عن الأونروا والصندوق المُكمِّل..!
بقلم: علي هويدي*
غرابة فحوى البيان الصحفي الذي عممته "الأونروا" صباح يوم الجمعة
26 شباط/فبراير 2016 دفع بالبعض من المتابعين لأن يتساءَل ويُراجع قسم الإعلام في الوكالة
إن كان البيان بالفعل رسمي وصادر عن إدارة "الأونروا"، أم أن هناك من يحاول
التشويش على محاولات اللاجئين لانتزاع حقوقهم المشروعة، ويضع العصي في الدواليب أمام
أي محاولات للتواصل بين اللاجئين و"الأونروا"..، ليأتي الخبر اليقين بأن
البيان رسمي..!
بعد ما يقارب الشهرين من الإحتجاجات السلمية التي ينفذها اللاجئون الفلسطينيون
في لبنان بإشراف وتوجيه من القيادة السياسية الفلسطينية الوطنية والإسلامية واللجان
الشعبية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني والحراك الشبابي.. لمطالبة وكالة "الأونروا"
بالتراجع عن تقليص خدماتها خاصة تلك التي بدأت مع مطلع العام الجاري وتتعلق بمسألة
الإستشفاء..، عممت "الأونروا" بياناً صحفياً حول الإستشفاء في لبنان فقط،
واستثنت فيه أي من المطالب الأخرى للاجئين ومنها إستكمال إعادة إعمار مخيم نهر البارد
واستمرار حالة الطوارئ في المخيم ودفع بدل إيجار للعائلات المهجرة، ودفع بدل إيواء
لأهلنا اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى لبنان.. وبأن الوكالة "قررت"
إطلاق "صندوق مالي مُكمِّل للسياسة المعدلة" يغطي "الأكثر حاجة في الحصول
على الرعاية الصحية من المستوى الثاني" وبأن الوكالة "قد تمكنت من تأمين
المساهمات المالية الأولية وعليه فان هذا الصندوق هو الآن قيد التفعيل"..!
تُصنف "الأونروا" اللاجئين في لبنان إلى ثلاثة فئات، الأولى فئة المسجلين
وصل عددهم حتى تاريخ الأول من كانون الثاني/يناير 2015 إلى 493.134 لاجئ، من بينهم
وهي الفئة الثانية وعددهم 61.148 لاجئ بنسبة 13.6% من العدد الإجمالي، وهؤلاء يستفيدوا
من "برنامج شبكة الأمان الإجتماعي" إذ يحصل كل لاجئ منهم سنوياً على 40 دولار
تدفع نقداً، وبقيمة 80 دولاراً مواداً تموينية، وهناك فئة ثالثة من اللاجئين وهي
"الأشد فقراً"، وعلى هذه الفئة تنطبق معايير "الصندوق المُكمِّل للأكثر
حاجة"، وهذا بطبيعة الحال غير كاف فالغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين في
لبنان يحتاجون إلى الإستشفاء الكامل، وتقديم الخدمات الأخرى كاملة، وهذا مُثبت علمياً
من خلال المسح الإقتصادي والإجتماعي الذي نفذته الجامعة الأمريكية في بيروت بتكليف
من "الأونروا" وبتمويل من الإتحاد الأوروبي سنة 2010، وتبين أن 73% من اللاجئين
في لبنان يعانون من الفقر، من بينهم 6.6% يعانون من الفقر الشديد، وهي الفئة التي ينطبق
عليها معايير "الصندوق"..!
تمويل "الصندوق المُكمِّل" والمنفصل عن الميزانية العامة للوكالة،
يخضع لميزاجية الدول المانحة، فالأونروا تعتمد في ميزانيتها على المبالغ التي تدفعها
طوعاً تلك الدول، وبالتالي هذا الصندوق معرّض لعدم الإلتزام، تماماً كما يحصل حالياً
في ميزانية "الأونروا" الرئيسية، وبالتالي عدا عن كونه غير كاف فلا ضمانات
لاستمراريته، ومن جانب آخر وطالما أن "الأونروا" قادرة على جلب تمويل للصندوق
فالأوْلى أن تجلب الأموال الكافية لتغطي التقليصات.. وجاء في البيان أيضاً بأن الوكالة
"قد خصصت ومنذ فترة ليست بالوجيزة ما نسبته 50% من موازنتها المخصصة للإستشفاء
لكافة مناطق عملياتها فقط لإقليم لبنان"، بتقديرنا حتى هذه النسبة هي غير كافية،
وعلى الوكالة أن تبحث عن المزيد من التمويل، وكأن "الأونروا" لا تعلم كيف
يستفيد اللاجئ الفلسطيني في الأقاليم الأربعة الأخرى من القطاع العام في الدول المضيفة،
مقارنة بحرمان اللاجئ الفلسطيني في لبنان من حقوقه الإقتصادية والإجتماعية..!
بتقديرنا يعتبر البيان "غير مسؤول"، ومحاولة للإلتفاف على المطالب،
وإهانة للاجئين، ومحاولة لشق صف الحراك السلمي من خلال التمييز بالإحتياجات، وتجاهل
لحراك القيادة السياسية وخلية الأزمة واللجان الشعبية والأهلية والحراك الشبابي..،
واستخفاف بالتفاعل الرسمي والشعبي اللبناني المؤيد لحراك اللاجئين، ويبدو بأن مواجهة
التقليصات تحولت إلى معركة "عض أصابع" بين اللاجئين وبين "الأونروا"،
وهذه حالة تنمُّر جديدة، عمَّقت الفجوة وأدوات التواصل وبناء جسور الثقة بين اللاجئين
و"الأونروا"، والكرة الآن في ملعب الأخيرة..!
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني