فتحي كليب
في موقف اعتيادي
بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، قال وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال
قبل ايام (20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022): "إذا جبنا الكهربا، سنضع عدادات على
مداخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين لنعلم كمية استهلاكهم للطاقة.. وفي حال تخلفت
المخيمات عن الدفع، سيتم قطع التغذية الحكومية". هذا الموقف، التهديد، يحاول
ان يوحي بأن المخيمات الفلسطينية هي جزء من أزمة الكهرباء في لبنان، وان حل هذه
المشكلة، او بعضها، يتوقف على تجاوب المخيمات الفلسطينية مع خطة الحكومة اللبنانية
لاصلاح قطاع الكهرباء.
المطلع على ملف
الكهرباء في لبنان بتفاصيله المعقدة والمتشعبة، يعلم جيدا ان الوظيفة المباشرة
لمواقف الوزير وليد فياض هي سياسية محلية وليست تقنية، خاصة وان خطة الكهرباء
المقترحة من قبل وزارة الطاقة لم تناقش، في شقها الفلسطيني، مع اي مرجعية
فلسطينية، والجميع سمع بمواقف الوزير من وسائل الاعلام، قبل ان يعقد اجتماع مشترك
للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني تناول الموضوع بشكل عام دون الدخول في تفاصيل
التطبيق. وقد سبق لوزراء سابقين ان طرحوا هذه المسألة على المستويين المحلي
والدولي، لكن لم يتمكن احد من وضع الخطط السابقة موضع التطبيق الفعلي لأسباب
متعددة، رغم تأكيد المرجعيات الفلسطينية على التعاون في معالجة هذه القضية على
خلفية المصلحة المباشرة لابناء المخيمات بحلها على قاعدة الحقوق والواجبات
المتبادلة.
ان معالجة مشكلة
الكهرباء، في شقها الفلسطيني، هو امر ممكن التحقيق إذا ما توافرت الجدية والارادة،
بعيدا عن التسييس والتحريض والاستغلال السياسي، وعلى قاعدة المعالجات التقنية
المستندة الى خطط واقعية نابعة من دراسات علمية لواقع الكهرباء في لبنان وعلاقة
المخيمات بها. وعلى هذه الخلفية لا يجوز الحديث عن المخيمات كسلة واحدة لجهة
تغذيتها بالتيار الكهربائي، ومن الخطأ اصلا وضعها في خانة تقييمية واحدة، لأن
المخيمات الفلسطينية تنتشر على جميع الاراضي اللبنانية من الجنوب الى الشمال مرورا
ببيروت والبقاع، وبالتالي تختلف وضعية كل مخيم عن الآخر باختلاف تعاطي المؤسسة مع
هذا المخيم او ذاك.
فرغم ان وجود
اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قد مر عليه ما يزيد عن سبعة عقود، الا ان التيار
الكهربائي لم يدخل المخيمات الا بعد ربع قرن تقريبا. وظلت المخيمات "تسلّك
امورها" باللجوء الى وسائل بدائية كقناديل الكاز والغاز والفتيل والشمع
وغيرها الى ان قررت مؤسسة كهرباء لبنان مدها بالكهرباء، بعد ان يقوم ساكنيها
بتقديم طلبات للحصول على ساعات وعدادات داخل المنازل، كما هو الامر بالنسبة
للمواطنين اللبنانيين، وهذا ما حصل بتركيب عدد واسع من اللاجئين لعدادات داخل
المنازل. لكن اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية وغياب عمل مرافق الدولة، خاصة موظفي
مؤسسة كهرباء لبنان المكلفين بجباية رسوم الكهرباء وعدم قدرتهم على تحصيل الرسوم
من بعض المخيمات لأسباب فلسطينية ولبنانية في آن، كما المناطق اللبنانية الاخرى،
وأخذ الامر الواقع يفرض نفسه، خاصة في المخيمات ذات الكثافة السكانية العالية،
بينما ظلت بعض المخيمات تدفع رسوم الكهرباء بانتظام حتى وقت قريب.
ترافق هذا الامر
الواقع مع زيادة في عدد الطلبات المقدمة للحصول على ساعات وعدادت داخل المنازل في
المخيمات واحجام مؤسسة كهرباء لبنان عن تلبية هذه الطلبات لأسباب خاصة بالمؤسسة،
مرة لقلتها وعدم وجود اعداد كافية منها، ومرة بسبب دراسات اقترحت استبدال العدادات
القديمة بأخرى جديدة. وما زاد من حدة المشكلة في العقدين الاخيرين استفحال ظاهرة
زيادة الكثافة السكانية في المخيمات، خاصة بعد اقرار البرلمان اللبناني عام 2001
لقانون منع الفلسطيني من التملك في لبنان، ما دفع بالكثيرين الى البناء العامودي
داخل المخيمات، في ظل محدودوية التيار الكهربائي الذي تزود به المخيمات، مما شكل
ضغطا متزايدا على كمية الطاقة اولا وعلى الشبكة التي باتت متهالكة، وهذا ما نجد
ترجماته العملية في فوضى الشبكات الكهربائية المنتشرة داخل المخيمات والتي كانت
سببا في وفاة عشرات الفلسطينيين.
ليس سرا القول
ان مشكلة الكهرباء في لبنان موضوعة على طاولة مجلس الوزراء منذ ما قبل العام 2000،
ومن ضمنها مسألة تغذية المخيمات الفلسطينية بالتيار الكهربائي. ولأسباب لبنانية
صرفة قررت الحكومة في اكثر من مرة الابقاء على سياسة الدعم الحكومي لقطاع
الكهرباء، يحيلها بعض اللبنانيين الى مشروع مقصود هدفه السيطرة على مؤسسة كهرباء
لبنان بعد إفلاسها وطرحها للخصخصة بأسعار زهيدة. وقد استفادت المخيمات الفلسطينية
من هذا الدعم الحكومي الى جانب العديد من المناطق والمرافق في لبنان ومنها:
المصارف والفنادق والمنتجعات السياحية، والمنازل العائدة لمسؤولين رسميين وحزبيين
وسياسيين.. اضافة لمدن كانت تتزود بالكهرباء على مدار الساعة ناهيك عن مرافق اخرى
كمعامل الأسمنت وقرى كانت تصنف انها سياحية.
واذا كان الحديث
عن "كهرباء المخيمات الفلسطينية" له علاقة بخطة رفع تعرفة الكهرباء التي
أقرها مجلس الوزراء ومؤسسة كهرباء لبنان مؤخرا، فمن المفترض تقديم رؤية واضحة لما
تريده الدولة من المخيمات الفلسطينية وكيف يمكن تطبيق كلام وزير الطاقة بشأن وضع
عدادات على مداخل المخيمات، ومن هي الجهة التي ستتولى هذا الامر وغير ذلك من اسئلة
ليست هناك اية اجابات جدية بشأنها، لأنها جربت في اوقات سابقة ولم يكتب لها النجاح..
لذلك من غير المنطقي رمي الكرة في ملعب المخيمات الفلسطينية باعتبارها عامل معرقل
لخطة الكهرباء او هي سبب مباشر للخسائر التي يتكبدها قطاع الكهرباء في لبنان،
للأسباب التالية:
اولا: ان تنظيم
الكهرباء داخل المخيمات هو مطلب فلسطيني قديم، تؤكده آلاف الطلبات الموجودة على
طاولة مؤسسة كهرباء لبنان ولم يبت بأمرها حتى الآن، وبالتالي فان معالجة هذا الامر
يساهم بحل مشكلة الكهرباء فلسطينيا.
ثانيا: المخيمات
لا تتولى شؤونها وقضاياها مرجعية فلسطينية موحدة، بل هي تتوزع على مجموعة من
المرجعيات السياسية والفصائلية والشعبية، لذلك فان امر الجباية الافرادية من ابناء
المخيمات، من قبل اللجان الشعبية مثلا، هو امر لا يمكن تطبيقه في الوقت الحالي،
الا اذا توسع الحوار في نقاش قضايا قد لا تقبلها الدولة اللبنانية من نمط تشريع
وقوننة اللجان الشعبية ومنحها صلاحية متابعة القضايا الاجتماعية، بالتنسيق مع
مؤسسات لبنانية معنية، على غرار ما اشار اليه اتفاق القاهرة لجهة وجود "لجان
محلية من فلسطينيين في المخيمات لرعاية مصالح الفلسطينيين المقيمين فيها، وذلك
بالتعاون مع السلطات المحلية، وضمن نطاق السيادة اللبنانية".
ثالثا: ليست
المرة الاولى التي يتم فيها اقتراح وضع عدادات على مداخل المخيمات، لكن المشكلة
كانت حول الجهة المكلفة بتحصيل الرسوم، وقد طرح هذا الامر من قبل مؤسسة الكهرباء
عام 2003 واقترحت وكالة الغوث للقيام بهذه المهمة، التي رفضت الاقتراح معتبرة بان
التيار الكهربائي وتنظيمه هو من صلاحيات الدولة ومؤسساتها ولا علاقة للاونروا به.
كما قدم وزير
الخارجية اللبناني الاسبق في العام 2018 جبران باسيل واثناء مشاركته في مؤتمر الدول
المانحة لوكالة الغوث في روما ورقة عمل حول تكلفة تزويد المخيمات الفلسطينية
بالطاقة الكهربائية، وتبين من الورقة ان ديون المخيمات لصالح مؤسسة الكهرباء هو
رقم بسيط مقارنة مع الحملة التي تشن بشكل دائم على المخيمات (لم المبالغ المحددة
بالورقة 15 مليون دولار سنويا).
رابعا: في قراءة
التقارير الصادرة عن مؤسسات رسمية لبنانية، يبدو واضحا ان ما سمي دين مستحق على
المخيمات الفلسطينية لا يكاد يساوي شيئا مقارنة بالخسائر الفعلية لمؤسسة كهرباء
لبنان التي تزيد عن 40 مليار دولار. ورغم ذلك يجري التصويب الدائم على المخيمات
وكأنها خارجة عن السياق العام للمناطق اللبنانية الاخرى.
وتفيد تلك
الارقام بأن نسبة الهدر غير التقني، اي ما له علاقة بالتلاعب بالعدادات والسرقات
من خارج الشبكات الرسمية تصل نحو 40 بالمائة وهي تتوزع على جميع المحافظات
اللبنانية وعلى ادارات ومؤسسات رسمية لبنانية معروفة.. فيما تبلغ حصة المخيمات من
هذا الهدر نسبة بسيطة جدا، وهو هدر معلن سببه عدم القدرة على الجباية، ولا علاقة
له بواقع الفوضى في توزيع الشبكة داخل المخيمات، وليس ناتجا ايضا عن سرقات من
الشبكة الرئيسية او نتيجة تلاعب بالعدادات، كما هو الامر في المناطق اللبنانية.
وتفيد المعطيات الرسمية بأن خسائر شركة كهرباء لبنان ناتجة في جزء مهم منها عن
اسباب لها علاقة بالهدر والنقل والتوزيع وتتوزع على الشكل التالي: خسائر تقنية
18بالمائة (النقل والتوزيع)، خسائر ناتجة من سرقة التيار الكهربائي27 بالمائة،
اضافة الى 12 بالمائة كخسائر ناتجة عن تخلف في التحصيل سواء من قبل المستفيدين او
الجباة. والمستحقات المتعلقة بالمخيمات تدخل ضمن خانة (12 بالمائة)، واذا ما تم
توزيع هذا الرقم على المناطق اللبنانية المختلفة فيصبح الرقم جزءا بسيطا لا يكاد
يذكر.
وحتى لو سلمنا
بصحة الارقام عن نسب الهدر والديون المستحقة على المخيمات، فهي قد لا تعكس واقعا
فعليا على الارض وتحتاج بدورها الى نقاش، لأن المخيمات وحتى هذه اللحظة ما زالت
متداخلة مع الجوار اللبناني في اكثر من منطقة، ونطاقها الجغرافي متداخل مع المحيط،
وبعض المواطنين اللبنانيين يستهلكون الكهرباء داخل المخيمات من خلال مؤسسات تجارية
وصناعية هربا من دفع الفاتورة. وكي لا تبدو الصورة بأن المخيمات لا تدفع مستحقاتها
من تعرفة الكهرباء، لا بد من توضيح بعض النقاط:
- ان
مؤسسة كهرباء لبنان لا تتعاطى مع المخيمات في قضايا الجباية وفق معيار موحد، بل ان
الجباية خلال الفترة الماضية كانت تتم وفق عدة اشكال، واستنادا الى طبيعة العلاقة
بين مؤظفي المؤسسة والمرجعيات الفلسطينية المعنية.
- بعض
المخيمات ما زالت حتى هذه اللحظة تدفع فواتير الكهرباء كاملة، نظرا لسهولة دخول
الجباة اليها مثل مخيمات نهر البارد، البداوي، مار الياس، الضبية وايضا مخيم البص.
- بعضها
الآخر كانت سابقا تدفع قيمة الفاتورة بشكل مقطوع من خلال اللجان الشعبية التي نسقت
هذه المسألة مع ادارة المؤسسة بشكل رسمي، وبعضها الآخر يعاني بدوره من مشكلة عدم
وجود عدادات احيانا لسبب سياسي ما واحيانا لخوف موظفي الكهرباء من دخول بعض
المخيمات.
- بعض
المخيمات في مراحل سابقة كانت تدفع مباشرة وبدون ايصالات من موظفي المؤسسة القريبة
من المخيم والذين كانوا يرفضون تحرير اية ايصالات لأسباب واضحة.
-بعض المخيمات لا يدخلها الجباة، رغم
انها مفتوحة وتعيش حالة استقرار على المستوى الامني وسكانها يبدون استعدادهم لدفع
ما يتوجب عليهم من مستحقات، لكن المشكلة لديهم هي بتراكم الاموال لأشهر وربما
لسنوات نتيجة عدم دخول الجباة اليها، الامر الذي ادى الى تراكم المستحقات المالية
على المخيمات حتى وصلت وفقا للمؤسسات اللبنانية بين اعوام 2003 و2014 حوالي 244
مليار ليرة لبنانية اي ما يوازي 160 مليون دولار استنادا لسعر صرف الدولار على
اساس 1500 ليرة للدولار الواحد.
ويجمع الكثيرون
على أن مشكلة الكهرباء على المستوى اللبناني ليست فنية وغير محصورة بجانب الهدر
والتعديات فقط، بل هي سياسية من الدرجة الاولى، والحل يكمن برفع الغطاء عن كل
المخالفين، اما على المستوى الفلسطيني فالمسألة اكثر تعقيدا، والدولة دائما ما
تحاول الهروب من طرح المشكلة على حقيقتها. فهناك من يقول بأن الدولة اللبنانية
احجمت عن طرح مسألة الكهرباء مع ممثلي المخيمات كي لا تقع في محظور، غياب المرجعية
المعنية عن متابعة اوضاع المخيمات واللاجئين، لذلك على الدولة ان تلعب دورا
ايجابيا لجهة وجود وتشريع مرجعية فلسطينية تنسق مع الحكومة اللبنانية في كل ما له
علاقة بالمخيمات وساكنيها.
لذلك، فان مشكلة
الكهرباء بالنسبة للمخيمات لا يمكن مقارنتها مع المشاكل الموجودة في بقية المناطق
اللبنانية، واذا ما ارادت الدولة اللبنانية ومؤسسة الكهرباء حل هذه المشكلة
فبالامكان ايجاد اكثر من حل، فتنظيم التيار الكهربائي وربط المخيمات بالمحيط
اللبناني، كما هو الامر في الدول العربية المضيفة كان دائما مطلبا فلسطينيا، غير ان
التلكؤ في انجاز ذلك عائد لأسباب لا تتعلق بالفلسطيني الذي رحب ويرحب بشكل دائم
بحل معضلة الكهرباء على قاعدة المساواة الكاملة مع المواطنين اللبنانيين الذي
يستهلكون الكهرباء ويدفعون ما عليهم من رسوم ومستحقات.
ان المخيمات وفي
كل المحافظات ما تزال حتى هذه اللحظة غير مشمولة بالخدمات البلدية، الامر الذي
ساهم في افقارها وتكريس عزلتها عن المحيط وبشكل نافر احيانا.. رغم ان بعض المشكلات
التي تعيشها المخيمات لا تختلف في الجوهر عن مشكلات المحيط. لذلك فمشكلة الكهرباء
هي نقطة في بحر الاشكالات التي ما زالت عالقة على مستوى العلاقة بين المخيمات
والسلطات اللبنانية، والحلول الجزئية لا يمكنها معالجة مثل هذا الملف الشائك، لذلك
يصبح مطلوبا فتح الملف الفلسطيني بجميع عناوينه السياسية والقانونية والخدماتية
وطرحها على بساط البحث والحوار المشترك الذي لا بد انه سيأتي بالمعالجات الصحية والسليمة
اذا ما توافرات الارادات على الحل والمعالجة.