عندما تُصبح المقاومة ثقافة لدى اللاجئين يصعب
انتزاعها
بقلم: سامي حمود *
لن يغيب عن أبصارنا وأذهاننا ذلك المشهد المهيب
الذي حصل بالأمس القريب في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، عندما احتشد حوالى 15 ألف
لاجئ فلسطيني ليجددوا تمسكهم بمشروع المقاومة والاحتفال بانتصار المقاومة على أرض
غزة الحبيبة.
هذا المشهد العظيم يؤكّد على أن روح المقاومة
راسخة متجدّرة في عقول وحياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو ليس وليد اللحظة
أو المرحلة الحالية وإنما هو مترسخ لدى عقود من الزمن منذ مراحل النضال الفلسطيني
مع بدايات الثورة والمواجهة مع العدو الصهيوني إنطلاقاً من جنوب لبنان، إلى أن
كُتب لهذه المرحلة من النضال الغياب عن المشهد الفلسطيني في لبنان وذلك لأسباب
عديدة لا نريد الدخول في ذكرها. المهم أن عقول اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لم
تغب يوماً عنها فلسطين ومقاومتها المسلحة وانتفاضاتها الأولى والثانية، إذ أن
اللاجئين الفلسطينيين كانوا دوماً فاعلين في التضامن الشعبي مع الأحداث التي تحصل
في فلسطين المحتلة ويتحركون لنصرة أهلهم وإخوانهم في غزة والضفة والقدس وأراضي ال
48، والأمثلة كثيرة ولا مجال لحصرها.
اليوم، بات اللاجئون الفلسطينيون يتطلعون
للمشاركة في دعم إخوانهم في غزة وكل فلسطين، ليس فقط من خلال الحراك الشعبي
والإعلامي والسياسي والمالي وإنما يتشوقون لأن يكون لهم نصيب في المعركة القادمة
والجهاد ضد العدو الصهيوني من أجل تحرير الأرض كل الأرض الفلسطينية واستعادة كامل
الحقوق الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ولكن، لحين أن تتحقق هذه المشاركة الفعلية، يبقى
على اللاجئين الفلسطينيين في الشتات أن يطّوروا من دورهم في دعم المقاومة إلى
تعزيز وترسيخ فكر ونهج المقاومة ليس في عقول الناس فحسب وإنما يتجاوز ذلك لتُصبح
المقاومة ثقافة راسخة في عقول وحياة اللاجئين الفلسطينيين. وهذا الأمر أشبه بما
حصل مع مشروع حق العودة بعد أن كان مجرد حق نستذكره في المناسبات الوطنية مثل ذكرى
النكبة وغيرها، فأصبح حق العودة ثقافة راسخة لدى اللاجئين في كل أماكن اللجوء والشتات،
ونموذج الحملة الدولية للحفاظ على الهوية الفلسطينية "انتماء" هو نابع
من رؤية المؤسسات القائمة على الحملة في تعزيز ثقافة العودة وتثبيتها وترسيخها
كأمر حياتي متلازم مع مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني.
لذلك، عندما أصبحت ثقافة العودة قضية راسخة،
فأصبح من المستحيل أن ينسى اللاجئين الفلسطينيين حقهم في العودة أو أن تنجح مشاريع
التسوية في الوصول إلى أهدافها بشطب قضية اللاجئين وإلغاء حق العودة. هذا يقودنا
إلى رؤية جديدة في كيفية تحويل مشروع المقاومة من عنوان للمواجهة مع العدو
الصهيوني إلى تكريسه كثقافة راسخة متجّذرة في حياة اللاجئين الفلسطينيين.
وعليه، فإن ثقافة المقاومة تحتاج إلى وسائل
وآليات عمل شبيهة إلى حد ما بوسائل وآليات عمل ثقافة العودة لأن مشروع المقاومة
والعودة متلازمان ولا تتحقق العودة إلى بالمقاومة. وأيضاً إن ثقافة المقاومة لا
يجب أن تنحصر في الجهات السياسية فقط وإنما يجب أن تتبناها المؤسسات بمختلف
جوانبها وإبرازها بطريقة تتلاءم مع مجالات عملها، وتوظيف كل الوسائل المتاحة
والممكنة لتعزيز ثقافة المقاومة في برامج عملها وأنشطتها.
وأولى تلك الوسائل هو وحدة كل مؤسسات العمل
الأهلي الفلسطيني على تعزيز ثقافة المقاومة وتبنيها لهذا الدور المطلوب، والعمل
أيضاً على تخصيص شهراً لتنظيم الفعاليات والبرامج المتنوعة تحت هدف "نحو
تعزيز ثقافة المقاومة لدى اللاجئين الفلسطينيين". وبذلك تُصبح ثقافة المقاومة
فكراً ونهجاً وسلوكاً راسخاً لدى مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني، بحيث يصعب انتزاعها
أو تشويه صورتها.
* مدير منظمة ثابت لحق العودة
المصدر: شبكة العودة الإخبارية