عدوى النأي بالنفس تصيب المخيمات الفلسطــينية
بقلم: قاسم س. قاسم
تسارعت الأحداث في مخيم نهر البارد فتوترت الأجواء في باقي المخيمات. سقط قتيلان في غضون خمسة ايام في المخيم الشمالي، فانتفض أبناء عين الحلوة غضباً. أحرقوا مركزاً للجيش وسقط لهم قتيل جراء اطلاق نار عليهم من مجهولين. كل ذلك والقيادات الفلسطينية تحاول النأي بالمخيمات عما يجري في لبنان..
مرت خمس سنوات على تدمير مخيم نهر البارد. في الاعوام الماضية لم يسأل احد عن احوال المخيم وأهله، لم يعرفوا انه في العام الماضي أعيد بناء 20% فقط من المخيم. وما لا يعرفه البعض ان جبّانة المخيم القديمة كانت ممنوعة على المدنيين لأنها صنّفت منطقة عسكرية، فباتت زيارة الموتى محصورة بالأعياد وفي اوقات يحددها الجيش. ما لا يعرفه البعض، أيضاً، ان الجيش شارك في وضع المخطط التوجيهي لإعادة اعمار المخيم، وان الضابط المشارك في اللجنة «حارب» كي تكون طرقات المخيم عريضة كفاية لاستيعاب مرور الآليات العسكرية. ومما هو غير معروف للبعض ان الجيش طلب ان تكون انابيب الصرف الصحي ضيقة كي لا تستعمل كأنفاق وخنادق. ما هو معروف عن البارد أنه «آوى إرهابيين» وحسب. «الإرهابيون المفترضون» يخرجون من السجن، واحداً تلو آخر، بكفالات بسيطة. بالنسبة لأبناء المخيم يمكن وضع كل ذلك في كفة وسياسة التصاريح العسكرية في كفة اخرى. فابن المخيم ممنوع من دخوله، إن لم يكن يملك تصريحاً، أو إذا نسيه في مكان عمله. باتت تلك الورقة الصادرة عن الجيش بالنسبة لأبناء البارد أهم من هويتهم.
كل ما ذكر كان سبباً لتفجير البارد، في اليومين الماضيين. ابناء المخيم استغلوا الدم الذي سقط ليرفعوا صوتهم للمطالبة بحقهم في إنهاء عسكرة المخيم وتحويله الى «غيتو»، لتلحقهم في ما بعد الفصائل وتؤكد أحقية مطالبهم. المخيمات الفلسطينية تضامنت امس مع ابناء البارد وعين الحلوة معلنة الحداد على من سقطوا. اذ ان جريح عين الحلوة خالد يوسف توفي مساء أول من امس جراء اصابته برصاصة دخلت من رأسه وخرجت من رقبته. أما مطلق النار فهو مجهول الهوية. من جهته، اكد الجيش انه لم يطلق النار، والشبهات تدور حول طرف ثالت غير معروف. في عين الحلوة، استنفرت القوى الاسلامية والكفاح المسلح عناصرها. وشكلوا جميعاً حاجزاً بين الجيش والمشيعين. لكن، برغم ذلك، رمى المشيعون الحجارة على حاجز الجيش في منطقة التعمير وفي منطقة درب السيم على اطراف المخيم.
هكذا، ومهما حاولت المخيمات اتباع سياسة «النأي بالنفس» عما يجري من أحداث في محيطها، إلا أن بعض سكانها كانوا يجدون انفسهم طرفا فيها. ففي عز الانقسام السياسي اللبناني حاولت كل اطراف الصراع ضم الفلسطينيين إلى صفها. قام بعضها بذلك إيماناً منها بمقولة ان «الفلسطينيين هم جيش السنّة في لبنان» لذلك يجب ان يكونوا الى جانب تيار المستقبل. بينما حاول الطرف الآخر، كحزب الله مثلاً، تحييد اللاجئين عن الصراع من باب «اننا أبناء قضية واحدة». وبالرغم من قرار الفصائل الفلسطينية عدم التدخل في الشأن اللبناني، إلا ان بعض الأحداث أجبرتها على ذلك كما جرى في نهر البارد. هذا التخوف قابله تأكيد مسؤولي الفصائل على ضرورة «عدم زجنا كفلسطينيين في أي صراع داخلي لبناني»، كما يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال لـ«الأخبار». وهو يؤكد «اننا كفصائل يجب علينا تحييد المخيمات عما يجري وهذا ميلنا العام في لبنان وسوريا». لكنه لا يخفي تخوفه من ان تقوم جهة ما بـ«تنفيس الاحتقان الموجود في لبنان بالفئة الاضعف فيه وهي المخيمات».
ويقول مسؤول «الجهاد الاسلامي» في لبنان ابو عماد الرفاعي لـ«الأخبار» إنه «على المستوى الفلسطيني هناك اجماع لم يكن موجوداً من قبل إلا في مرحلة 7 أيار 2008 ، يقضي بضرورة التشدد بالنأي بالنفس عما يجري حولنا». يؤكد أن «التجاذبات لن تكون في مصلحة الشعب الفلسطيني». ويشرح الرفاعي انه في الفترة الحالية الكل معني «بالتهدئة وعدم السماح بتوريط المخيمات في أي إشكال داخلي»، كاشفاً عن وجود «معطيات لمحاولة خلق نهر بارد جديد».
حالياً تسعى الفصائل الى تشكيل لجنة متابعة لتتواصل في ما بينها كما جرى خلال احداث 7 ايار، لمنع توريط الفلسطينيين في اي اقتتال داخلي لبناني خصوصاً ان «الصيف اللبناني على ما يبدو حار جداً»، يقول مسؤول اسلامي بارز في عين الحلوة. ويؤكد الرجل انه خلال لقائه القوى الاسلامية في المخيم قال له هؤلاء انهم لن يكونوا طرفاً في الصراع الداخلي اللبناني او حتى بالذي يجري في سوريا. ففي البارد وعندما حاول حزب التحرير رفع علم المعارضة السورية خلال تشييع فؤاد لوباني، أنزله المنظمون، «فنحن لا نريد ان نكون طرفاً في ما يجري في سوريا»، يقول احد المشاركين في التشييع. وكانت الجنازة قد سارت في ازقة المخيم حيث دفن لوباني في جبانة خالد بن الوليد. كما قام ابناء المخيم بفتح طرقاته وابقاء خيمة اعتصام على طرف الطريق حتى تنفيذ مطالبهم.
ما جرى أخيراً في نهر البارد وعين الحلوة كان له أثر كبير على ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات. فبعض مسؤولي فصائل تحالف القوى الفلسطينية يرون ان الأحداث الأخيرة تثبت أن «السلاح الفلسطيني يحمينا، وسنمنع طرحه في المرحلة المقبلة او النقاش فيه». يبدي بعض المسؤولين امتعاضهم من طريقة تعامل الجيش مع ما يجري، لافتين إلى أنه خلال اجتماع مع مدير الاستخبارات العميد إدمون فاضل في اليرزة، اكد الاخير أن «الجيش يستنزف وان العناصر متوترون وان مهمة الجيش ليست في الداخل». ويعلق بعض مسؤولي التحالف على ذلك بالقول: «هل يجب ان يسقط لنا قتلى يومياً لأن الجيش متوتر؟». ويؤكد هؤلاء أنه في هذه المرحلة لن «يتم التواصل مع الجيش لأننا نركض وراءهم وهم غير مهتمين ولا يعرفون ان الامور بدأت بالخروج عن سيطرتنا».
المصدر: الأخبار