طبقاً للقانون الدولي.. الدولة ليست بديلاً من حق العودة!
إياد مسعود
مع اقتراب موعد تقديم الطلب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، في السعي لاحتلال المقعد رقم 194 في الجمعية العامة للمنظمة الدولية، تخوفت بعض الصحف في بيروت من أن يترافق هذا مع قرار بحل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وإحالة خدماتها إلى الدول المضيفة، بما يعنيه ذلك سياسياً، من إغلاق نهائي لباب العودة إلى المناطق التي هجر منها اللاجئون منذ العام 1948، وفتح باب التوطين، بما لهذا الأمر من تداعيات فلسطينية وعربية وحتى إقليمية.
ونعتقد، من الناحية القانونية، أن هذا التخوف في غير محله. لأنه لا صلة مباشرة بين تطبيق القرار 181، الذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين، والذي يشكل الآن، الأساس القانوني لقيام دولة فلسطينية مستقلة (مع اعتراضنا المبدئي على القرار لما يلحقه من ظلم فادح في الحق الفلسطيني والعربي في فلسطين)، وبين بقاء وكالة الغوث.
فالوكالة وجدت بموجب القرار 302 عام 1949، بعد ان ماطلت إسرائيل وتقاعست عن تطبيق القرار 194، الذي نص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. وقد جاء تأسيس وكالة الغوث لتحمل العبء عن الدول المضيفة في إغاثة اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها. وإذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها اعتبرت الوكالة منظمة مؤقتة، وغير دائمة، فلأنها اعتبرت اللجوء حالة غير دائمة، وأكدت في السياق على وجوب عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم، ورهنت بقاء الوكالة ببقاء حالة اللجوء، كما رهنت حل الوكالة، بتنفيذ القرار 194 لعام 1948. لذلك تكتفي الجمعية العامة، دورياً، في تجديد تفويضها لوكالة الغوث، مرة كل ثلاث سنوات، مؤكدة على أن هذا التفويض لا يمس حق اللاجئين في العودة. والملاحظ أن المنظمة الدولية في جمعيتها العامة، دأبت على هذا المنوال، حتى قبل ولادة منظمة التحرير الفلسطينية، وقبل الاعتراف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وقبل الاعتراف لهذا الشعب بتقرير مصيره بما في ذلك حقه في الاستقلال في دولة ذات سيادة، وكذلك قبل تشكيل اللجنة الدولية للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وغير القابلة للتصرف. وهو ما يؤكد، مرة أخرى، وفي سياق تطور موقف المجتمع الدولي من الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، أن قيام دولة مستقلة في الضفة الفلسطينية وفي قطاع غزة، وبحدود الرابع من حزيران 67، وعاصمتها القدس، ليس من شأنه أن يمس حق العودة أو يلغيه. فالدولة الفلسطينية تأتي في سياق معالجة نتائج حرب حزيران 67، أما عودة اللاجئين، فإنها تأتي في سياق معالجة نتائج حرب 1948، واستكمال تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة.
وفي تأكيد آخر، لا يقل أهمية عما عرضناه، يمكن العودة إلى أعلى سلطة قضائية في المجتمع الدولي، ممثلة بمحكمة لاهاي الدولية. حين عرضت الجمعية العامة للأمم المتحدة على المحكمة إبداء رأيها الاستشاري بمسألة جدار الفصل والضم العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نظرت المحكمة إلى الأمر باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الصراع الفلسطيني، الإسرائيلي. ورغم أنها قدمت رأياً واضحاً في عدم شرعية ولا قانونية تشييد "الجدار"، ورغم أنها دعت بوضوح إلى هدمه، وإعادة الوضع إلى ما كان قبل ذلك، والتعويض على الذين تضرروا مادياً ومعنوياً من تشييده غير القانوني، فإنها تناولت الصراع من أساسه، ورأت أن القرار 181 وباقي القرارات ذات الصلة، بما فيها القرار 194 لم تنفذ بعد. وان التنفيذ يتطلب قيام دولة فلسطينية في الجزء الذي أقره القرار المذكور للفلسطينيين (وليس في إطار حدود الرابع من حزيران فقط) كما يتطلب عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها تطبيقاً للقرار 194. ولاحظت المحكمة أن تنفيذ القرار 181 لا يعطي الحق لأي من الدولتين (إسرائيل والدولة الفلسطينية) اتخاذ أية إجراءات لتغيير البنية الديموغرافية في الجزء الذي خصص لهما، في حكم واضح يدين إجراءات تهجير الفلسطينيين على يد العصابات الصهيونية المسلحة، وفي دعوة واضحة وصريحة إلى ضرورة عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أصبحت الآن، بفعل التطورات، تتبع لدولة إسرائيل.
وبالتالي يمكن القول إن قيام دولة فلسطينية، فضلاً عن كونه يلحق هزيمة بالاحتلال، فإنه في الوقت نفسه يفتح الباب للشعب الفلسطيني ليمارس حقه في تقرير مصيره بنفسه. وما الدولة المستقلة إلا خطوة على طريق تقرير المصير، لا يمكن استكمالها إلا بخطوة ثانية هي عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم، وهي هزيمة ثانية تلحق بإسرائيل، تفتح الباب على تداعيات واحتمالات إقليمية واسعة. عندها يمكن البحث في مصير وكالة الغوث.
المصدر: جريدة المستقبل اللبنانية