القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

عمالة الأطفال.. المخاطر العديدة والمعالجة الضرورية

عمالة الأطفال.. المخاطر العديدة والمعالجة الضرورية


بقلم: هيثم محمد أبو الغزلان*

الحديث عن ظاهرة عمالة الأطفال ـ رجال المستقبل ـ، لا يمكن أن يتم بمعزل عن الظروف السياسية والاقتصادية التي تُرخي بظلالها على الوضع المعيشي في لبنان عامة، والمخيمات الفلسطينية خاصة. ولا يمكن حصر مسؤولية مكافحة هذه الظاهرة بجهة معيّنة دون سواها، فالتدخل في هذا الإطار ليس حكراً على جهة معينة. ويجب أن ينحو الحد.. من هذه الظاهرة باتجاه أكثر أهمية نظراً للانعكاسات السلبية والتداعيات السيئة والمفاعيل غير محمودة العواقب التي تنتج عنها.

فالمشكلة لا تتمثّل في عمل الأطفال بحد ذاته فحسب، بل أيضاً في التوجّه إلى أسوأ أشكال العمل في ظروف تنعدم فيها شروط الصحة والسلامة المهنية. وهذا يجعل هؤلاء الأطفال يتعرضون لمخاطر شديدة تؤثر على صحتهم وقد تُعرّض حياتهم للخطر الشديد في كثير من الأحيان. وهو ما حصل فعلاً مع العديدين منهم، وفي أكثر من منطقة.

وكما هو معروف فإن الأطفال يعجزون بشكل عام عن حماية أنفسهم، باعتبارهم الحلقة الأضعف في المنظومة الإنسانية، وبالتالي هم يعجزون عن تحمُّل تكاليف الحياة بمفردهم. والأطفال بحاجة لمن يرعاهم ويقف إلى جانبهم حتى اشتداد عودهم واستطاعتهم الاعتماد على أنفسهم. وهذا يُحمّل المعنيين مسؤولية مضاعفة تجاه الطفل الفلسطيني في لبنان الذي يعاني من صعوبات الحياة من جهة، ومن تكاليفها المتزايدة وأعبائها الكثيرة من جهة أخرى.

ومن المعروف أن لبنان قد صادق على اتفاقية حقوق الطفل في أيار 1991، وأحدث تغييرات تشريعية كثيرة لجعل القوانين اللبنانية أكثر اتساقاً مع مبادئ الاتفاقية. ووفق اتفاقية حقوق الطفل، يُعد كل شخص طفلاً ما لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، إلا إذا نص القانون الوطني على ما يخالف ذلك. وبالتالي فإن تعريف عمل الأطفال يشمل بهذا المعنى كل من هم دون الثامنة عشرة سنة. ولكن في ما يختص بالعمل، ثمة تمييز بين مستويين: الأول هو عمل الأطفال الذين لم يبلغوا السن القانونية للعمل، وهو 14 سنة في لبنان وفق التعديل الذي ادخل على قانون العمل عام 1996، بعدما كانت هذه السن سابقاً 8 سنوات فقط. والمستوى الثاني هم المراهقون العاملون ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة، ويسمح القانون بدخولهم سوق العمل مع وضع بعض الشروط الخاصة لحمايتهم.

وأدى تراجع ميزانية الأونروا، وتقليص خدماتها المقدمة للاجئين، وتراجع تقديمات منظمة التحرير، إلى زيادة تأثير المعاناة على اللاجئ الفلسطيني في لبنان، وعلى كل مكونات الأسرة. والأرقام التي أظهرتها الدراسات الميدانية عن زيادة الفقر في المخيمات تشير إلى مدى صعوبة العيش، فقد وصلت حالة الفقر المدقع إلى (%66,4) بحسب دراسة للجامعة الأمريكية بالتعاون مع وكالة الأونروا، ونسبة البطالة وصلت إلى (70%)، بحسب دراسة لمؤسسة شاهد.

وأشارت د. رفيف أحمد علي في كتابها: "عمالة الأطفال الفلسطينيين في لبنان" إلى إحدى الدراسات التي قدّرت عدد الأولاد الفلسطينيين العاملين عام 1997 في لبنان بنحو 8888 ولداً عاملاً، وأشارت إلى نسبتهم التي قدرت بنحو (16.22%)، من مجموع عدد الأولاد الذين بلغ عددهم 56.779 ولداً.

وذكرت دراسة لمعهد الدراسات التطبيقية الدولية النرويجي (FAFO ) وجمعية المساعدات الشعبية النروجية في لبنان بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء والمصادر الطبيعية الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية في لبنان وأوردتها منظمة ثابت أن: 10% من الأطفال العاملين هم في الرابعة عشر من عمرهم، بينما 30% من الأطفال العاملين هم في الخامسة عشر من عمرهم، وتلاحظ الدراسة بأن 35% من الأطفال العاملين هم في السابعة عشر من عمرهم، وان 20% فقط من الأطفال العاملين مسجلين في المدارس والآخرون بالكاد حصلوا على قدر محدود من التعليم. وهناك اختلاف بين وضع الذكور ووضع الإناث، فالأولاد (10 ـ 17 سنة) بشكل عام يعملون لدعم الأسرة بينما الفتيات يتعرضن "للقيود الاجتماعية" و " الزواج المبكر". وفي الوقت نفسه، فإن نسبة الفتيات اللواتي يتركن المدرسة مبكراً (أقل من 14 سنة) لا يعملن فقط في المنزل بل بعضهن ينخرطن في أعمال محلية داخل المخيم".

خصائص عمل الأولاد

وعدّدت منظمة (اليونيسف) في دراسة لها خصائص عمل الأولاد الفلسطينيين في لبنان، وقد جاءت على الشكل التالي:

- تدني الأجور.

- شدة العمل وصعوبته.

- استغلال الأولاد خارج إطار العمل بحيث تجعلهم أقرب إلى الخدم منهم إلى العاملين.

- العمل لساعات طويلة (بين 9- 10) ساعات يوميا، والبعض 8 ساعات..

- يعمل كثير منهم 6 أيام في الأسبوع، والبعض 5 أيام، مما يحرم الولد من حقه في الراحة.

- تعرض الأولاد لأشكال مختلفة من الأذى الصحي والنفسي والمعنوي نتيجة ظروف العمل من جهة، وسوء معاملة رب العمل من جهة أخرى.

- معاناة الأطفال من أمراض السمع والبصر والأمراض العصبية والصدرية..

استغلال

والغريب أن مصالح مشتركة تجمع بين أصحاب العمل والأطفال الذين يسعون لتحقيق مكاسب اقتصادية واستقلالية، أما أصحاب المصالح فيريدون من يساعدهم مقابل أجور متدنية، مع ما يترافق من توبيخ وضرب وتنبيه دون نصح للأطفال من أرباب العمل كي ينتسبوا لمعاهد تدريب مهني وتقني تساهم في إعطائهم مهناً بشكل صحيح ومدروس، وتُبعد عنهم الظروف السيئة والمتردية، وتقلل من جهل الأهل وأرباب العمل والأطفال لشروط الصحة والسلامة المهنية، التي تُعرّض هؤلاء الأطفال لمخاطر شديدة تؤثر على صحتهم وتعرّض حياتهم للخطر.

وبناء على ذلك، فإن استغلال الأولاد من قبل أرباب العمل، أمر وارد وبشكل كبير، فهؤلاء الأولاد تركوا مقاعد الدراسة مما يعرضهم لظروف قاسية واستغلال لأنهم لا يملكون بدائل، ولا يتمتعون بحقوق، ولكنهم مُجبرون على تحمل ظروف العمل مهما كانت قاسية في سبيل إعانة العائلة والمساهمة في التخفيف من الوضع الاقتصادي الصعب وتأمين حاجات الأسرة الضرورية.

هذا الوضع يتطلب من الجميع (مؤسسات وفصائل وأولياء أمور الأطفال) التكاتف والتعاون للمساهمة في حل مشكلة عمالة الأطفال والقضاء على أسبابها ومعالجتها بشكل صحيح...

*كاتب فلسطيني

المصدر: مجلة البراق الشهرية