«طلُعْتْ مِنُنْ؟».. عن فلسطيني لاجئ
بقلم: نوح عواضة
ما زالت الذكريات تُحمل في كل تفاصيلها، هي الأرض التي خرجوا منها، وفي
ذلك الماضي كان العالم العربي حضناً واسعاً لهم، حتى تغيرت المعادلات والموازنات،
جميعنا يذكر مواقف زعماء الدول العربية إزاء نكبة فلسطين، ثم قضية فلسطين.. ثم
ذكرى فلسطين.
بين أبٍ فتحاوي سابقاً وأم لبنانية جنوبية نشأ رمزي كيلاني الشاب الذي
يقول: "في بداية الأمر تعيش كإنسان عادي كالباقين، أما الإختلاف فيظهر حينما
يعلمون أنك فلسطيني، هناك تقع الواقعة وتصبح المسؤول عن حرب المخيمات!".
في محيط مخيم برج البراجنة يعيش رمزي، وهو طالب جامعي يدرس العلوم الحية،
كما كل فلسطينيي الشتات يأمل كيلاني العودة إلى أرضه الموعودة، ما يميّز رمزي عن
باقي رفاقه هي والدته الجنوبية، فقد نشأ رمزي في أحياء ضاحية بيروت الجنوبية التي
تعبّر عن إنتمائه لكلّ شيء، عن فلسطين والمقاومة، عن موقفها الرافض للتعصب
المذهبي، التي وبحسب وصف رمزي مكان حياة لا مكان موت.
"ولدتُ في ضاحية بيروت وأعيش في محيط المخيم ذي السمعة غير الجيدة،
والذي يشكّل نذير شؤم لدى البعض، فالناس عدوّة ما تجهله ورهينة ما تسمعه دون أن
تتحقق من أي خبر". في أيام عاشوراء يذهب رمزي يوميًا للاستماع الى مجالس
العزاء برفقة بعض الأصدقاء، يقول رمزي: "يستغرب البعض بأني فلسطيني وأذهب
لحضور مجالس عاشوراء، وكأنّ عاشوراء هي حكر على بعض الناس". يعيش رمزي في
محلة عين السكة، حيث الأسواق الشعبية الضيقة، في إحدى هذه الزواريب يسكن رمزي، لدى
الدخول إلى الحي يستغرب الناس سماعهم عن عائلة كيلاني، إلا أنهم سرعان ما يعرفونها
حينما تسألهم عن معلم الكهرباء.
عاش رمزي صراع الإنتماء، أما اليوم فهو يعتبر أنّ لبنان بلده كفلسطين لا
يوجد رقم واحد وإثنين في معادلته: "لقد كنت أسأل نفسي هذا السؤال، هل اذا ما
حصل حادثٌ في لبنان يجب أن يعنيني الأمر أم أن يمرّ مرور الكرام؟ كنت أفكر بهذا
السؤال حتى حسمت الإجابة، لدي فأنا مقتنع تماماً بأنّ لبنان بلدي أيضاً، لا يكفي
بأن أحمل ورقة لجوء فلسطينية كي لا يعنيني ماذا يحصل هنا، فلبنان جزء مني وأنا جزء
منه أعيش بين أهله، والذي يجعلني مختلفاً عن الآخرين هي ورقة، ينال المسؤولون في
بلادنا جنسيات العالم كله ولكن من المحرم علينا أن نأخذ حقنا في الجنسية
اللبنانية، نحن الطبقة المغضوب عليها ليس إلا..
الجامعة اللبناني
يدرس رمزي العلوم الحية في الجامعة اللبنانية، الإختصاص الأكثر صعوبةً
على حد قوله، فيلاحظ بأنّ القليل من الطلاب يكملون دراسة الإختصاص، يقول رمزي،
الفساد في الجامعة اللبنانية هو شيء بيّن للطلاب فإن لم تكن منتمياً لأحد الأحزاب
والقوى المهيمنة يهدر حقك ببساطة. ولدى السؤال عن التعامل العنصري الذي يتلقاه قال
رمزي: "في بداية الأمر يجهولون بأني فلسطيني لبناني، فالتعامل عادةً ما يكون
عاديًا مثل سائر الأصدقاء، ولكن القلة من العنصريين الذين يتوجهون للفلسطينيين
بالكلام وهنا تكون الصدمة حينما أخبرهم بأني فلسطيني، تتغير النظرة والبعض يشير لي
بالقول "طلعت منن!!" ينصدمون ويتساءلون عن حضوري لمجالس العزاء وأنا
فلسطيني، للأسف الأشياء السيئة التي تصدر من بعض الفلسطينيين تعلق في أذهانهم أما
البعض الآخر من الناس ما زال يحمل حقد المراحل القديمة للأسف".
القضية الفلسطينية
تحضر القضية الفلسطينية في ذهن رمزي ولا تغيب، فهو يرى أنّ ما تقوم به
المقاومة في لبنان لا يقوم به أحد: "في بعض الأحيان يدور نقاش بيني وبين
والدي حول المقاومة، والدي ما زال غير مقتنع بتأييد أي حركة مقاومة فكل ذلك لا
ينفع على الصعيد الفردي، إلا أني أخالفه الرأي، ففي الحقيقة لا يوجد أي حزب عربي
غير حزب الله في لبنان يؤيد القضية الفلسطينية قولاً وفعلاً، عدد كبير من الأحزاب
والتيارات التي تتحدث عن القضية الفسطينية لكن كل ذلك لا يتجلى في مشاريعها، خط
المقاومة يشكل قناعتي فأنا فلسطيني لبناني أو العكس، تأييدي لخط المقاومة هو
السبيل للعودة إلى فلسطين ولا خيار آخر لي".
ويتابع قائلًا: "فأنا من الجيل الذي لم يرَ ولم تطأ قدمه أرض فلسطين
ولكن حبي لها هو من خلال والدي الذي حدثني كثيراً عن الظلم الذي جرى آنذاك،
وقراءتي لبعض الكتب التي تحدثت عن النكبة و التهجير والمواجهات التي قام بها أبطال
المقاومة".
ولدى سؤاله عمّا إذا كانت القضية الفلسطينية حاضرة في قلوب الفلسطينيين
داخل المخيم قال رمزي: "القضية حاضرة ولا تغيب أبدًا، فما نراه من رسومات على
جدران المخيم أو من خلال رفع أعلام فلسطين ووضع الأناشيد عند أي انتصار تحققه
المقاومة في فلسطين، كل ذلك يعبر عن تواجد القضية في ذهن الفلسطينيين، صدّق لا أحد
يحب الإبتعاد عن وطنه، فالعودة هي أملنا الوحيد الذي يصبّرنا على مصاعب
الحياة".
يرى رمزي أنّ القضية الفلسطينية تغيب عن الساحة الشعبية اللبنانية، إلا
أنها حاضرة على مستوى قيادة المقاومة وبقوة، يعتبر رمزي أنّ "القضية
الفلسطينية ما زالت على قيد الحياة في الطبقة المثقفة وتغيب عن الشارع، ما يحتاجه
الناس هو التثقيف فالإمام الخميني أعلن الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوم القدس
العالمي وقصد بذلك تعميم هذا اليوم على جميع الناس"، ويتابع قائلًا:
"يجب أن تكون قضية فلسطين حاضرة أكثر بين الناس كما يجب على الفلسطينيين أن
لا يشكلوا حاضنة للتطرف أو للخارجين عن القانون، يزعجني حينما أسمع أنّ
"الفلسطينيين باعوا أرضهم"، هذه ليست الحقيقة، كل ما يجب فعله هو مراجعة
التاريخ وسنرى أنّ الإسرائيليين زوّروا المستندات وزرعوا العملاء كي يشتروا
المنازل ثم بيعها للإسرائيليين، أما الفلسطيون فقد رفضوا أن يبيعوا منازلهم
وأراضيهم لإسرائيليين".
تساؤلات حول المخيم
الحياة داخل مخيم برج البراجنة ليس كما يتخيله الناس، لا شك بوجود بعض
الخارجين عن القانون المختبئين في زواريب المخيم ولكن ليس كل من يقنط داخل المخيم
هو خارج عن القانون، يتحدث رمزي عن أحد أصدقائه قائلًا: "لدى تعطل دراجته
النارية خلال مروره في المخيم، بدأ بإصلاحها على مرأى مجموعة من الشباب، ولدى قدوم
أحدهم ظنّ بأنهم سيقومون بضربه وسرقة الدراجة، إلا أنّ الشباب سألوه اذا كان يريد
أية مساعدة! قال لي صديقي بأنه تفاجأ وأنه شيئًا فشيئًا بدأت تتغير صورة
"الفلسطينيين" في ذهنه، للأسف القليل من الأشخاص السيئين يخفون كل ما هو
جميل".
يعبر رمزي في حديثه عن شريحة من الفلسطينيين المقيمين في مخيمات لبنان،
فالتداخل الشعبي بين المخيم وجواره جعل الناس تتقبل بعضها البعض أكثر، رغم
الخلافات التي أشعلتها الأزمة السورية إلا أنّ قضية فلسطين والجغرافيا تبقى أقوى
من إشعال أي فتيل.
المصدر: سلاب نيوز