طفل غزة.. أطفالنا كلنا
بقلم: خالد حدادة *
أطفال غزة طبيعيون، عاديون، وليسوا أطفالاً من كوكب آخر.
الطفل الفلسطيني، طفل غزة، يبكي ويضحك ويجوع.
طفل غزة كما طفل القاهرة يفرح بفانوس رمضان وينتظر ليلة العيد تأتيه
بثياب جديدة.
هو كما طفل الشياح والطريق الجديدة وكسروان، كان سيفرح لو أتيح له متابعة
«المونديال». كان سيتحمس حكماً لمنتخب الجزائر ولكنه سيفرح مع كل هدف.
طفل فلسطين وغزة، يهوى الألعاب الالكترونية أيضاً ويحلم بمحمول تضعه له
أمه على الفراش ليلة عيد.
هو كما الجميع من أطفال باريس إلى واشنطن وموسكو، يستهويه حضن أمه تمنحه
الدفء.
فتى غزة كما كل فتى في أول مرحلة التعليم المتوسط، كان سيشعر بالقشعريرة
عندما تلامس يده لأول مرة يد زميلته، تعيد له قلم الرصاص الذي أوقعه عمداً على
الأرض.
هو مثل كل أطفال الأحياء الفقيرة في نيويورك وبرازيليا وبيونس ايرس، يهوى
سماع الموسيقى الصاخبة ويجد بنفسه مشروع مغني راب، تصفق له الفتيات وهو يختال
بينهم.
هو كما الجميع، كان سيتمارض ليغيب عن المدرسة وكما الجميع سينتظر بقلق
نتائج امتحاناته. هو طفل يحلم ان يكون طبيباً، مهندساً، فناناً، عاملاً وبحاراً في
«بحر غزة».
هو كما كل الأطفال الفقراء في العالم، يهوى السباحة عارياً أو شبه عار،
على شواطئ أحبها، يسابق سمك شاطئ غزة ويسعد ببعض الريح يلفحه في أنحاء جسمه.
ويمكن أن نخبر، أوباما وحمد ووليده تميم، نخبر ملوك السعودية وأمراءها،
هو كما أطفالهم، يتألم عندما يتعرض لجرح بسيط، ولا نقول يصرخ مثل أطفالهم عند
الجوع، لأن أطفالهم يتألمون ربما من التخمة.
إنه طفل طبيعي ولد كما أطفال فلسطين، كما أطفال العالم، طبيعياً وعادياً.
وهو طفل تحول.
أصبح كما طفل الجنوب اللبناني، يرى جثة أبيه أو أمه تنزف. يرى الطائرة
تحول جسد صديقته وصديقه من قانا إلى شوارع غزة وكل فلسطين أشلاء هادئة بعد ان كانت
تضج بالحياة.
هو الذي كان يحلم بالحياة قدموا له الموت رغماً عنه.
رأى سقف بيته يهوي عليه وعلى أخوته العشرة في الغرفة ذاتها.
رأى نفسه ممزقاً. رأى دماءه تغطي كتاب الجغرافيا. فرح عندما كان يحتضر
لأن الدماء رسمت خارطة فلسطين ولم تقتصر على غزة.
رأى حيناً القدس وايلات وكل مدن فلسطين المحتلة. حلم برفيقه في المخيمات
يحلم ببيت جده وبستان الليمون في يافا وحيفا والناصرة والقدس.
ما خفف ألمه، انه هذه المرة لم يَقْضِ برصاصة طائشة، بسبب خلاف الفصائل
والأخوة.
ربما آلمه أكثر، انه لم يعش تلك اللحظة التي يصبح فيها مقاوماً، يرفع
راية التحرير، فأغمض عينيه على خارطة فلسطين.
وكما محمد الدرة ومحمد أبو خضير، هما فتيان عاديان، تحولا رمزين، يوجهان
أصابع الاتهام للإجرام الصهيوني والأميركي وللخيانة الرسمية العربية، هكذا أطفال
فلسطين الذين استكملوا خارطة أطفال لبنان. أصبحوا رموزاً بعد الاستشهاد، وهكذا
جردتهم الحرب، جردهم الحصار من الطبيعة في طفولتهم.
نعم، أعلنوا أنهم ليسوا بحاجة للتبرع بالدم، يعوض دماءً نزفت منهم جرحى
وشهداء.
دماؤهم، أعلنت الفرح، وهم لأول مرة يسمعون، فصائل المقاومة ترفض مبادرة
«وإسرائيل تستجديها».
نتنياهو يستغيث بحليفه الأميركي وبالنظام الرسمي العربي ان عودوا الى
الاتفاق السابق، وفصائل المقاومة تجيب بأن ما بعد الهجوم على غزة ليس كما قبلها.
قامت الحرب المجرمة لتستكمل خارطة المؤامرة الأميركية وتفرض على فلسطين
اتفاق ذل جديدا تضيع معه القضية وحق الدولة وحق العودة، وتفرض بالتالي اتفاقاً
يتيح للمشروع الأميركي الداعم للإرهاب بكل أصنافه، إرهاب المجموعات وإرهاب الدولة
الصهيونية، يتيح لهذا المشروع إعادة السيطرة على غزة وغازها الموعود.
دماؤهم تصرخ باتجاهات عدة:
الأول، بوجه العدو، يرافق الصواريخ ترسم خارطة فلسطين وترفض العودة إلى
الحصار وإقفال المعابر،
الثاني، بوجه السلطة الفلسطينية، تدعوها، نعم، الدم يدعوها بل يضغط عليها
كي تقطع مسار اوسلو، وتعود في صيغتها الجديدة منظمة للتحرير، تحمل تراث الماضي
وتجدد احتضان كل الفصائل من أجل انتفاضة جديدة.
تصرخ في وجه النظام الرسمي العربي: لا نثق بكم ولا باجتماعاتكم. لن نصفكم
بأية صفة، أنتم ملوك وأمراء ورؤساء، انتم خونة ببساطة ترتكبون كما آباؤكم عام 1948
فعل الخيانة ولن نسمي مواقفكم إلا بهذا الاسم.
تصرخ بوجه الفصائل، بما فيها المقاومة في غزة، ان منطق الوحدة القائم على
فعل المقاومة هو الأساس، فلن تنفع أطفال غزة وفلسطين التنقلات من الدوحة إلى
تركيا، فالتحالفات المباحة والمسموحة هي المنطلقة من منطق دعم المقاومة وتطوير
قدراتها على الصمود وعلى ارباك العدو.
تصرخ باتجاه مصر، داعية فتيان ميدان التحرير، لمنع تحول الاختلاف مع أحد
فصائل المقاومة إلى ممارسة النكاية في وجه الشعب الفلسطيني وأطفال غزة، داعية
أبناء ثورة يونيو للضغط باتجاه ألا تتحول القيادة المصرية الى حاملة مواقف ملتبسة ومحايدة،
بأحسن الأحوال تساعد على انقاذ العدو من مأزقه.
تتجه باتجاه العراق وسوريا، مؤكدة ان الحفاظ على وحدة سوريا وشعبها وعلى
وحدة العراق وتطوره الديموقراطي، تعادل بالنسبة للدم الفلسطيني، أهمية الحفاظ على
غزة وصمودها.
دماء أطفال غزة، تتراقص ساخرة من عنتريات ليبرمان ونتنياهو، تقول لهما:
تستطيعون التهديد بالغزو البري وربما تنجحون في بدايات الغزو، لكن ألا ترون دماء
أطفال قانا، تذكركم بما جرى في جنوب لبنان شقيق غزة وحليفها الطبيعي؟ أطفال غزة
يسخرون من العدو، يخافون من حركة التابعين، فكما أجهض القرار 1701 صمود الجنوب
اللبناني بفعل تبعية الحكومة اللبنانية، يخشون على دمائهم وصمودهم ان تجهضه
مفاوضات السلطة وبهلوانيات القيادة الفلسطينية في الدوحة.
أطفال غزة، لا يبكون ولا يصرخون فقط. بل هم يبتسمون. يوجهون بسماتهم في
تموز باتجاه أطفال لبنان وجنوبه، تتعانق البسمات كما الدماء، يتعانق حلم شعوبنا،
بحالة عربية جديدة يتحول فيها الحلم إلى الممكن، يتحول الأمل إلى برنامج للتنفيذ
باتجاه عالم عربي، يتخلص من حكامه الخونة، يستعيد ثروته وسيادته، يؤمن السعادة
والعدالة والحلم بغد أفضل لأطفاله وفي القلب منه أطفال غزة وفلسطين.
* الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني
المصدر: السفير