القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

عجوز فلسطين .. ثبات حتى الممات أو النصر المبين

عجوز فلسطين .. ثبات حتى الممات أو النصر المبين

بقلم: الشيخ علي اليوسف *

قابلت رجلا كبيرا في السن من مواليد فلسطين الحبيبة، يبدو في تقاسيم وجهه الهم، فشعر حاجبيه ابيضا، وسقطا على عينيه، وتجاعيد وجهه تحكي قصة المأساة التي تعرض لها شعب فلسطين من أثر اللجوء والبعد عن الوطن، والدمعة المتبقية في عينيه تحدث عن الأحبة الذين قضوا نحبهم على أرض الآباء والأجداد "فلسطين"، انحنى ظهره من طول الغربة ولكن عزته وكرامته لا تعرف الإنحناء ولا الخضوع إلا لرب العالمين، وهن عظمه ولكن إرادته بقيت صخرية كجبل المكبر في القدس الأشم، ضعف صوته ولكنه بقي أقوى من أصوات المطبلين والمزمرين من عباد الهوى والمال.

عجوز، ولكنه مشبع بالشباب، كهل، ولكنه أمضى عزيمة من كثير من أدعياء القوة والعظمة.

عجوز وكهل، ولكنه رجل بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني العزة والكرامة.

مؤمن بحقه، لا يساوم ولا يهادن ولا يقبل أنصاف الحلول ولا أرباعها، ينظر الى قريته في شمال فلسطين كحق لا يقبل المساومة، مستعد للموت مقابل أن يبقى الوطن حرا عزيزا مصانا.

عجوز تجاوز الثمانين، ولكنه يختزن في عقله وقلبه أحلام الأطفال بالعودة الى الأرض التي تعيش في قلوبنا جميعا.

كهل طلق الدنيا، لا تغريه أموالها ولا زينتها ولا كل ما فيها من نعيم زائل، لله دره فهو صلب صعب المراس، يناطح شم الجبال الرواس، عنيف يهب كالصاعقة أو الإعصار إذا أهينت فلسطين، أو فرط أحد بترابها الطاهر المبارك.

يحدثك عن البيارة والزيتونة والطاحونة وكرم العنب، فتشعر وكأنك تتجول في بساتين فلسطين، يروي لك حكاية الشيخ عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني وجمجوم وحجازي والزير كصفحة من صفحات العزة والكرامة والثبات، فالدم يرخص دفاعا عن أرض الوطن، والمال يهون في سبيل إحقاق الحق.

عجوز فلسطين يمثل ضمير الشعب الفلسطيني وثقافته وروحه وكيانه، ويحمل راية فلسطين لتبقى خفاقة فوق أرض الوطن الحبيب فلسطين، كل فلسطين.

توجه إلي العجوز الوقور بعد طول تأمل متمنيا علي أن أحمل راية فلسطين، فهو خائف من أن يخطف الراية أشباه الرجال، لتباع في سوق النخاسة.

بكل الغرابة، يحدثني الكهل الطاهر، أحقا هناك من يفرط بفلسطين ؟! أصدقا هناك من لا يريد العودة الى بيارته وكرمه وأرضه؟!

هل من المعقول بأن أرضنا ما عادت لنا وهل صارت للمحتلين ؟!

وأسئلة إنكارية كثيرة رددها العجوز، فهو ككل فلسطيني لا يصدق بأن الأرض تباع، أو يساوم عليها !

أطرقت رأسي أمام عجوز فلسطين خجلا مما يصنع أنصاف الرجال، وأعطيته عهدا بأن تبقى راية فلسطين مرفوعة، من البحر الى النهر، ومن رفح حتى الناقورة.

انصرف العجوز من مكانه، وقلت في نفسي مهما حاول الباطل وأهله فسادا في الأرض فإن الحق منتصر، وسنة الله ماضية، ونحن نعيش فصولها الأخيرة المؤدية إلى النصر والتمكين بإذن الله تعالى.

والحق يقال، عجوز فلسطين ومعه كل الأحرار، ثبات حتى الممات أو النصر، والمساومون على الحقوق والمقدسات، البائعون أرضهم بأرخص الأثمان، المفرطون بالقدس وحق العودة من أقزام أوسلو لهم الخزي والعار.

* عضو في رابطة علماء فلسطين