على أرض فلسطين.. بكل فخر واعتزاز
بقلم: عدنان منصور/ مربّ فلسطيني
لقد انتابني شعور غريب جداً ونحن نخرج من معبر رفح المصري لندخل إلى الجهة الفلسطينية من المعبر، وبلغ هذا الشعور مداه ارتباطاً وحباً لفلسطين الحبيبة وأنا أصوّر لوحة الاستقبال على مدخل المعبر «أهلاً بكم في فلسطين».
يسرح بك الخيال بعيداً وأنت تحاول ربط حديث الآباء والأجداد عن جمال فلسطين وخيراتها، وبين أنك فعلاً على أرض فلسطين، تقف على ترابهاوتتنشق هواءها، وتخالط أهلها.
ولقد فاجأني ما رأيت من رفح حتى مدينة غزة من بساتين جميلة مثمرة ومن حقول زراعية يعمل فيها عمال وفلاحون ذكوراً وإناثاً، حيث كنت أتوقع أرضاً صحراء نفراء بعدما عمل فيها الاحتلال والعدوان حرثاً وحفراً بصواريخ الحقد والكراهية.
كما يلفت انتباهك مظهران لم أكن أتوقعهما؛ مظهر الغنى من أبنية أو سيارات أو محلات تجارية، ومظهر الفقر من عربات وأسواق شعبية منتشرة على جنبات الطرقات.
كما تشاهد الحركة ذهاباً وإياباً في الشوارع والأسواق، حتى أن تقف في زحمة سير هنا أو هناك وكأن حرباً لم تكن منذ أيام، فأنت لا ترى إلا القليل من آثارها المادية أو حتى المعنوية.. فالأنقاض قليلة، والحياة نابضة، وشعب غزة يمارس معيشته دون التفات أو اعتبار لقصف أو تدمير، فدماء الشهداء وآهات الجرحى ومعاناة الأسرى زادته قوة وصلابة وجعلته يتصدى لصواريخ العدو بعناد وبالمثل.
استوقفني في غزة ما رأيته من شعور بالأمن والأمان من شرطي السير، رغم قلة الإمكانات، أو البنى التحتية أو مراكز الشرطة على اختلاف تخصصاتها وهي تعجّ بالشباب الذين يعملون على تأمين حياة الناس وأرزاقهم، وهم يعيشون مع الناس ومن الناس، فما أوقفنا حاجز تفتيش سأل عن هوية أو عن تعريف. فالحرب غيمة صيف والعدو هو مصدر الخوف وليس الأهل والأصحاب.
أما ما تراه عن الجو الإيماني والإسلامي فذاك فعلاً ملفت، فالحجاب هو الأساس، والالتزام بالسلوك الإسلامي هو العنوان، فلا ترى ما يسيء إلى ذوقك من لوحات إعلامية مسيئة أو واجهات محلات غير لائقة، بل ترى لوحات الشهداء ويافطات التضامن مع الجرحى والأسرى، فالجميع يعيش بيئة المقاومة التي تنطلق من الإسلام.
أما أنفاق رفح التجارية أو تلك المخصصة للأفراد، فيستوقفك إدارتها الحكومية الحازمة، أما عددها وأشكالها وتخصصاتها، فلا تدل إلا على أنك تعايش شعباً قوياً.
عندما تزور المجاهدين على الثغور تشعر أنك صغير أمام عمالقة، رجال باعوا أنفسهم لله، همّهم الجهاد ومقارعة العدو والالتحام معه. ويفاجئك وجود شيوخ كبار يحملون السلاح ويحمون الثغور، فترتفع هامتك وتشتاق إلى الجهاد وتودّ لو أنك واحد منهم، كيف لا وهم يحدثونك عن أعمالهم الجهادية وعمّن سبقهم من إخوانهم الشهداء وكراماتهم، فأين أنت من وقفات الجهاد أمام العدو؟!
أهل غزة يمدونك بمدد العزة والكرامة والكبرياء وأنت تستمع إلى الشباب من اختصاصات شتى، والجميع يعد بالنصر القريب على العدو، فقد ضُربت تل أبيب والقدس، وطلب العدو وقف القتال صاغراً. والوعد منهم أنه في القريب العاجل سنكون في فلسطين نضرب قلب العدو وسنذهب إليه قبل أن يأتي إلينا، فتغبطهم وأنت تعيش بعيداً عنهم ولا تفعل فعلهم.
أما لقاء قادة المقاومة وشرفائها، هو لقاء ترتقي به إلى العلا وتتسلق سلّم المجد، وكأنك تعيش مع بقية الصحابة ومع قادة كخالد وصلاح الدين، وكأنك تصافح أحمد ياسين والرنتيسي، وكأنك تعرف إبراهيم المقادمة وصلاح شحادة، وأهل غزة يجددون مآثرهم، فكم كانت النشوة والسعادة في قلبي أثناء الوقوف أمام منصة احتفال الانتصار بين الألوف المؤلفة وأمام مجسّم عملاق لصاروخ M75 اعترافاً بجميل إبراهيم المقادمة رحمه الله.
شكراً أهل غزة، جزاكم الله خيراً، نصركم الله وأيّدكم بجنوده وأنتم ترفعون رؤوسنا عالياً، وتنكسون رؤوس عدو الله وعدوكم.