم اليرموك الفلسطيني قائمة.

وبين الأنقاض والدمار عاش أكثر من 18.000 فلسطيني تحت الحصار لأكثر من عام بعد أن تعطلت كل محاولات إيصال المساعدات للسكان الذين عانوا من الجوع والمرض ونقص الدواء والحاجيات الأساسية بسبب رفض السلطات السورية المتكرر والمخاطر التي كانت تكتنف أي محاولة للوصول إلى المخيم نظرا لانتشار حواجز التفتيش والقناصة.

واستطاعت الأونروا توزيع 7.000 طرد من الطعام على اللاجئين التي قالت إنها ‘نقطة في محيط’.

وعبر مدير الوكالة فيليبو غراندي عن صدمته من مناظر سكان المخيم الذين اندفعوا نحو نقطة توزيع المواد الغذائية واصفا الوضع كالتالي ‘مثل الأشباح ظهروا، هؤلاء الناس الذين لم يخرجوا من بيوتهم وحوصروا فيها بدون طعام، دواء أو ماء نقي، وعانوا من خوف، وكانت هناك معارك شرسة، ولا يستطيعون الكلام، وحاولت التحدث مع الكثيرين منهم وكلهم أخبروني نفس القصص عن الحرمان الكامل’.

لوحة صادمة

وتساءل غراندي عن الذين لم يستطيعوا الخروج من أماكنهم ولم يحصلوا على مساعدة بسبب ضعفهم أو لأنهم كبار في العمر أو الأطفال. ومع أن مجلس الأمن أوصى في قرار مرر بالإجماع الأسبوع الماضي بضرورة تعاون كل الأطراف مع المنظمات الدولية لنقل الإغاثة للمتضررين في كل سوريا إلا ان غراندي وصف الوضع على الأرض بالفوضوي، وكل عملية توزيع تقتضي مفاوضات مع العديد من الأطراف.

ولا يبعد المخيم عن العاصمة دمشق سوى عدة أميال حيث كان يعيش فيه أكثر من 100 ألف نسمة، وهرب الكثيرون منهم للمناطق الأخرى في سوريا أو قاموا بهجرة ثالثة وانضموا لسكان المخيمات في لبنان. ومن لم يستطع ظل في المخيم.

وأشار تقرير لصحيفة ‘اندبندنت’ البريطانية إلى أن القناصة استهدفوا نساء كن يحاولن جمع الأعشاب لإطعام أطفالهن، فيما مات 50 شخصا على الأقل جوعا منذ شهر تشرين الثاني/اكتوبر العام الماضي.

ووصف المتحدث باسم الأونروا أنه لا يمكن لأحد أن لا يشعر بالصدمة من ‘المشاهد القيامية’ التي تخرج من المخيم ‘فهذه الصور ملحمية وشخصية’ في نفس الوقت وتظهر وجوها هزيلة متعبة وجائعة وأطفالا ينتظرون للحصول على الطرود الغذائية. لوحة تذكر بلوحات الفنانين الإنطباعيين وصور الجوع التي رسمها فان غوخ، أو سيزان، لكنها حقيقية، لفلسطينيين بلا وطن يجبرون على الرحيل مرة ثانية ولكن إلى أين، فكل الحدود مغلقة أمامهم.

وركزت صحيفة ‘التايمز′ على الصورة في عددها فيما وضعتها صحيفة ‘الغارديان’ على صدر صفحتها الأولى وعليها عنوان ‘عالقون وجائعون: الآلاف ينتظرون الطعام في المخيم’. وتأتي عودة مخيم اليرموك ومأساة سكانه في ظل اتهامات للنظام السوري من الخارجية الأمريكية بقيامها باعتقال عائلات أعضاء الوفد المعارض في محادثات جنيف الفاشلة. فقد وجهت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين بساكي اتهامات لنظام الأسد بأنه يقوم بالإنتقام من ممثلي المعارضة الذين حضروا الى جنيف.

وقالت بساكي ‘تعبر الولايات المتحدة عن غضبها من التقارير التي تحدثت عن قيام نظام بشار الأسد باعتقال أعضاء عائلات الممثلين في الإئتلاف الوطني المعارض الذين حضروا الى جنيف. ودعت المتحدثة نظام الأسد لإطلاق سراحهم بصورة عاجلة وبدون شروط. ومن بين المعتقلين محمود صبرا، نجل عضو الوفد محمد صبرا الذي قال إنه اعتقل على حاجز للجيش في بلدة جرمانا.

وكان النظام قد أعلن عن مقتل 175 شخصا وصفهم بالجهاديين من أعضاء جبهة النصرة وجماعات أخرى.

دولة إرهاب الأسد قتلت إبني

وفي هذا السياق كتب المعارض السوري فايز سارة في صحيفة ‘إندبندنت’ مقالة تحدث فيها عن مقتل ابنه وسام في سجون النظام السوري. وقال فيها إن اغتيال وسام كان أكبر مأساة تصيب العائلة.

وكتب في بداية مقالته أن مقتل ابنه وغيره من السوريين قد يعتبر بالنسبة للكثيرين لا يشكل إلا أرقاما تزيد كل يوم من القتلى والجرحى والمعذبين والمعتقلين والمشردين، و’لكن هذه الأرقام تتحدث عن الرعب، الرعب الذي لم نتخيله عندما خرجنا للشوارع في عام 2011 مطالبين بالحرية في سوريا’ كما يقول.

كان الرعب بعيدا عن سارة حتى جاء ‘في الإسبوع الماضي، زار الرعب عائلتي عندما تلقينا رسالة من النظام أن ابني مات’.

ويصف الكاتب ابنه بقوله ‘كان وسام شابا دمشقيا عاديا، عمره 27 عاما واعتقله النظام عند حاجز تفتيش في طريقه لرؤية أصدقائه، ولم يكن منخرطا في السياسة أو له علاقة بالسلاح، وتظل قصته عادية بالنسبة للسوريين، فقد عذب حتى الموت في سجن النظام’.

ويقول إنه من الصعب على القراء الغربيين فهم ما حدث، فحملة النظام الواسعة من الإعتقالات العشوائية والقتل والتعذيب والإعدامات مستمرة وبهدف واحد وهو إجبار السوريين على الإستسلام والتخلي عن القتال.

مشيرا أن النظام وزع في الأيام الأولى للثورة أشرطة فيديو تظهر أساليب التعذيب كي يحذر الناشطين الشباب ويهددهم أن هذا ما سيحدث لهم إن اختاروا السير في هذا الطريق.

ويرى سارة أن أسلوب النظام المبرمج يقوم على معلمين هامين وهما: الخوف والألم. سواء كان إرهاب النظام موجه ضد الفرد أي بالإعتقال والتعذيب أو ضد المجتمع بكامله من خلال البراميل المتفجرة، فلا فرق لأن ‘النظام يستخدم الألم حتى يجبر الشعب على التخلي عن أهداف الثورة، وهذه هي طريقة عمل الديكتاتوريات المتوحشة خلال العصور’ كما يقول.

مأساة؟ نعم

وعلى الرغم من أن موت وسام كان ‘بالنسبة لنا أكبر مأساة نجربها، فألم فقدان ابن هي أبعد من أن يعبر عنها بالكلمات، ولكن حين نضع المأساة السورية في السياق، وعندما يرى العالم أنني فقط واحد من آلاف الآباء الذين فقدوا أبناءهم والذين لا يزالون يفقدون أبناءهم، فيما يسمح لهذا النظام بالإستمرار في شن هذه الحرب القاسية ضد الشعب السوري الذي لا يطالب إلا بحريته’.

ويذكر سارة بتجربته في الدعوة للحرية بالقول ‘منذ أربعين عاما وأنا اكتب عن الحرية لسوريا، ودخلت السجن مرتين وبقيت فيه عامين، وأسهمت الأفكار التي كتبت عنها في ميلاد الثورة في سوريا، وكغيري قلت للسوريين من خلال كتاباتي إن الحرية ممكنة، وقدمت هذه المبادئ لأحمد الجربا، رئيس الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، وستظل الثورة حية، ولكن الثمن الذي ندفعه هو أغلى مما تخيلته’.

ويختتم بالقول ‘لقد شعرت بالمرارة عندما استمعت لأكاذيب النظام ودعايته عن ‘الإرهاب’ في جنيف وفي الوقت نفسه تلقيت خبر وفاة وسام على يد إرهاب الدولة’. يحدث كل هذا والعالم يتفرج على الأسد الذي يواصل التسبب بمعاناة وإرهاب للشعب السوري أكثر مما يمكن للشعوب المتحضرة أن تفهمه.. ‘

إما الأسد وإما ‘القاعدة’

يسجن السوريون ويجوع الفلسطينيون في المخيمات ويواصل الأسد معركته التي يؤمن داعموا النظام أنه ربحها. وهو ما لاحظه بيتر أوبورن في مقاله الذي نشرته صحيفة ‘دايلي تلغراف’ والذي لخص فيه ما جرى من مناقشات في ندوة نظمها ‘منبر الأزمات’ الذي يديره عميل الإستخبارات الخارجية البريطاني السابق أليستر كروك في بيروت قبل أيام، ويحتفظ كروك بعلاقات مع منظمات مثل حزب الله وحكومات مثل إيران في وقت قطعت فيه العلاقات الرسمية معها.

ودعا كروك إلى الندوة مستشارا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وممثلين عن الحكومة في جنوب إفريقيا ودول أوروبية وإيران ومن حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي التي يقول إنها جميعا مصنفة من الغرب كجماعات إرهابية. ويعترف الكاتب أن رؤية كروك العارف بالأمور وبخفايا الأزمة السورية تجعله يصدر أحكاما واقعية ‘فعندما زعمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أن الرئيس السوري بشار الأسد سيسقط في غضون أسابيع، قال لي هذه خيالات.

وعندما أثنى الغرب على المقاتلين السوريين باعتبارهم جماعات ديمقراطية وحركة تحرر وطني، قال لي، انتظر، ففي قلب الثورة عصابات مسلحة مدعومة من السعودية ودول الخليج تريد إقامة خلافة إسلامية في معظم أنحاء الشرق الأوسط’.

ويعتقد الكاتب الذي خرج من الندوة بمجموعة من الأفكار التي تحدث عنها ‘الطرف الآخر’ أن الغرب والولايات المتحدة بدؤوا الآن يكتشفون خطر الجماعات الجهادية على سوريا والمنطقة والغرب، وفي مسألة الخيارات فالغرب يواجه خيار قتال القاعدة والتغلب عليها أو الأسد ولكن ليس الإثنين.

وخرج الكاتب بعدد من الرسائل. أهمها هي أن المجتمع الدولي بدأ بتغيير مواقفه من الوضع في سوريا مشيرا إلى تحولات لم يلتفت إليها أحد ولم تلق تغطية إعلامية. وتؤذن هذه بتغير في مسار الغرب.

بندر عاطل عن العمل

ويشير تحديدا لغياب الأمير بندر بن سلطان وسفير واشنطن في دمشق روبرت فورد عن الساحة ‘فقبل عامين، قام الملك عبدالله وبتوصية من الولايات المتحدة بتكليف بندر بمهمة تدمير الأسد.

ومنذ تلك الفترة قام بندر بضخ كم غير محدود من المصادر في هذه المهمة، حيث دعم عددا من المجموعات المقاتلة، تتراوح بين تلك التي توصف بالجماعات المعتدلة للجماعات التكفيرية والتي باتت مصدر قلق للعائلة السعودية الحاكمة.

ومع أن الأمير بندر لا يزال يحتفظ بمنصبه كمدير للأمن القومي والإستخبارات السعودية، إلا أن اسمه كان غائبا عن اجتماع قادة أجهزة المخابرات الذين اجتمعوا في واشنطن لمناقشة سوريا، لقد أصبح عاطلا عن العمل’.

أما فورد الدبلوماسي الأمريكي الذي كان نقطة الإتصال التي تربط الأمريكيين بالمعارضة السورية فلم يظهر منذ محادثات جنيف الفاشلة قبل أسبوعين، ‘لقد قطع هو الآخر’.

ويربط الكاتب التغيرات السعودية بما أوردته صحيفة موالية لحزب الله ‘الأخبار’ اللبنانية التي قالت إن ‘إدارة أوباما واجهت السعوديين بملف يظهر تورطهم في الإرهاب في العراق، لبنان واليمن’. وألمحت الصحيفة إلى امكانية قيام مجلس الأمن بتصنيف السعودية كدولة ممولة للإرهاب العالمي. وقد يكون هذا الكلام خياليا على حسب الكاتب لكنه لن يكون بعيدا عن زيارة الرئيس أوباما للرياض الشهر المقبل التي تحظى بأهمية كبيرة.

معركة القلمون انتهت

أما بقية الرسائل التي خرج بها من الندوة أو اللقاء الذي عقد في فندق لبناني على البحر شبه خال. فكانت إحداها اعتقاد المشاركين فيه أن انتصار الأسد أصبح أمرا مفروغا منه، مع اعترافهم أنه قد يحتاج لوقت طويل حتى ينهي الحرب. وناقش المتحاورون في الندوة مشكلة الإقتتال داخل المعارضة في الشمال، مؤكدين أن معركة القلمون قد انتهت وستسقط بيد قوات الأسد قريبا.

أما الرسالة الأخرى التي خرج بها الكاتب فهي متعلقة بكون القاعدة الخطر على المنطقة وليست إيران كما تقول السعودية التي تعتبر حليفة بريطانيا، وزارها ولي العهد الأمير تشارلز الإسبوع الماضي مع أن السعوديين كما يقول المتحدثون هم ‘من أكثر الداعمين للإرهاب العالمي- وهي حقيقة تعرفها جيدا الوكالات الأمنية، وحتى لو لم تستطع الولايات المتحدة وبريطانيا الإعتراف بها فعليهما فهم تداعياتها’.

ولاحظ الكاتب مقارنة المشاركين بين الباكستان أثناء الحرب الأفغانية ضد الإتحاد السوفييتي والسعودية اليوم ‘ففي تلك الفترة قامت الإستخبارات الباكستانية وبدعم من السي أي إيه بنقل الأموال والأسلحة لجماعات المجاهدين، ولكنهم فشلوا وبشكل كارثي التنبؤ من أن تقوم هذه الجماعات بارتكاب مذابح عندما ستنتهي الحرب’.

مشيرين إلى أن السعودية تواجه الخطر نفسه حيث ‘تقوم بطريقة غير مباشرة- بضخ أموال ضخمة وأسلحة للجماعات المتطرفة التي تؤمن بالتكفير’.

ولاحظ الكاتب أن أهم ما خرج به من الندوة هو تماسك الداعمين الدوليين للأسد ‘مستمرون بدعمه مهما كانت النتائج’ وبالمقارنة، فبعض الداعمين للمعارضة مثبل السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا يعيشون ‘نزاعا مرا ولا يتشاركون في رؤية متماسكة أو هدف جامع′.

ومهما يكن هذا التحليل الذي قال إنه قد لا يعجب الحكومة البريطانية إلا أنه أفضل من التناقضات والتحليلات العاطفية والتعلل بالأماني التي تتسم بها تحليلات الخبراء الغربيين وصناع السياسة قائلا ‘على الأقل هذه الأصوات تستحق ان يستمع لها’.

ويضيف ‘مع نهاية لقاء بيروت، سألت إن كان الأسد سيبقى في الحكم فأجاب أنه لا يشك في هذا، ولكن هناك إشارات كبيرة على أن الغرب بدأ يفهم أنه لديه خيار: إما التخلص من الأسد أو التخلص من القاعدة ولكن لا يمكنه تحقيق كلا الخيارين’.

المصدر: القدس العربي