القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

عن المفاوضات الفلسطينية - الفلسطينية المضنية والمعقدة!

عن المفاوضات الفلسطينية - الفلسطينية المضنية والمعقدة!

ماجد كيالي

أخذت الحوارات، أو بالأحرى "المفاوضات" المتعلقة بالمصالحة وإنهاء الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني، حيّزاً كبيراً من اهتمامات القيادات الفلسطينية، ومن عمر الفلسطينيين، من دون أن تصل إلى النتيجة المرجوّة، بحيث بات يجري التندّر بها باعتبارها أكثر استعصاءً وتعقيداً من المفاوضات مع الإسرائيليين، حيث أن كل جملة، وكل قضية، تحتاج إلى مفاوضات، واتفاقيات وملفات وإلى لجان لمتابعتها!

هكذا أخفقت كل الجهود في وضع الحركتين الرئيستين في المشهد الفلسطيني، أي "فتح" و"حماس"، على سكّة استعادة الوحدة، وفي كل المحطات، بدءاً من تلك التي جرت في مكة المكرّمة، بوساطة سعودية (شباط/فبراير 2007)، قبيل الاقتتال والانقسام، إلى تلك التي تمت في صنعاء برعاية يمنية (آب/أغسطس 2007)، بعد هيمنة حماس على غزة، وصولاً إلى المباحثات التي جرت في القاهرة، برعاية مصرية، طوال الأعوام الماضية، والتي توجت في اتفاقيتين للمصالحة تم التوقيع عليهما بحضور الرئيس ابو مازن (وهو رئيس السلطة وحركة فتح ايضا) وخالد مشعل رئيس حركة حماس، الأول في القاهرة (أيار/مايو 2011)، والثاني في الدوحة (شباط/فبراير 2012).

معلوم أن الاختلاف والاحتراب والانقسام الفلسطيني أثّر سلباً على شعب فلسطين وقضيته وحركته الوطنية، إذ خلق حالة من الإحباط بين الفلسطينيين، واستنزف جهودهم في الصراعات والتنافسات البينيّة، بدلاً من تركيزها في مواجهة عدوّهم، وأضعف صدقية كفاحهم من أجل حقوقهم، أمام الرأي العام العربي والدولي، وأضرّ بصورة حركتهم الوطنية التي بدت وكأنها تتصارع على مجرّد سلطة تحت الاحتلال.

وما يمكن استنتاجه، من تعثر عملية المصالحة، أن المشكلة بين الحركتين المذكورتين لا تتعلق بمجرّد اختلاف سياسي، بخاصة مع توافقهما على مشروع الدولة المستقلة في الضفة والقطاع، وعلى انتهاج المقاومة الشعبية، كما بدا واضحا في وقائع اجتماعات القاهرة (أيار/مايو 2011) والدوحة (فبراير/شباط 2012) المذكورين. والمعنى أن مصدر التعقيد في ملف المصالحة المتعثّر، منذ حوالي سبعة أعوام، إنما ينبع من أن كل واحدة من هاتين الحركتين لا تتعامل مع مسألة إنهاء الانقسام من واقع مسؤولياتها بوصفها حركة تحرر وطني، بقدر ما تتعامل مع هذا الأمر من مكانتها كسلطة في حيّزها الجغرافي، حيث "فتح" في الضفة و"حماس" في غزة. وبديهي أن معنى السلطة هنا يتمثّل بوجود طبقة سياسية، وموارد مالية، وتشكيلات عسكرية وأمنية، ونفوذ سياسي إقليمي، وقدرة على التحكّم بالمجال المجتمعي، وهي أوضاع تعيد انتاج ذاتها، وتوليد دينامياتها، وهذا الأمر يصعّب إنهاء حالة الانقسام.

يجدر بنا التنويه هنا إلى أن الخلاف والتنافس والتنازع بين "فتح" و"حماس" لم يبدأ مع الانقسام (حزيران/يونيو 2007) وإنما بدأ قبل ذلك بكثير، ولاسيما مع صعود حركة "حماس" في السياسة الفلسطينية، لاسيما في زمن الانتفاضة الثانية المسلحة (2000ـ2004)، وتزايد بعد فوز "حماس" الكاسح في الانتخابات التشريعية (2006)، وتشكيلها الحكومة الفلسطينية، فيما يكن اعتباره بمثابة لحظة تأسيسية لنظام فلسطيني جديد.

هكذا فإن بقية هذه القصة، والتي أوصلتنا إلى هنا، باتت معروفة، إذ أن حركة "فتح" لم تهضم هذا التطور، كونها اعتادت على احتكار مكانة القيادة في النظام الفلسطيني طوال العقود السابقة، ولذا فهي لم تسهّل لـ "حماس" فوزها بالسلطة وبالحكومة. ومن جهتها فإن "حماس"، أيضاُ، بالغت في استنتاجها من هذه اللحظة، بحيث استعجلت ازاحة فتح من مكانة القيادة، وبالنتيجة فقد أدى هذا وذاك إلى جعل النظام الفلسطيني لا يشتغل بطريقة توافقية وتكاملية.

وما ينبغي لفت الانتباه إليه هنا أن قصة المصالحة لا تقتصر على كيان السلطة، وإنما هي تشمل منظمة التحرير، وهذا مصدر التعقيد فيها، أيضا، ذلك حركة حماس أدركت أن مكانتها وشرعيتها القيادية ستظل موضع شكّ في حال لم تشمل المصالحة اعادة بناء المنظمة، لأن غريمتها "فتح" هي التي تسيطر عليها، وهذه تعتبر بمثابة الكيان المعنوي الجامع للفلسطينيين، ناهيك عن كونها بمثابة المرجعية لكيان السلطة. ولعل هذا الأمر هو الذي يفسر تمسك حماس بربط أي اتفاق بشأن المصالحة، وإنهاء انقسام كيان السلطة، بالتوافق على إعادة بناء منظمة التحرير في آن معا، ورزمة واحدة.

المشكلة الآن أن حركة حماس باتت في وضع حرج وصعب، ذلك أن "فتح" قررت العودة الى المفاوضات، وهذا استحقاق يجعل من الصعب على "حماس" هضمه، لكن الأمر الأكثر أهمية، وخطورة من ذلك، بالنسبة لها، هو التغير الحاصل في مصر، مع نزع الشرعية عن نظام الرئيس مرسي، وإسقاط حكم الإخوان المسلمين، وهما تطورين أثقلا على حماس واضعفا مكانتها إزاء "فتح"، لاسيما بعد ان باتت حماس تواجه خطر العزلة، بعد ان فكت علاقاتها مع سوريا، ما انعكس على علاقاتها مع ايران وحزب الله.

والحال فإن حركة "فتح"، في هذا وذاك، استعادت زمام المبادرة، بعد أن ضعف موقفها بفعل تفاعل حماس مع ثورات "الربيع العربي"، الأمر الذي يجعلها أكثر ميلاً للتنصّل من إزاء اتفاقات المصالحة المعقودة، وهو ما تمت ترجمته بصرف النظر عن قيام حكومة وحدة وطنية انتقالية برئاسة أبو مازن. كما يمكن ان يشمل ذلك بذل المزيد من الضغوط على حماس، لإجبارها على إبداء مرونة في عملية المصالحة، بتشديد حصار غزة، وبالتلويح بالتوجه نحو انتخابات رئاسية وتشريعية، ولو في الضفة، وأيضا من خلال المضي بعزلها على الصعيد العربي.

المشكلة في هذا الوضع، أيضاً، أن الصراع بين هذين الفصيلين يجري في ظل تضاؤل قدرة الفصائل الأخرى على الفعل والتأثير، وبخاصة في ظل غياب الضغط الشعبي، في واقع يتوزع فيها الفلسطينيون على أكثر من دولة، في حين أن الطبقة السياسية الفلسطينية ممركزة، وتمتلك موارد، ما يمنحها قوة مضافة إزاء شعبها. والقصد من ذلك أن الوحدة أو المصالحة لن تتحققّ بسهولة، لأن الأمر بات يبدو وكأنه يتعلق بدولتين وبسلطتين، أي أن ذلك ربما بات يتطلب انهيار المعادلات السياسية القائمة برمتها.

مع ذلك، لنأمل أن يدرك كل المعنيين أن الوضع الفلسطيني بات منذ زمن في حالة عطب مقيم، لأسباب ذاتية، من ضمنها الانقسام، والتحوّل إلى سلطة، والتقادم في الطبقة السياسية السائدة، وأن التخلّص من هذه الحالة يتطلّب المصالحة، واستعادة الحركة الوطنية لطابعها كحركة تحرر وطني، وربما إعادة بنائها على قواعد وطنية ومؤسسية وديموقراطية وتمثيلية.

المستقبل، بيروت