طهران مظلة جامعة للفصائل الفلسطينية
علي هاشم
قبل سنوات كان يقال إن لإيران أولاداً في المنطقة العربية، "حزب
الله" اللبناني، وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. هؤلاء هم من قامت
على كاهلهم فكرة "محور المقاومة والممانعة" بالتعاون مع سوريا، التي
شكلت ظهيراً خلفياً لهذه الحركات، وممراً لأسلحتها، ومقراً لبعض قياداتها ومعسكرات
تدريبها.
كانت سوريا صلة الوصل، الحبل السري، شريان الدماء الذي لولاه لما صمد
جنوب لبنان أو غزة في وجه حروب إسرائيلية متعددة بأسلحة فتاكة غير تقليدية.
كان المشهد حتى عشية 15 آذار العام 2011 مثالياً بالنسبة إلى هذه الجبهة،
فالسلاح يتدفق من إيران، والتدريب يجري على قدم وساق، والتركيز كل التركيز على
المعركة المقبلة مع إسرائيل، البعض كان يصفها بالمعركة التي ستغير وجه المنطقة،
والبعض الآخر بمعركة المصير والعودة، وأياً كان اسم المعركة، ما كانت لتصبح هاجساً
ومحل تحضير لولا خط السلاح والأموال المفتوح من طهران إلى دمشق وبيروت وغزة، أنبوب
الحياة كان يطلق عليه البعض الذي يغذي ويسهم في الرواتب ويأمن مقومات الصمود.
بعد 15 آذار 2011، انشغلت سوريا بنفسها عن محورها، بل أصبح المحور بمعظمه
قلقاً على تفكك وسقوط نقطة الوصل والقطع فيه، النقطة المركزية التي كما أسلفنا
بوابة الماء والهواء.
في تلك المرحلة، نشط أعضاء المحور كل من جهته لمحاولة تطويق الأزمة، لكن
الأمور كانت قد خرجت عن السيطرة، والنوافذ فتحت على آخرها لكل من في الإقليم
وخارجه للتدخل.
في تلك المرحلة، بدأت إرهاصات خروج حماس من المحور، لا سيما مع مؤشرات
إيجابية لجهة تشكل محور جديد تقوده جماعة "الإخوان المسلمين"، يبدأ من
تونس ويمتد إلى آخر نقطة فيها لـ"الإخوان" شعبة أو خلية، وسوريا كانت
على اللائحة.
تحول التنافر بين حماس وباقي أعضاء المحور إلى نوع من العداء، وبدأت
وسائل الإعلام تضج بتسريبات وتصريحات حتى قيل لبرهة ان لا شيء تبقّى حتى شعرة
معاوية. لكن الأمور لم تكن كذلك.
بعد سقوط "الإخوان المسلمين" في مصر بدأت الأمور بالتغير، لم
تكن طهران قد أقفلت الباب، لكنها في الوقت ذاته بعثت رسائل واضحة أن القواعد
اختلفت، لا بالنسبة إلى الموقع من القضية الفلسطينية، بل بخصوص أسلوب العلاقة
وشكلها.
الجدير ذكره أن مكتب حماس في طهران لم يغلق، واستمر ممثلها بالعمل في
العاصمة الإيرانية، بل وإن الزيارات الحمساوية إلى طهران لم تنقطع، بالرغم من أنها
لم تعد كما كانت قبل سنوات.
القواعد اختلفت، أي أن العلاقات عامة ستأخذ منحى مختلفاً، وأن شبه حصرية
العلاقة وتركيز الدعم في مكان محدد لن يتكرر. المقاومة الفلسطينية اليوم بالنسبة
إلى إيران هي كل فصائل المقاومة الفلسطينية، بغض النظر عن علمانيتها أو إسلاميتها.
قبل أسبوعين تقريباً، وفجأة من دون سابق إنذار، يصل جبريل الرجوب إلى
طهران، القيادي الفتحاوي مسؤول الأمن الوقائي الفلسطيني السابق، الرجل القوي في
السلطة وأحد الذين يدافعون عن خيار الدولتين.
من طهران قال الرجوب صراحة في مقابلة مع كاتب هذه الأسطر على قناة
"الميادين"، إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وإن فتح تؤيد وضع
استراتيجية مقاومة يحتضنها الشعب والإقليم وتكون محصورة بالأراضي المحتلة بحسب
الشرعية الدولية.
بطبيعة الحال لم يأت الرجوب إلى طهران للتعرف على المدينة والسياحة فيها
وإن كانت أعجبته، هو جاء لإيصال رسالة واضحة أن منظمة التحرير من خلفها حركة فتح
مستعدة لتكون شريكاً حقيقياً لإيران في فلسطين، من دون أن يعني ذلك تخلي إيران عن
حلفائها بما في ذلك حركة حماس، بل إن ما سمع أيضاً في الكواليس، أن رسالة إيجابية
وصلت إلى فتح من حماس، من دون أن يعرف حقاً إن كانت وصلت عبر طهران.
لم تكد طائرة الرجوب تقلع، حتى حطت طائرة رمضان عبد الله شلح، الأمين العام
لحركة الجهاد الإسلامي على رأس وفد حركي رفيع.
شلح ليس جديداً على طهران، فهو من زوارها الدائمين، لكن رمزية الزيارة
والإعلان عنها مباشرة بعد زيارة الرجوب أعطيا انطباعاً بأن أمراً ما يطبخ وراء
الأكمة، وأن إيران اليوم تلعب دوراً مهماً في مساعدة الفلسطينيين على إعادة ترتيب
البيت الداخلي.
الترتيب هذه المرة ليس على قاعدة ما حدث في غزة قبل سنوات حين أطاحت حماس
فتح برضا إيراني ومباركة سورية، هذه المرة الترتيب يكون بوجود جميع أفراد البيت
معاً، رغم تناقضاتهم واختلافاتهم، بل رغم اختلافهم مع إيران في بعض النقاط، فالمهم
بالنسبة إلى طهران اليوم أن يعود الزخم بقوة، بل وبشكل أكبر من المرحلة الماضية
للقضية الفلسطينية التي غابت كلياً في أتون العواصف العربية.
ماذا عن نظرة طهران للتسوية وخيار المقاومة؟
تقول إيران إنها تعتقد أنه لا بد من وجود مظلة جامعة للفصائل الفلسطينية
ليكون بالإمكان السعي بقوة إلى استعادة الحقوق من خلال رؤية فلسطينية موحدة،
فالمفاوضات، تقول طهران، هي تضييع وقت ولا يمكن التعويل عليها، لا سيما في ظل ما
تصفه بالتعنت الإسرائيلي والانحياز الدولي وشح الدعم العربي.
هنا يتساءل الإيرانيون عن حل الدولتين، وعن منح فلسطين مقعد مراقب في
الأمم المتحدة، وإن كان هذا كله يؤمن الحقوق المسلوبة، مجدداً الجواب من طهران ان
إقامة دولة فلسطينية في أرض فلسطين التاريخية واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني هو
الحل الواقعي، أي ضرورة العودة إلى خيار المقاومة كخيار وحيد للتحرير وهي تقول
إنها مستعدة للقيام بما يجب عليها تجاه جميع الفصائل، فهي لم تقصر سابقاً، ولا
تنوي ذلك لاحقاً، ويمكن للفلسطينيين الرهان عليها.
المصدر: السفير