القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

على صفيح ساخن وخارج دائرة الفعل

على صفيح ساخن وخارج دائرة الفعل

بقلم: لمى خاطر

للوهلة الأولى يبدو أن العنوان يحمل تناقضاً أو تغريداً في اتجاهين متعاكسين، لكننا حين نسقطه على واقع الضفة الغربية القائم منذ سنوات سنجد أن هذا هو ملخّص حالها؛ فعوامل الانفجار وضرورات المجابهة فيها قائمة، لكن يديها مكبلتان وفعلها بطيء ومتناثر، وهو ما أفرز حالة من الجمود العام أشلّت جميع مفاصل التحرّك فيها.

في شهر أكتوبر من العام الماضي (2014م) عقب الاقتحامات الصهيونية المستمرة للمسجد الأقصى بدأت تتشكل ظاهرة العمليات الفردية في القدس والضفة، وتنوعت ما بين طعن ودهس وعمليات إطلاق نار بسلاح غير متطور، وعلى كثرة هذه العمليات وتتابعها لم تكن كافية لتحدث فارقاً يؤسس في الوعي اقتناعًا بأن مقاومة الضفة قد استعادت زمام المواجهة، مع أنه لو كان متاحاً لكل واحد من أولئك الأبطال منفذي العمليات الفردية أن يحوز حزاماً ناسفاً، أو يمتلك سلاحاً متطوراً؛ لكان الأثر المتشكّل من تكرار تلك العمليات ضخماً وواسعاً، ولكانت الضفة الآن على أبواب مرحلة جديدة مختلفة المعالم، والأمر نفسه ينطبق على العديد من الخلايا التي شكّلت في السنوات الأخيرة، ولم تتمكن من تنفيذ أكثر من عملية قبل اكتشافها، أو عاجلتها يد مخابرات الاحتلال أو التنسيق الأمني وهي في طور النشوء، قبل أن تترجم فعلها على الأرض.

واقع الضفة اليوم سبق أن لخصه أحد الأسرى حين قال: "إن من يطالب الضفة بفعل الإنجازات القتالية كمن يطالب سيارة بلا وقود بالتحرك"، والوقود الذي تعوزه الضفة الآن هو السلاح والخبرات التصنيعية العسكرية وأدواتها المختلفة، إلى درجة أن بعض المبيدات الزراعية محظورة بقرار من الاحتلال والسلطة؛ لمجرد أنها قد تستخدم في تصنيع المتفجّرات.

ولذلك تبدو المقارنة بين حالَي الساحتين الساخنتين في فلسطين (أي الضفة وغزة) عبثية وغير مجدية، ولا نتيجة لها سوى تعزيز النعرة المناطقية؛ لأن المقاومة فعلًا جهاديًّا لا علاقة لها بخصائص السكان أو اسم المكان، بل بمنهجها أولاً ثم الظروف الأمنية والسياسية والميدانية لكل ساحة، ولذلك قلنا: إن الفعل الجهادي ابن منهجه وليس ابن ساحته، ولذلك أيضاً تطورت المقاومة في غزة في ظل حماس وبعد تحرير غزة، وانكفأت في الضفة نتيجة القرار المزدوج بإجهاضها من قبل الاحتلال وسلطة فتح، التي ترى أن المقاومة عامل تدمير ذاتي للشعب ومقدراته، كما صرح محمود عباس أكثر من مرة.

ولذلك أيضًا تنبّه بيريس خلال حرب غزة إلى عنصر السيطرة، وأجندة السلطة الحاكمة في كل ساحة، حين قال: "إن الحل الوحيد مع غزة هو أن يحكمها شخص مثل محمود عباس؛ لأن أجندة اتفاق (أوسلو) من شأنها أن تشوّه معالم أية مرحلة، وأن تعيق نهوض طلائعها حينما تتمكن وتسيطر".

فالمقارنة والتوقعات من كل ساحة ينبغي أن تأخذ بالحسبان اختلاف الواقع السياسي والجغرافي والأمني والميداني، وهي كلها أمور تغيب عن بال السطحيين الذين امتهنوا الهجاء والمزايدات وإطلاق المطالبات، وصولاً إلى الاعتقاد بأن المقاومة في الضفة تملك ما تقدمه لمشروع التحرر من الاحتلال، أو الرد على جرائم المستوطنين، لكنها تمتنع عن ذلك أو تجبن عنه.

وهنا علينا أن نتذكر أنه حين كانت الحالان متشابهتين إلى حد ما بين واقعي غزة والضفة، أي حتى ما قبل عام 2007م؛ كان الفعل الجهادي هنا ونظيره هناك متوازيين ومتساويين، بل إن الضفة تفوقت في العمليات الاستشهادية التي كانت توقع خسائر كبيرة في صفوف المغتصبين الصهاينة، وهذا التفوّق أيضاً لم يكن بسبب أفضليتها في ذلك، بل لظروفها الجغرافية وإمكانية وصول استشهادييها إلى عمق أراضي الـ(48) المحتلة، وذلك قبل عملية السور الواقي الصهيونية التي عملت على تصفية رموز الخلايا المسلّحة بالتدريج، وصولاً إلى استقدام مشروع (دايتون) إلى الضفة، بعد إخفاقه في غزة.

كل هذه الاعتبارات تغيب في مواقف الغضب، وما يعقبها من هجائيات جماعية، وتجعل المشكلة في خصائص السكان بساحة الضفة، في حين تحيد خصائص أو منهج السلطة الحاكمة، وتغفل خطورة دورها، وكيف أنها تملك كثيراً من مفاتيح التغيير، والتطور أو التراجع للمجتمع، وتملك _لو أرادت_ أن تحيّد الفئة المتخاذلة في المجتمع، وتعلي من شأن المقاومة ثقافةً وسلوكًا، ولذلك قلّ أن يدرك كثيرون أنّ الإشكالية القائمة في المشهد الفلسطيني ليست مناطقية، وأن السر ليس في خصائص السكان؛ لأن هؤلاء السكان ليسوا كتلة واحدة ذات خصائص نفسية واحدة، بل إن السرّ في مجموع الظروف والسياسات التي تهيمن على كل ساحة، وتعلي من شأن المقاومة أو تطيح بها.

وما دام الظرفان الميداني والسياسي على حالهما الآن في الضفة ليس لنا أن نتوقّع انتفاضة مماثلة لسابقتيها، إلا أن امتلاك إرادة الفعل لدى نخبة المقاومة في المجتمع من شأنها أن تُفضي إلى أشكال وآليات مختلفة في مواجهة الاحتلال، وهي أشكال قد تظلّ محل استخفاف ما دام الرأي العام مطبوعاً على توقّع هبة شعبية تُشابه ما ألفه وعهده فقط.

المصدر: فلسطين أون لاين