فايز أبو عيد
لا نروي لكم حكاية هوليوودية أو قصص ألف
ليلية وليلة من ضرب الخيال، بل نحدثكم عن مأساة حقيقية أصابت سكان مخيم اليرموك للاجئين
الفلسطينيين جنوبي العاصمة السورية دمشق جراء الحصار التام والمشدد على فرض عليهم ومنع
عنهم الطعام والدواء والماء.
بدأت الحكاية مع فرض النظام السوري حصاراً
جزئياً على مخيم اليرموك"، حيث سمح في بداية الأمر بمرور المواطنين عبر حاجز مسجد
البشير من وإلى المخيم حاملين معهم كمية محدودة من الطعام، إلا أن عناصر الحاجز كانوا
يذيقون الأهالي كافة أنواع الذل والإهانة والعذاب، بعد ذلك تم فرض حصار كامل على اليرموك،
مُنع معه دخول المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والوقود إلى المخيم، رافق ذلك قطع
الماء والكهرباء بشكل كامل عن كافة أحياء ومنازل اليرموك.
وكأي حصار مشدد تفرضه القوى الأمنية على
المناطق الخارجة عن سيطرتها، بدأت المأساة الإنسانية بالظهور، فبعد أن اختفى الطعام
تدريجياً من المخيم، ارتفعت أسعاره بشكل غير مسبوق، فقد بيعت تلك المواد بأسعار خيالية،
ثم تطور الأمر بأن فقدت جميع المواد الغذائية حتى أن رغيف الخبز بات حلماً صعب المنال،
فاشتد جوع الأهالي وأصبحوا لا يملكون ثمن الطعام ولم يعد أمامهم غير الماء والأشجار؛
مما أدى لوفاة العشرات منهم.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد بلغ جوع
أهالي مخيم اليرموك مبلغه حتى وصل بهم الحال إلى أن يقطعوا مسافات طويلة بحثاً عما
يسد رمقهم ورمق أطفالهم، فباتوا يأكلون الحشائش وألواح الصبار ونبات رجل العصفور السامة
التي لا تأكلها سوى البهائم، وشرب شوربة البهارات، وأكل القطط والكلاب.
حصار مخيم اليرموك كان محاولة لتدمير معنويات
الناس. فالحصار دائماً ما يدمر الجسد، إلا أنه أصبح أداة لإبادة الروح، وهذا ما حصل
مع العديد من سكان المخيم الذين مات أطفالهم جوعاً أمامهم وهم لا يملكون حيلة
عرف أهالي مخيم اليرموك الجوع.. الجوع الذي
مزق الأمعاء، الجوع الذي جعل وجبة شوربة البهارات وحشائش الأرض أشهى وألذ وجبة يذوقونها..
الجوع الذي قرأنا عنه قصصاً وأساطير فقد عاشوه حقيقة، الجوع الذي يجعل المرء حين يمشي
في الشارع أو الزقاق لا ينظر إلى ما حوله أو أمامه وإنما ينظر إلى الأرض وحدها. حيث
يتحرى العثور على فتات خبز أو بعض الطعام في الحاويات.
حقائق وأرقام
أثر الحصار المفروض على كافة نواحي الحياة
في المخيم ففي بداية الحصار عانى أهالي المخيم من المعاملة المهينة التي كان يمارسها
عناصر الحاجز المتمركز على مدخل المخيم بحق النساء والأطفال والشباب، فقد تم اعتقال
العشرات من أبناء المخيم على ذلك الحاجز بعدما تم توظيف بعض المقنعين للدلالة على الناشطين
أثناء خروجهم من المخيم وكذلك تعرضت النساء لضروب الاهانة على ذلك الحاجز.
• يوم 18/12/2013 فرض النظام السوري حصار جزئي على
مخيم اليرموك.
• يوم
18/7/2014 فرض حصار تام على مخيم اليرموك.
• يوم
19\12\2013 سجلت أول حالة انتحار في المخيم عندما أقدم " مازن العسلي "
(18) عاماً على قتل نفسه لعجزه عن تأمين الطعام لأمه وأخواته.
• عطل
الحصار المفروض على مخيم اليرموك الحياة بكل أشكالها وفاقم المعاناة لدى الفلسطينيين
بشكل عام والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الأمراض المزمنة كمرضى الأورام والقصور
الكلوي وأمراض الدم والسكري، ما أدى إلى وفات الكثير منهم.
• سجلت
وفيات متعددة بين الأطفال الرضع نتيجة افتقار المستشفى للقاحات وحليب الأطفال وللحواضن
اللازمة لحديثي الولادة والخدج.
• بتاريخ
26-10-2013 توفي اللاجئ الفلسطيني "محمود علاء الدين" بعد تناوله لحبوب القمح
الملوثة بسم الفئران وتعذر نقله الى خارج المخيم نتيجة الحصار.
• "201" من أبناء اليرموك قضوا بسبب الحصار وقلة الرعاية الطبية.
هذا غيض من فيض ما يمكن سرده من قصص عن
مأساة مخيم اليرموك الذي تحول إلى أسوأ من الجحيم، لكن يبقى للحديث عنه له نكهته الخاصة،
الممزوجة بالمذاق الحلو المر وبالآمال والأحلام، هذا المخيم الذي لا يمكن أن ينسى حتى
ولو تجرأت الذاكرة على النسيان، فرغم الدمار المتعمد الذي أصابه سيبقى اليرموك أيقونة
في الروح والوجدان يعشعش في محراب القلب والذاكرة.