صورة
اللاجىء الفلسطيني في عيون الأنظمة العربية
بقلم:
فادي أبوبكر
تُعتبر
جامعة الدول العربية الحاضنة السياسية للأنظمة العربية، وفيما يتعلق بقضية
اللاجئين الفلسطينيين فقد أولت الجامعة اهتماماً كبيراً لقضية اللاجئين
الفلسطينيين منذ نكبة عام 1948م، حيث تم اتخاذ العديد من القرارت بالخصوص أبرزها
قرار مجلس الجامعة العربية في 22 شباط 1948م،الذي يفرض ضريبة في كل دولة عربية من
دول الجامعة، عرفت بإسم "ضريبة فلسطين" تخصص مواردها للاجئين
الفلسطينيين، كما عملت الجامعة على تدويل قضية اللاجئين، فقد قامت بإدخالها إلى
المنظمة الدولية. وبقت جامعة الدول العربية متحملة مسؤولياتها إزاء اللاجئين
الفلسطينيين حتى عام 1964م.
في
العام 1964 تأسست منظمة التحرير الفلسطينية والتي جاءت لتلاقي طموح الفلسطينيين
بأن يكون لهم كيان شرعي يمثلهم في العالم، ولكن بنفس الوقت كان تأسيس المنظمة هو
نشأة ملامح التآمر العربي على الشعب الفلسطيني. حيث رأى العرب في منظمة التحرير
الفلسطينية مخرجاً لهم ليتملصوا من واجباتهم ومسؤولياتهم إزاء القضية الفلسطينية،
وتتحمل المنظمة وحدها عبء القضية الفلسطينية.
تبنت
جامعة الدول العربية بروتوكول الدار البيضاء في معاملة الفلسطينيين في الدول
العربية، والذي صدر عن مؤتمر وزراء الخارجية العرب عام 1965، والذي كان يدعو
نظرياً إلى التضامن مع الشعب العربي الفلسطيني بإعطائهم حقوق مثل المواطنين، إلى
جانب رفض التوطين.
إلا أن
هناك إختلاف ما بين النظرية والتطبيق، فهناك دول مضيفة لعدد كبير من اللاجئين مثل
لبنان وليبيا وغيرها، كان لها تحفظات على هذا البروتوكول. وهناك دول أخرى كالأردن
صادقت على هذا البروتوكول، إلا أن ممارسات الأردن على أرض الواقع كانت مخالفة لما
تعهدت به خصوصاً مع الغزيين في الأردن. إضافة إلى ذلك فإن جامعة الدول العربية
أصدرت قرارات فيما بعد تعفي الدول العربية من إلتزاماتها بموجب بروتوكول الدار
البيضاء.
تعرض
الفلسطينيون منذ النكبة واللجوء إلى عقاب جماعي مارسته الأنظمة العربية لدعم
كياناتها السياسية الحديثة النشأة والمفروضة أصلاً من الاستعمار. ففي مصر مثلاً
تغير وضع اللاجئين الفلسطينيين أيام الرئيس الراحل أنور السادات من مقيمين دائمين
يتمتعون بكل الحقوق المدنية التي يتمتع بها المصريون، إلى أجانب محرومين من هذه
الحقوق وذلك بسبب إغتيال الكاتب المصري يوسف السباعي في قبرص في نهاية السبعينيات.
كما تعرض اللاجئون الفلسطينيون إلى عمليات طرد جماعي إثر غزو الكويت وما عقبه من
حرب الخليج، وذلك عقاباً لهم على موقف سياسي فُسر بأنه تأييد لموقف صدام حسين،
وهناك الكثير من الأمثلة والحالات المماثلة.
للأسف
هذا كله مارسته الأنظمة العربية، بالرغم من أن الحق في المواطنة يعتبر أحد
المبادىء الرئيسية للميثاق الدولي لحقوق الإنسان، حيث تنص المادة 15 من الميثاق
"على أن لكل إنسان الحق في المواطنة، ولا يجوز نزع المواطنة من أي شخص بصورة
تعسفية أو أن يُحرم من حقه في تغيير مواطنيته".
هذا إن
دل فإنه يدل على إنتهاك واضح للأنظمة العربية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالإنسان
الفلسطيني، كما أن جامعة الدول العربية تتحمل الذنب الأكبر بإعتبارها الحاضنة الأم
لتلك الأنظمة العربية. إن اللاجئين الفلسطينيين يعانون الأمرين، فهم فقدوا وطنهم
الذي سلبته منهم "إسرائيل”، كما أنهم فقدوا حقهم في المواطنة وهذا ما سلبتهم منهم
الأنظمة العربية. أي أن الأنظمة العربية والعدو الصهيوني هما المسببان الرئيسيان
لمعاناة اللاجىء الفلسطيني.
إن "إسرائيل”
لا ترى في عودة أي عدد من اللاجئين الفلسطينيين سوى طمس لهوية الدولة اليهودية،
وعلى الرغم من وعي الأنظمة العربية بهذا الأمر، إلا أنها تشجع عملية التفاوض وتضغط
على السلطة الفلسطينية للاستمرار فيها. فمعظم الدول العربية تقريباً توصلت إلى
نتيجة مفادها أن "إسرائيل” لم تعد العدو وأن الفلسطيني يقوض مصالحهم القطرية.
ولهذا فهي تدفع بإتجاه حل نهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وهذا ما يبرر
مساندتهم للرئيس الأمريكي أوباما في مساعيه وجهوده لإستئناف المفاوضات الفلسطينية
– الإسرائيلية. في المقابل وعلى الرغم من خوض السلطة الفلسطينية المفاوضات مع "إسرائيل”،
ووعيها بعدم توفر فرصة إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه، إلا أنها على الأقل متمسكة
بحق العودة كحق راسخ في أية مفاوضات سلام.
إن "إسرائيل”
تواصل تطرفها فيما يخص قضية اللاجئين الفلسطينيين، فإستمرار بناء المستعمرات في
الضفة والقدس لهو أكبر رسالة موجهة للعالم بإلغاء حق العودة. ومؤخراً قام الرئيس
الإسرائيلي خلال إحتفال بما يسمى "ذكرى الهجرة اليهودية من الدول العربية
وإيران" وذلك بتاريخ 1/12/2014 بالمطالبة بإستعادة أموال اليهود في الدول
العربية وإيران، حيث قال " إن الدول العربية لم تقبل إعلان الأمم المتحدة
بإقامة دولة يهودية، وأجبرت اليهود المقيمين فيها على ترك منازلهم وممتلكاتهم، وما
رافق ذلك من أعمال عنف وشغب ضد اليهود". كما أكد نتنياهو إن "إسرائيل” ستواصل
العمل على إقامة دعاوى قضائية من أجل استعادة أموال يهود الدول العربية وإيران الذين
أجبروا على ترك ممتلكاتهم والهجرة إلى "إسرائيل”، على حد زعمه.
نستخلص
من تصريحات نتنياهو، أنه يود إستغلال هذه القضية بهدف مساومة العرب في أي مفاوضات
مستقبلية تتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين. فإسرائيل تسعى جاهدة لجعل العرب
والفلسطينيين يتناسوا حق العودة، هذا الحق الذي يقلق منام بني صهيون.
يقول
يوسي بيلين أحد كبار رجال الدولة في "إسرائيل" "إذا لم نجد حلاً
لهذه المشكلة المؤلمة (اللاجئين الفلسطينيين) فإن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني
سوف يظل دون حل، حتى لو أقيمت دولة فلسطينية". وعليه فإن عمليات التفاوض لن تؤثر
في قضية اللاجئين ولن ينتهي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلا بعودة اللاجئين
الفلسطينيين، فهذا الصراع كان وما زال صراع وجود وليس صراع حدود، ولن ينتهي بإقامة
دولة فلسطينية دون عودة أبناءها المُهجرين إليها.
نصف عدد
اللاجئين يعيش في الأردن، وحوالي 15% منهم يعيشون في سوريا ولبنان، فكيف رُسمت
صورة اللاجىء الفلسطيني في عيون النظام الملكي الأردني والنظام الجمهوري اللبناني؟
اللاجئون
الفلسطينيون في الأردن
بحسب
إحصائيات الأونروا، فإن نسبة اللاجئين المسجلين في الأردن تبلغ 35.5% من مجموع
سكان الأردن،وذلك بحسب التعداد الرسمي العام لسنة 2004. في حين تشير بعض الإحصاءات
غير الرسمية إلى أن نسبة السكان من أصول فلسطينية في الأردن تبلغ 60% من تعداد
السكان العام.
في شهر
شباط من العام 1949 أصدر الأردن قرارً يقضي بموجبه إعتبار كل اللاجئين الفلسطينيين
أردنيين يتمتعون بحقوق الأردنيين وواجباتهم كافة. وفي العام 1950 وبعد مؤتمر أريحا
الذي أقر بضم الضفة الغربية إلى الأردن، حصل 90% من الفلسطينيين (لاجئين وغير
لاجئين) على الجنسية الأردنية. ولم يصادق الأردن على إتفاقية اللاجئين الدولية
لسنة 1951 ولا على بروتوكول نيويورك للعام 1967 الخاص باللاجئين، وذلك إنطلاقاً من
نظرته للاجئين على أرضه بإعتبارهم مواطنين لا تنطبق عليهم مواصفات اللاجىء
بالمفهوم الدولي. وحتى بعد فك الإرتباط مع الضفة الغربية عام 1988م، أكد الأردن أن
شيئاً لم يتغير بالنسبة لأردنية الفلسطينيين اللاجئين.
في ظل
حصول اللاجىء الفلسطيني على الجنسية الأردنية وعلى إمتيازات وحقوق إلى جانب نفس
الواجبات مثله مثل أي مواطن أردني، فإن هذا أدى إلى تخبط اللاجىء الفلسطيني وعومه
في بحر من التساؤلات حول هويته. ولم يتصرف الأردن إزاء الفلسطينيين من منطلق
الأخوة، وإنما من منطلق "الأردن أولاً". فأكثر من نصف سكان الأردن هم من
أصول فلسطينية، وأي تقصير في حقهم سينعكس سلباً على أمن الأردن وأمن النظام
الأردني. فلماذا الأردن لم تعطي اللاجئين الآخرين من سوريا والعراق وغيرهم نفس
الإمتيازات التي تُعطى للفلسطينيين؟. سؤال يستحق الوقوف عنده ويؤكد أن النظرة
الأردنية هي نظرة من منطلق المصلحة القطرية الأردنية وليس من منطلق الإنتماء للكل
العربي.
اللاجئون
الفلسطينيون في لبنان
وفق
التشريعات التي أصدرتها السلطات اللبنانية، لا يسمح للفلسطينيين بالإنتفاع من
الضمان الإجتماعي أو الصحي، وحرموا من العمل في مهن المحاماة، الهندسة، الطب
والصيدلة وبلغ عدد المهن المُحرمة على اللاجىء الفلسطيني حوالي 72 مهنة. كما حرموا
من حق التملك بالإضافة إلى تشديد قيود السفر والتنقل وتجديد وثائق السفر.
بعد عرض
ما سبق من أوضاع للاجئين الفلسطينيين في كل من الأردن ولبنان، وكيف يُعامل
الفلسطيني من قبل النظام العربي في تلك البلدان ـ فإن الأمر الملاحظ أن وضع
الفلسطيني في الأردن أفضل مما هو عليه في لبنان ولكن إن تعمقنا في الأمر نجد خلاف
ذلك، وأن لكل منطقة خصوصيتها.
ففي
لبنان يعاني اللاجىء الفلسطيني من حرمانه من عدد من حقوقه المدنية بحجة منع
توطينه، ولكن الحقيقية هي أن الفلسطيني نفسه لا يرغب أصلاً في التوطين، وإنما لا
يريد سوى معاملة إنسانية عادلة. وعلى الرغم من قسوة النظام اللبناني على اللاجىء
الفلسطيني، إلا أن هذه القسوة جعلت الفلسطيني يشعر بفلسطينيته ويتمسك بهويته، ويشعر
بأن إقامته في لبنان مؤقتة وبأنه سيعود يوماً إلى فلسطين.
أما
الأردن، فبالرغم من الإمتيازات التي يحظى بها اللاجىء الفلسطيني، إلا أن إعطاءه
الجنسية والتمهيد لتوطينه في الأردن، من أجل إرضاء الطموح الأردني ببقاء الأردن
آمناً وتحت الحكم الملكي الهاشمي، لم يجعل الفلسطيني في صورة أحسن من اللاجىء
الفلسطيني في لبنان، بل جعله متخبط ومُعوم حول مفهوم هويته وفلسطينيته، وكأن حاله
انتهت به كمواطن أردني يعيش على أطلال فلسطين.
على ضوء
ما سبق، فإن واجب منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني أن
تقوم بما يلي:
• لا بد
أن تعي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أن فكرة
الوحدة العربية قد انتهت، وأن كل نظام عربي يتعامل من منطلق مفهومه للأمن القومي
والذي لا يتعدى أمن النظام والحكم السائد. وعليه فلا بد من أن تعي المنظمة جيداً
أنها مكشوفة في ساحة الصراع مع "إسرائيل”، وعليها أن تبني إستراتيجيات وطنية
جديدة.
• بناء
إستراتيجية وطنية جديدة مشتركة من كافة أطياف وفصائل العمل الوطني الفلسطيني،
لتكون قوة تُغطي غياب العرب الذي أقصوا قضية اللاجئين والقضية الفلسطينية من
أجندتهم.
• التركيز
على دعم الجاليات الفلسطينية في كل بقاع العالم، واتخاذهم مرجعية في القرارات
الوطنية الفلسطينية الرسمية، حتى يشعر اللاجىء الفلسطيني بقيمته كفلسطيني، ويتمسك
بهويته وفلسطينيته ومفتاح عودته.
• تفعيل
الدوائر والمراكز الرسمية وغير الرسمية في فلسطين والتي تُعنى بشؤون اللاجئين
الفلسطينيين وتجنيب تسييس هذه المراكز، ولتكون هدفها خدمة اللاجىء الفلسطيني أياً
كانت أيدولوجيته.
• الحذر
من كل ما يسمى بمشاريع "الوطن البديل" وعدم الإدلاء بأي تصريحات على
المستوى الرسمي الفلسطيني من شأنها أن تفهم على أنها موافقة لهذه المشاريع،حتى وإن
كانت بغرض المغازلة السياسية.
•
التمسك بحق العودة كأساس وثابث راسخ للشعب الفلسطيني، وتأكيد ذلك دائماً على
المستويين الشعبي والرسمي، ليبقى المحتل الصهيوني يعيش في كابوس أنه سيأتي اليوم
ويعود اللاجئين وتعود فلسطين وتُحرر الأرض المقدسة من دنس المستعمرين.
المراجع:
• حسام
حنودة، "قضية اللاجئين الفلسطينيين في جامعة الدول العربية
(1948-1964)،" مجلة صامد الإقتصادي، ع.153(2008): 113.
• ورقة
عمل بعنوان "الحقوق الاجتماعية والإقتصادية للاجئين الفلسطينيين في الدول
المضيفة" للدكتور عاصم خليل صدرت عن معهد ابراهيم أبولغد للدراسات الدولية،
جامعة بيرزيت،حزيران 2011.(ص11-13).
• سامي
حمود، "ملحوظات على القرارات العربية المتعلقة باللاجئين والقضية
الفلسطينية،" مجلة العودة، ع 72 (2013): 17.
• "Negotiating
under the shadow of the Palestinian Refugees,” Professor Alon Ben-Meir,
http://www.alonben-meir.com/article/negotiating-under-the-shadow-of-the-palestinian-refugees/(accesed
Dec.8,2014).
• محمد حامد،
"نتنياهو يطالب بإستعادة أموال اليهود في الدول العربية وإيران،" جريدة
الشروق، ديسمبر.1،2014.
•
عبدالرحمن أبوشمالة، " اللاجئون الفلسطينيون- قضايا مقارنة،" اللاجئون
الفلسطينيون في البلدان العربية المضيفة-تباينات الواقع والمشكلات،ساجي سلامة.(
جامعة بيرزيت: معهد إبراهيم أبولغد للدراسات الدولية، 2008)، 24.