عاطف أسعد شهيد العدوان على ذوي الإعاقة
بقلم: آمال خليل
بعد غد، يحتفل ذوو الإعاقة في العالم بعيدهم. ليوم واحد، يحظى هؤلاء بالاهتمام، فيما يعانون من التهميش طوال العام. حتى إنّ شعارات اليوم العالمي المقبل لتحسين ظروفهم تتبخّر قبل حلول اليوم التالي:
منذ انتهاء العام الدراسي الماضي في مركز نبيل بدران للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في مخيم البص، دخل عاطف أسعد في سباق مع نفسه والظروف المحيطة لكي لا يكون العام الأخير، وذلك لمواجهة الأزمة المالية التي عصفت به في السنوات الأخيرة، بسبب قرار الجهات المموّلة سحب أشكال دعمها. الأمر أوقع فريق عمل المركز في ضائقة اقتصادية شلّت عمله. وبهمّة أسعد، فتح المركز أبوابه عام 1995 أمام الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين في منطقة صور، ليوفر لهم دعماً تربوياً واجتماعياً واقتصادياً في مواجهة «حرب الإلغاء» التي يشنها المجتمع ضدهم، فكان ثمرة نضاله من أجل قضايا الإعاقة وحقوق المعوّقين منذ عام 1978. يومها، ترك عمله عامل هاتف في جمعية الهلال الفلسطيني وقرر إطلاق حملة مناصرة ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا سيما في المخيمات الفلسطينية. فقد كان ما عاناه خلال سنوات عمره العشرين حينها كافياً بالنسبة إليه ليشعر بالظروف الصعبة التي تفرض على هذه الفئة.
ولد أسعد كفيفاً، فعاش في عزلة لا بسبب الظلمة التي كانت تحاصره فحسب، بل بسبب المعاملة الاستثنائية التي تلقاها من محيطه. متأخراً عن أترابه، التحق بالمدرسة في سن الحادية عشرة. نبذه من الوظائف والأنشطة على اختلافها، دفعه إلى المساهمة في إعادة تأسيس جمعية الكفيف الفلسطيني ومركز نبيل بدران الحرفي ومؤسسة الشهيد أبو جهاد الوزير لتأهيل المعوّقين وهيئة الإعاقة الفلسطينية، وصولاً إلى تأسيس مركز بدران للإعاقات السمعية والبصرية وصعوبة النطق. لكن ظنّ أسعد بأن نضاله من أجل قضايا الإعاقة، التي أفنى عمره لأجلها، قد أثمر من خلال تغيير النظرة والتعاطي مع هذه الفئة، لم يكن في محله. النكسة الأولى، كانت الضربة التي نسفت نشاط المركز بعد سحب الدعم عنه، ما أدى إلى تشرد أطفاله وعودتهم مجدداً إلى العزلة، بما أنّ المركز هو الوحيد من نوعه في المنطقة وبكلفة رمزية. النكسة تسبّبت للأب الحزين، الذي ليس بيده حيلة، بأزمة قلبية حادة.
في أحد مستشفيات صور الذي نقل إليه قبل شهر في حالة طارئة، لم يتلقّ أسعد الرعاية اللازمة. وتؤكد مساعدته نعمت عوض أن «بعض الممرضات كن يتجنبن الاهتمام به وإعطاءه العلاج بسبب إعاقته»، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية واستدعى نقله إلى مستشفى آخر في صيدا. هناك، لم يكن الاهتمام أفضل، بل إن أقرباءه اضطروا إلى إخراجه منه ونقله إلى منزله بعدما رفضت وكالة الأونروا تغطية نفقات علاجه، إذ إن ذوي الإعاقة يعاملون استشفائياً كأي شخص آخر. في المنزل، تدهورت حالة أسعد إلى درجة خطيرة، حتى فارق الحياة قبل أسبوعين.
«حتى الموت لم يرح الأستاذ عاطف من الذلّ الذي يفرض على المعوّقين»، تقول عوض بحسرة، في إشارة إلى الدَّين الذي لا يزال في ذمته لمصلحة المستشفى في صيدا، وخصوصاً أنّه لم يكن يملك تأميناً صحياً بسبب إعاقته. أحد عشر مليون ليرة هي قيمة الفاتورة الاستشفائية المتبقية من حسابه، بعدما دفعت الأونروا نسبة 40 في المئة من مجمل الكلفة. حالياً، لا يملك المركز إمكانية دفعها، بينما «رفضت الجمعيات الشريكة والزميلة التي ناصرها وناضل في صفوفها أن تدفعها»، كما تقول.
مات أسعد وتشرد أطفاله من بعده. وفيما كان يضع الخطط لإحياء مناسبة اليوم العالمي لذوي الإعاقة، تحوّل هو نفسه إلى برنامج الاحتفال. إذ يستعدّ فريق عمل مركز نبيل بدران وعائلات طلابه وأصدقاؤه وزملاؤه لتنظيم حفل تأبين للراحل «شهيد العدوان على ذوي الإعاقة».
المصدر: جريدة الأخبار