عشية الذكرى الـ 66 للنكبة..حامل
الوثيقة إنسان

بقلم: ماهر شاويش
قبل النكبة، ومنذ عام 1924 وحتى عام
1948، حمل الفلسطينيون في وطنهم جوازات سفر فلسطينية صادرة عن حكومة الانتداب
البريطاني.
بعد النكبة تغيرت الأوضاع. فالشعب
الفلسطيني جرى تشتيته، واحتل الصهاينة معظم فلسطين، وتقاسم المصريون والأردنيون ما
بقي من فلسطين، وحمل الفلسطينيون جوازات سفر ووثائق مختلفة. فأبناء الضفة الغربية
والفلسطينيون في الأردن حملوا كرهاً أو طوعاً الجواز الأردني، وأضحوا مواطنين
أردنيين، والفلسطينيون في قطاع غزة ومصر حملوا وثائق مصرية للاجئين، والفلسطينيون
داخل الكيان الصهيوني حملوا الجوازات الصهيونية، وفي سوريا ولبنان والعراق حمل
الفلسطينيون وثائق سفر للاجئين. وبعد كارثة أوسلو، أضحى سكان الضفة الغربية وقطاع
غزة يحملون جوازاً فلسطينياً.
أضحى لكل فلسطيني أسلوب وطريقة حياة
وظروف حسب ما حمل من وثيقة أو جواز سفر، وسنعرض لكل وثيقة أو جواز سفر، وكيف تيسّر
أو تنغّص حياة الفلسطيني. وسنبدأ بالوثيقة المصرية.
الوثيقة المصرية
كانت مصر قد وضعت قطاع غزة تحت
إدارتها بالفترة ما بين عام 1948م وعام 1967م، لكنها لم تضمّه رسمياً إليها، ولذلك
لم يمنح الفلسطينيون في "قطاع غزة" الجنسية المصرية كما فعل الأردن،بل
منحواوثائق سفر مصريةلا تعطيهم حق الإقامة في مصر، ومن أراد دخول مصر من حملة الوثائق
المصرية يجب عليه الحصول على تأشيرة أولاً.
صعوبات السفر
كثير من دول العالم لا تعترف
بالوثيقة المصرية، فتسبب حرجاً وضيقاً لصاحبها عند السفر. وكثيراً ما ترفض إدخاله،
وهذا الحال يختلف من فترة إلى فترة، وحسب الوضع السياسي، ومع ذلك فبعض من يحملها
يقيم في دول الخليج.
وثيقة السفر الممنوحة للفلسطينيين من
قبل مصر لا تخوّل صاحبها العودة إلى مصر دون تأشيرة. يقول عثمان، وهو من مواليد
الكويت، لكن أصله فلسطيني ويحملوثيقة سفر مصرية: "وثيقة السفر ليست جواز سفر
ولا هوية، بل مجرد وثيقة، وأحياناًقد ينام حاملها في المطار أو على الحدود،وهذا ما
حدث معي شخصياً. والغريب أنّ هذه المواقف تصدر عن الدول المصدّرة للوثيقة.
يوجد في مطار قبرص - على سبيل المثال
لا الحصر -شباك خاص لحملة الوثائق من الفلسطينيين،ولهم معاملة خاصة جداً من حيث
التدقيق والتأكد من حاملها. في دبي يسمح لكل حملة الجوازات من كل أنحاء العالم
بدخول البلادما عدا حملة الوثائق الفلسطينية، وخاصة حملة الوثائق المصرية.
وفيالصينكان عندي حجز في الفندق، إلا أننيلم أدخللحملي وثيقة مصرية. وفي البحرين
بقيت في المطاراثناء مروري- ترانزيت - ولم يسمح لي بالخروج من المطار أو الوصول
إلى الفندق. وفيالأردنإذا كانت الأم أردنية وزوجها حاملاً وثيقة، فإنهلا يحق
لأبنائها الإقامة ولا الدراسة في المدارس الحكومية ولا الخاصة".
ويستطرد قائلاً: "غالباً ما
تكمن معاناتنا في دراسة الأبناء. فقدرفضت السفارة المصرية في الكويت منح ابني
تأشيرة لدخول مصر للدراسة،إلا بالحصول على قبول جامعي، ولكننا نحتاج إلى السفر
للحصول على قبول من إحدى الجامعات، وبالتالي لم يكن أمامنا إلا الذهاب إلى الأردن.
لقد شاهدنا عشرات المواقف الصعبة التي يعيشها حملة الوثيقة المصرية، حتى إن بعضهم
خسر دراسته وتعليمه". ويقول: "هناكعزوف كبير عن تزويج البنات للشباب من
حملة الوثائقبسبب المعاناة والمعوقات والمشاكل التي تواجه حياتهما في ما
بعد".
الوثيقة اللبنانية
قبل النكبة عام 1948، كانت العلاقة
بين لبنان وفلسطين قوية للغاية في التواصل والتبادل التجاري بين عكا وحيفا في شمال
فلسطين وصيدا وصور في جنوب لبنان (كانت كل هذه المدن في ولاية واحدة أيام الدولة
العثمانية). وتمثلت أيضاً هذه العلاقة القوية في حالة التزاوج والمصاهرة بين سكان
شمال فلسطين وجنوب لبنان، وكانت هناك جالية لبنانية كبيرة في فلسطين، حيث كان
ميناء حيفا، وكانت شركة النفط فيه تشكل نقاط جذب للعمالة اللبنانية. وشكل
الفلسطينيون 40% من حجم السياحة الواردة إلى لبنان قبل عام 1948، وأوجدت الثورة
الفلسطينية الكبرى عام 1936 تجمعات فلسطينية من الوجهاء والتجار، وكان يرأسها تجار
من آل بدر عاصي، وأحمد الكعكي من عكا، وآل سفيان من حيفا وغيرهم، هذا فضلاً عن
وجود الأسواق التجارية الحدودية التي كانت تجمع بين مواطني لبنان وفلسطين وسوريا.
بعد النكبة عام 1948 وسقوط فلسطين في
أيدي الصهاينة، تدفق نحو 110 آلاف فلسطيني إلى لبنان، ومن هذه السنة فصاعداً بدأت
تتكون نظرة أخرى وطريقة أخرى للتعامل مع الفلسطيني في لبنان، وقد انقسم اللاجئون
الفلسطينيون إلى لبنان إلى ثلاث فئات على النحو الآتي:
- الفئة العليا: هم رجال الأعمال
وأصحاب رؤوس الأموال وذوو الخبرة في ميادين المال والتجارة، وهؤلاء شكلوا نحو 5%
من اللاجئين. وغالبية هذه الفئة اكتسبت الجنسية اللبنانية وأدت دوراً كبيراً في
تنشيط الاقتصاد اللبناني.
- الفئة الوسطى: هم حملة الشهادات
الجامعية والمهنية، وهؤلاء عملوا في الإدارة والتدريس والخدمات، وكانوا يشتغلون
بأجور أقل من أجور أمثالهم اللبنانيين وبلا أي ضمانات. تميزت هذه الفئة (50% من
طاقة العمل) بهجرة أبنائها إلى دول الخليج العربي، وهؤلاء كانوا يعيدون تحويل
مدخراتهم إلى المصارف اللبنانية، وقد أسهمت التحويلات المالية لهؤلاء في تنشيط
الطلب على السلع وعلى العقارات معاً، وفي تكوين احتياطي مهم من العملات الأجنبية
لدى مصرف لبنان.
- العمال: هؤلاء هم سكان المخيمات
بالدرجة الأولى، الذين أسهموا في تحسين القطاع الزراعي، وفي إمداد القطاع الصناعي
في الدكوانة وتل الزعتر والمكلس والشويفات باليد العاملة، وأسهموا أيضاً في تطوير
قطاع البناء.
أصدرت الدولة اللبنانية لفلسطينيي
لبنان وثائق سفر، وهذه الوثائق هي جحيم - داخلياً وخارجياً – لحاملها، فهي تمنع
حاملها في لبنان من العمل في 70 مهنة. وصدر في 21/3/2001 قانون منع التملك
للفلسطيني، رغم أن هذا القرار أثر سلباً في الحركة العقارية في بعض المناطق اللبنانية،
كمدينة صيدا على سبيل المثال، وخارجياً، وثيقة السفر الممنوحة من لبنان تفرض على
حاملها ضرورة الحصول على تأشيرة عودة أو وضع تأشيرة ذهاب وعودة قبل السفر من لبنان
إلى خارجه. وبالطبع، هذه القيود - داخلياً وخارجياً - حولت حياة حامل هذه الوثيقة
إلى جحيم.
الوثيقة السورية
ربما هي الوثيقة الوحيدة التي لها
قيمة والتي تسمح لحاملها بمقتضى القانون الذي أقره البرلمان السوري عام 1956
بمعاملة السوري والفلسطيني معاملة واحدة، والذي يقضي بالتعامل مع اللاجئين
الفلسطينيين في سوريا كما المواطن السوري في كافة الحقوق والواجبات المدنية، وفقاً
لما ورد في القرار 260 لعام 1956 الذي يعرّف الفلسطينيين دوماً بأنهم بحكم المواطن
السوري في كافة القرارات والقوانين.
وبمقتضى هذا القانون، انخرط فلسطينيو
سوريا في المجتمع السوري، واندمجوا في كافة مناحي الحياة في سوريا، حتى إن بعض
الفلسطينيين تولوا مناصب وزارية أو عسكرية حساسة. إلا أن الأزمة السورية الأخيرة
كشفت عن أن هذه الوثيقة لا قيمة لها خارج سوريا، فوجدنا فلسطينيي سوريا يمنعون من
اللجوء إلى تركيا والأردن ومصر، ومن تمكن من اللجوء إلى هذه الدول منهم عومل
معاملة سيئة مختلفة تماماً عن المعاملة التي تلقاها السوريو الأصل. أيضاً تتوارد
الأخبار من داخل سوريا، وإن لم تكن مؤكدة، عن أن النظام السوري بات يلغي كل
القوانين التي تنص على معاملة الفلسطيني الحامل للوثيقة السورية معاملة السوري.
الوثيقة العراقية
جاء الفلسطينيون إلى العراق على
موجات عدة، كانت أُولاها تتكون من 2000 شخص من سكان حيفا ويافا والبلدات العربية
المحيطة بهما الذين فروا جراء حرب 1948 بين العرب و"إسرائيل"، في حين أن
آخرين وصلوا بعد حرب 1967. وكانت الموجة الثالثة من اللاجئين الفلسطينيين، هي من
الذين وصلوا بعد حرب الخليج، عندما اضطر نحو 400,000 فلسطيني إلى مغادرة الكويت.
العراق ليس طرفاً في اتفاقية عام
1951 وقانون اللاجئين، لذلك لم تعدّ السلطات العراقية الفلسطينيين لاجئين، ومع ذلك
تلقوا المساعدة من وزارة الدفاع العراقية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية
العراقية. وكانت الحكومة العراقية توفر الحماية للفلسطينيين، وتوفر لهم مستوىً
عالياً من العلاج، وذلك حسب ما جاء في بروتوكول الدار البيضاء الذي قامت به جامعة
الدول العربية في عام 1965، وكانوا يمنحون وثائق سفر، وكان لهم الحق في العمل،
والحق الكامل في الصحة والتعليم والخدمات الحكومية الأخرى وتملك البيوت
واستئجارها. ووقف الفلسطينيون جنباً إلى جنب مع العراقيين في الحروب وانخفاض
مستويات المعيشة نتيجة الحصار الذي فرض على العراق قبل حرب 2003.
بعد سقوط نظام صدام حسين، أصبحت
عملية تجديد تصاريح الإقامة الخاصة بالفلسطينيين صعبة للغاية، على عكس غيرهم من
اللاجئين في العراق. بينما في ظل نظام صدام حسين، لم يكن هناك حاجة لأن يقوم
الفلسطينيون بالحصول على تصاريح إقامة. ولكن الآن أصبح مفروضاً عليهم أن يخضعوا
لاستجواب عند تجديد تصاريحهم كل شهرين. وفي حالة عدم وجود وثائق إقامة سارية
المفعول، فإن ذلك يعرضهم لخطر المضايقة والاعتقال عندما تُطلَب منهم وثائق لتعريف
أنفسهم عند نقاط التفتيش. وأعربت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في
أكتوبر 2005 عن قلقها في بيان صادر عن وزارة الهجرة والمهجرين، ما يشير إلى طرد
الفلسطينيين من العراق إلى قطاع غزة.
لقي ما لا يقل عن 150 فلسطينياً
مصرعهم منذ مايو 2005، غالبيتهم قتلوا على أيدي ميليشيات، ما دعا العديد من
الأهالي الفلسطينيين إلى التوقف عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، وتوقفوا عن البحث
عن عمل بسبب المخاوف من الاختطاف أو القتل. ونتيجة لذلك، فرّ ما يقرب من ألف فلسطيني
من العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وتقطعت بهم السبل على الحدود بين العراق
والأردن، حيث علقوا على الحدود ومنعوا من دخول الأردن، ما أدى إلى إقامة العديد من
المخيمات على تلك الحدود، مثل مخيم الرويشد. في آب/أغسطس 2003 وافق الأردن على
دخول مجموعة من 386 شخصاً من الأزواج. عاد الكثير من الفلسطينيين إلى بغداد، حيث
إنهم أجبروا على العودة بسبب الظروف المعيشية القاسية في تلك المخيمات التي أقيمت
في الصحراء، ويقدر عدد الذين بقوا في مخيم الرويشد بنحو 148 فلسطينياً.
تحركت مجموعة صغيرة مكونة من 19
فلسطينياً إلى الحدود السورية في أكتوبر 2005، ولكنهم احتجزوا لشهر واحد قبل أن
يسمح لهم بدخول سوريا.
وقد قُصف العديد من الأحياء
الفلسطينية في بغداد، وهوجموا في كثير من الأوقات خلال حرب 2003. وبالإضافة إلى
ذلك، العديد منهم طُردوا من ديارهم، واتخذوا في البداية مأوى لهم في ملعب حيفا في
بغداد. ووفقاً لمفوضية شؤون اللاجئين، فقد غادر نحو 21,000 فلسطيني البلاد منذ عام
2003، وبقي فقط 13,000.
في عام 2009 سمحت الولايات المتحدة
لأكثر من ألف فلسطيني من فلسطينيي العراق بإعادة توطينهم داخل حدودها، وكانت هذه
أكبر عملية إعادة توطين للاجئين فلسطينيين في تاريخ الولايات المتحدة. ويرى منتقدو
قرار وزارة الخارجية لإعادة توطين هذه الفئة من الفلسطينيين أنهم كانوا متعاطفين
مع نظام صدام حسين.
مقاربة للحل
خلال 66 عاماُ من النكبة، جرت في
الوادي مياه كثيرة، ولا يغطي السرد الذي استعرضناه إلا جزءاً يسيراً من معاناة
حملة الوثائق من اللاجئين الفلسطينيين ومأساتهم. والمتابع لهذا الملف يدرك أن حجم
المعاناة في ازدياد مطّرد، وأن التضييق والحصار تجاوز كل الأعراف والقوانين
الإنسانية والدولية، ولم يردعه أي وازع ديني أو حتى أخلاقي.
كل يوم يفاجَأ حامل الوثيقة بمزيد من
القرارات العنصرية تجعله يكفر بكل قيم المحبة والإخاء مع الأشقاء العرب والمسلمين،
رسميين وشعبيين، وتشعره بأنه فاقد لأدنى حدود التضامن مع من يرفعونها زوراً
وبهتاناً مع قضيتهم "المركزية" فلسطين التي ثبّت معظمهم عروشهم وممالكهم
وأركان دولهم بالمتاجرة بها، ليصبح الشعار "مع فلسطين ضد الفلسطينيين"
واقعاً ملموساً يدفع ثمنه وضريبته أبناء شعبنا الفلسطيني دماً وعرقاً ومالاً من
مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
شمّاعة الحفاظ على حق العودة ومنع
التوطين وإسقاط مشروع الوطن البديل أصبحت نكات سمجة وطروحات ممجوجة ملّها الشارع
الفلسطيني وأسقطها تمسك شعبنا الفلسطيني بحقوقه المشروعة حيثما حل وارتحل، ودحضتها
مؤتمرات حق العودة ومؤسسات ولجان الدفاع عن هذا الحق، وليس آخرها الآلاف المؤلفة
من فلسطينيي أوروبا الذين احتشدوا للعام الثاني عشر على التوالي في العاصمة الفرنسية
باريس، بعد أن حملتهم قوافل العودة من كل حدب وصوب في القارة الأوروبية بمختلف
فئاتهم العمرية وشرائحهم المجتمعية، وهم الذين يتمتعون برغد العيش وبالامتيازات
المتعددة التي لم تجعلهم يفكرون، ولو لحظة واحدة، في نسيان قضيتهم تحت عنوان واحد:
"فلسطين تجمعنا والعودة موعدنا".
باختصار نقول: اختبار الدعم الحقيقي
لفلسطين وشعبها يكون باحتضان أبناء هذا الشعب وتقديم التسهيلات له على كافة الصعد،
وربما كانت الطريق الأمثل لذلك بتطبيق بروتوكول الدار البيضاء دونما تحفظ من أيٍّ
من بنوده، فهو وصفة جاهزة ومُقَرّ منذ ما يزيد على خمسة عقود، وفي ما عدا ذلك لا
يزايدنّ أحد ما على فلسطين وشعبها.
وقبل ذلك وبعده فليستذكر الجميع أنّ
#حامل_الوثيقة_إنسان.
المصدر: مجموعة العمل من أجل
فلسطينيي سوريا