عــــذابــــات
البحـــــر

محمد
أحمد زغموت
"لحظات
السكون تقطعها اوامر القبطان العائلة الفلانية لم ترمي احدا من أطفالها دقائق
معدودة إن لم ترمي طفلها بنفسها سارميه انا "
قد يقصف
منزلك ويدمر وقد تعاني من وطأة الحصار المفروض على مخيمك ومنطقتك في سوريا
وأحياناً قد ترى طفلك أمامك يحتاج إلى الأوكسجين مع انعدامه لتراه يحتضر تارة
ويدخل في سبات تارة أخرى ... قصص واقعية من داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في
سوريا لا تقل فظاعة عن قصة حقيقية حصلت مع الصديق أبو اليمان والذي خرج من سوريا
هرباً بطفلته التي لا تتجاوز العامين وبطلفه الصغير ابن الأربعة أعوام.
أبو
اليمان أقدم على بيع ذهب زوجته واستدان من الأموال ما يكفيه للخروج من تحت القصف
والحصار وللنجاة بطفليه وخاصة بعد تردي صحته صغيره والذي يعاني من الربو.
إلا أنه
كان قد اتخذ قراراً بعدم العودة بطفليه وزوجته إلى سوريا فبدأ بتقديم الأموال
للضابط الفلاني والضابط الآخر في سبيل السماح له بالدخول الى مصر ودخل.
ليبدأ
بعدها بالبحث عن مكان يقيم به عدة ليال كما أخبره المهرب بأنه سيبيت في الاسكندرية
لثلاث ليال متتالية وبعدها سيبحر باتجاه أوروبا في قارب وصفة المهرب بأنه خمس
نجوم"
ساعة
الموعد كانت بداية فاجعة أو ربما كارثة ستحيق بجميع المهاجرين عبر ذاك القارب إلى
أوروبا
اذ اتفق
المهاجرون مع المهربين على خروجهم والبالع عددهم 12 شخصاً مع أطفالهم في قارب جديد
نوعاً ما.
صعد
الجمع الى القارب لكن عددهم بلغ الخمسة وسبعون
وبقارب
لا يصلح لرحلات الصيد القريبة
أبحر
المهاجرون لساعة في الماء قبل ان يطلب المهرب منهم ربع المبلغ وحصل عليه وبعد
ابحار لساعات وعند وصولهم للمياه الاقليمية ووجدوا الباخرة اختلف المهربان ,,,
أصحاب القارب والباخرة فاخذ المهرب قرارا بالعودة الى شاطئ الاسكندرية
وبطريق
العودة ومع اشتداد الموج ودخول الماء الى جوف القارب بدأ المهاجرون باستحضار محطات
حياتهم في مشهد للوداع المترافق مع نطق الشهادة مع كل ميلان للقارب ويعود
المهاجرون لتكرار المشهد بين كل موجة وريح عاتية لم تنفع محاولات تجار البحر
بالسيطرة على القارب
فبدا
التجار بامر الركاب في لهجة المتعالي والآمر والناهي لهم برمي الامتعة حتى لايغرق
المركب ، شاهرين سلاحهم لترويع النساء والاطفال حتى ان المهربين هم من بدؤوا برمي
امتعة الركاب بعد ان استصعب الجمع رمي امتعتهم
ابو
اليمان رمى الحقائب جميعها واحدة تلو الاخرى بعد الحاح المهرب عليهم برمي جميع
الامتعة ، ولازال المركب يميل يمنة ويسرى ومع كل ميلان ترى المياه قد غمرت قاعه
واتت على الركاب
رحلة
لطالما تمنى الركاب ان تنتهي قبل دخولهم في المرحلة الاصعب والتي تكمن بخروج
القبطان ومن معه من المهربين حاملين الاسلحة البيضاء والمسدسات في مشهد بلطجي او تشبيحي
أعاد الى الاذهان ما حصل معهم في سوريا وفي مصر ايضا.
جملة
واحدة صدرت عن القبطان و اخرجت النساء والرجال عن صوابهم " كل عائلة ترمي
باحد اطفالها في البحر "
كيف
السبيل الى ذلك ؟؟ ومن سيفعلها وهؤلاء فلذة اكبادنا ومن خرجنا لاجل حمايتهم ؟؟؟
كيف ذلك وهم اطفالنا وارواحنا وبجواب الواثق لا لن نفعلها
القارب
لازال يميل مع الموج وتتدفق المياه لداخله والقبطان يعلن جنونه لعدم استجابه
الأهالي له وينتقل من عائلة لاخرى حتى يرمي باكثر من خمسة اطفال في البحر
نساء
تبكي بلوعة على اطفالها ومصيرهم وما حل بهم ، ورجال تبكي ضعفاً منعهم من حماية
أطفالهم ليصل الدور الى ابو اليمان الذي وجد القبطان لديه جهاز الربو للخاص بطفله
فرماه في البحر ليصبح الطفل عرضة للموت المحتم عند اصابته بازمة ضيق التنفس بسبب
الربو وابو اليمان وزوجته يجهشون بالبكاء خوفاً على ابنه عند تعرضه بازمة الربو
لم تنتهي
للماساه هنا ليعيد القبطان اصدار اوامرة برمي الاطفال واحد تلو الاخر والنساء تبكي
ودموع الرجال الذين لم تعتاد النساء على مشاهدتها كانت رخيصة وغزيرة في ذاك القارب
لحظات
السكون تقطعها اوامر القبطان العائلة الفلانية لم ترمي احدا من أطفالها دقائق معدودة
إن لم ترمي طفلها بنفسها سارميه انا
ليصل الى
ابو اليمان مره اخرى
ارم
بطفلك
لا ارجوك
لا
ارم
بطفلك قبل ان اقذفه انا
لا أرجوك
لا انه صغيري وفلذة كبدي وليس لي غيره طفلي وحبيبي وصغيري
أرجوك خذ
كل أموالي واتركه لي
لا اريد
أموال القارب سيغرق
حسناً
أرجوك أعطني خمسة عشر دقيقة لاودع عائلتي وارمي انا بنفسي لكن لا ترمي طفلي
يذهب
القبطان مانحاً تلك العائلة ما ارادته من الوقت لينتقل الى عوائل اخرى ويقذف
بالاطفال وما تبقى من الامتعة في مساواه بين الارواح والحقائب واستسهال قتل
الارواح باعتبارهم لاجئون ومعترون ولا ظهر لهم ولن تتم ملاحقتنا قانونيا بعد ذلك
فهؤلاء سوريون وفلسطينيون خذلهم العالم سابقا فلن يعود لنصرتهم الان
رجل
دمشقي مهاجر بزوجته أيضا جاء الى ابو اليمان وطلب منه العدول عن قراره برمي نفسه
بالماء
فالمهربين
لا يؤتمن جانبهم وخاصة مع النساء والاطفال
بدات اليابسة
بالظهور اكثر فاكثر وتراءت مآذن الجوامع للاهالي وعلت أصوات المهربين باتجاه ابو
اليمان بان يرمي طفله او نفسه بالماء لياخذ صديقنا قرارا سريعا بان يرمي نفسه
وعائله الماء فاما يعيشون جميعهم او يموتون سويه
يضع ابو
اليمان طفله على كتفيه ويحمل ابنته ويرمي نفسه وزوجه ليبدا بالسباحة حتى الشط كيف
لا وقد اخذ قرارا اول مرة بحماية اهله ومرة اخرى بان يكون الى جانبهم في حياتهم
ومماتهم.
الشرطه
المصرية لازالت تقوم بجولات ليلية على الشاطئ لاعتقال السوريين وطبعا من في حكمهم
تختبئ
العائلة في احدى الحارات المواجهة للشط حتى ظهور الشمس ساعات استرجع من خلالها
الابوين ماحصل معهم دون ان يصدقوا انهم جميعا بخير ولم يمس الاطفال سوءمشهد
المعانلة لم ينتهي فابو اليمان انتظر المهرب حتى رسا على الشط ووتتبعه ليتشاجر معه
ويحصل على كامل نقوده وياخذ قرارا اخر بعدم العودة لسوريا واعتبار مصر اخر محطة
عربية في حياتهم التي امتلات بالمعاناة في الدول العربية
مهرب اخر
بعد ايام لكنه بالفعل خمس نجوم مركب صغير وجديد وركاب لا يتجاوزون العشرين وشرطه
بان يجلس النسوة ويتم تغطيتهم بالشوادر ليتم اقناع
خفر
السواحل ان اعترضوهم بان الحمولة بضائع وينطلق المركب ليخفت صوت للنسوة وفي
التفاصيل ان المهرب الاخر سلب الاموال من بعض النسوة
الطريق
الجديد أيضا محفوف بالمخاطر.
فجلوس
العائلات تحت الشادر لساعات طويلة أدت الى ظهور حالات اختناق لدى الأطفال بالدرجة
الأولى لم يغب عنها يمان ابن أبي اليمان والذي هو أصلا يعاني من الربو وفي السفرة
الأولى أضطر والده لرمي جهاز الرذاذ الذي يستخدمه لولده ليحصل ما لم يتمناه .
رجال
القارب من المهاجرين تناوبوا على القيام بالتنفس الاصطناعي ليمان بعد تغير لون
وجهه للأزرق.معاناة ربما وجد المهاجرون انها ستنتهي عند وصولهم للمياة الاقليمية
ووجود الباخرة تنتظهرهم لكنها قديمة ولا تصلح لابحار خمسة أيام أو ستة صعد الجمع
عليها لتسير بهم ربع المسافة خلال يومين وفي عرض البحر بدأت العناية الإلهية تحيط
بالركب فظهرت باخرة تحمل العلم التركي كانت أيضا متجهة الى لامبيدوزا الايطالية .
بدأ الجمع بالصراخ ومناداة الباخرة ورفع العلامات الدالة على وجودهم حتى اقتربت
شيئاً فشيئأ باتجاههم.
الباخرة
التركية وعندما وجدتهم بحالتهم هذه سمحت لهم بالانتقال لها ووافقت على ايصالهم
للجزيرة الايطالية.
تلك
الباخرة أحسنت استقبال المهاجرين فأكرمتهم ودفأتهم حتى أن كادرها لعّب الأطفال.
وصل
الجمع لايطاليا واخيراً وبانتظارهم الوزيرة الايطالية التي قدمت الورود لهم
واأحسنت أيضا معاملتهم لليوم الأول الا ان اليوم الثاني كشف الطليان عن مخالبهم
بإجبار المهاجرين على التبصيم لديها وندما رفضوا تم حبسهم في ملعب قريب .
خمسة
أيام من الاضراب عن الطعام لم تشف للمهاجرين لأن تتركهم السلطات الايطالية وشأنهم
بل أنها دخلت على سجنهم وبدأت بضرب النساء والرجال.
فكرة
أراد من خلالها الرجال انهاء مأساتهم تذكرها احد المعتقلين بأن نبدأ كالمجموعة
التي سبقتنا بخلع الباب الخلفي والنساء تغطي علينا بالصراخ على السجانيين ونحن
نتناوب كل رجل ساعتين لنستطيع خلع القفل والخروج وهو ما حصل .
خرجت
عائلة أبو اليمان الى محطة القطارات عدة ساعات بعد التعب النفسي والجسدي لينتقل
الى ميلانو حيث المهرب الأكبر عمار . أ
عمار طلب
مبلغا خياليا لينقلهم الى حدود ايطاليا مع المانيا فوافق الرجل الا انه بدأ يطلب
طلبات كانت بالنسبة لأبو اليمان مسلمات لا يحتمل التفكير بها .
فخلع
حجاب زوجته كان خطاً أحمراً واجبار طفله على دم التكلم بالعربية أيضاً وجدها شرطا
لا يستطيع تقديمه فاختلف مع المهرب ومضى بطريقه وأشار لسيارة أجرة دون ان يعرف
التكلم بالايطالي إلا ان سائقة السيارة السيارة استطاعت معرفة مراد العائلة.
وقدمت له
هدية بطاقة للمواصلات لتوصله الى نفس المكان الذي أراد ان يصله عن طريق ذاك المهرب
وعلى البطاقة سعر 80 يورو عشر المبلغ الذي طلبه المهرب.وصلت العائلة لتلك المدينة
وهناك
أجرى الرجل اتصالا مع اقربائه ليتم ارسال شخص إلى حيث كان وصل محمد . ح إلى ذاك
المكان وقد سخره الله لمساعدة هذه العائلة فأكرمها وتبادل مع الرجل الكلام بغية
تخفيف ألمه النفسي الذي استمر أكثر من عشرة أيام ليؤمن ذاك الشخص العائلة الى منزل
أقاربهم في المانيا.
هي إذا
رحلة النزوج واللجوء التي فرضت نفسها على الشعب الفلسطيني في سوريا.
رحلة
عانى اللاجئون بها من جور القريب ونصرة الغريب فرحلة الألم وان كانت انتهت لدى تلك
العائلة مع وصولها لألمانيا واستعدادها للانتقال للسويد إلا أن رحلة عشرات الآلاف
ان لم تكن مئات الآلاف من أبناء اللجوء الفلسطيني في سوريا لازالت مستمرة.