طمنّي عنك (2)
بقلم: إيمان بشير
بيروت | هذه رسائل كتبتها إلى صديق طفولتي الذي انتقل من جدة ــ السعودية للعيش في غزة سنة 1992، والذي لم أره أو أسمع عنه شيئاً منذ ذلك الحين.
الرسالة رقم ثلاثة - 2007: «إياك والانجرار خلف السياسة والساسة! ألا ترى كم قتيلاً سقط بين فتح وحماس؟ أعتذر عن عدم تسميتهم شهداء، أنا لا أعرف أصلاً إن كانوا فعلاً شهداء ولا أريد السباحة في هذه الدوّامة! كيف يمكنهم أن يشهروا السلاح على بعضهم ويتقاتلوا بدم بارد؟! أينسى هؤلاء أن هناك احتلالاً وعدواً أوحد عليهم أن يشهروا سلاحهم عليه معاً؟ حسناً، حسناً، أنا أعرف ماذا ستقول، نحن فعلنا الشيء ذاته في حربنا الأهلية! أنا لا أريد أن أبرر، ولكن وضعكم أنتم مختلف. أنتم في حالة حرب مستمرة مع إسرائيل. هناك احتلال، هناك حصار. أنتَ مع من منهم؟ أعتذر عن هذا السؤال، أنا أريد فقط أن أقول لك، لا تمت إلا في سبيل الدفاع عن أرضك وحقوقك، لا تمت من أجل أحد، لأن لا أحد سيذكر اسمك، التاريخ سيذكرهم هم فقط، أما أنت فستسقط بين سطور التاريخ. اترك السياسة واكتب لي ولو مرة في التاريخ، كيفك؟ طمني عنك!».
الرسالة رقم أربعة ـــ كانون الأول 2009: «لا أدري كيف يجتمع الناس على طاولات السهر، الناس عندكم يموتون ونحن نحيا بلا مبالاة. من منّا أكثر موتاً، نحن أم أنتم؟ اليوم رأيت للمرة الأولى في حياتي شهيداً يسقط أمام عدسات الكاميرا، الشهيد يرفع السبابة اليمنى، يتمتم بالشهادتين، ثم يموت. هكذا وببساطة أمام عدسات الكاميرا، تنتظره الملائكة حتى ينهي صلاته ثم يستريح. أسيخطر لنا أن نتلو صلاتنا قبل أن نموت، أم أننا سنموت مثل الكثيرين فجأة، ومن دون سابق إنذار؟ أنا خائفة، أنا خائفة عليك، سبعة عشر عاماً مرت من دون أن أعرف عنك شيئاً، يخطر لي أنك لم تمت قبل الحرب، ولكنك قد تموت فيها. أنا لست بخير. أنتَ منيح؟ عايش؟ طمنّي عنك».
الرسالة رقم خمسة ـــ أيّار 2011: «أنا كنت هناك، اليوم أرى أول شهيد يسقط أمامي مباشرة، هذه المرة ليس على شاشة التلفاز، بل مباشرة. اليوم، للمرة الأولى، أرى دبابة إسرائيلية بالعين المجردة، أرى الجنود الإسرائيليين أمامي، ولكن من على مسافة بعيدة. ألتقط لهم الصورة بعدسة الكاميرا الخاصة بي، ألتقط صور الشهداء، أغرق في البكاء، أفتش عن صديق راح يركض نحو الأسلاك الشائكة. اليوم كنت سأموت غدراً، سيعتذر الجيش والدولة من أهلي لأنهم لم يستطيعوا حمايتي، سيتناقل الناس أخباراً من نوع: «كان دمها حامي ونزلت على الموت» أو يقولون «حبّت تعمل استعراض فماتت». كنت سأموت من دون أن ينظر في عيني أحد، ويعتذر مني لأنني متّ من دون أن يستطيع أن يحميني.