عندما لا يعود "اليرموك" مخيماً
بقلم: احمد جميل عزام
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان
الجدل بشأن مخيم اليرموك في دمشق، هو حول كيفية إخراج المسلّحين منه. أمّا الآن، فهو
حول كيفية إخراج الفلسطينيين منه.
في العام الماضي، كان السؤال: كيف يمكن
أن يوافق النظام السوري والتنظيمات الفلسطينية التابعة له، مع فصائل ومجموعات المعارضة
المسلحة، على الخروج من المخيم، والسماح لجهود الإغاثة بأن تصل؟ لكن هذا التفاوض والسؤال
غير ممكن مع تنظيم مثل "داعش"، لا يعترف سوى بالقتل والسيطرة، ولا يعنيه
تحمل مسؤولية مدنيين، ولا حسابات سياسية لديه. من هنا، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة
التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، وهو أيضاً رئيس الوفد الذي أرسله الرئيس الفلسطيني
محمود عباس من رام الله إلى دمشق لمتابعة التطورات التي حدثت بعد استيلاء "داعش"،
متحالفاً مع "جبهة النصرة"، على المخيم قبل أيام: إن "زيارة الوفد تستهدف
التركيز على استمرار الجهود الإنسانية، وبحث إجلاء اللاجئين من داخل المخيم إلى خارجه،
وتوفير الحماية والرعاية الصحية لهم".
عمليا، يبلغ عدد سكان المخيم الحاليين
ما بين 5 و8 % من سكانه الأصليين قبل الصراع (نحو 18 ألف نسمة، مقارنة بتقديرات كانت
تتراوح بين ربع مليون و360 ألف نسمة). وبالتالي، فإن الحديث هو عن استكمال إخراج سكان
المخيم الذي يكاد ينتهي فعلاً. واللافت، أيضاً، أنّ مصادر مدنية من داخل المخيم قالت
لموقع "الجزيرة نت" إنّ عدد المقاتلين في المخيم يصل لنحو 20 ألفاً، أي إنّه
إذا صدقت التقديرات يكون عدد المسلحين أكبر من عدد السكان.
هناك حديث كثير عن الفصائل الفلسطينية
الموجودة في المخيم. لكن في الواقع، لا أحد يذكر بشكل واضح من هي هذه الفصائل. الحديث
عن تنظيم "أكناف بيت المقدس"، الذي تشكل من عناصر تركت فصائل فلسطينية حقيقية
كبيرة، خصوصاً حركة "حماس".
عملياً، فإنّ هذه الهلامية في فهم طبيعة
القوى المنظمة الفلسطينية في المخيم تعبر، من جهة، عن استنكاف الفصائل المختلفة (أو
عجزها) عن لعب دور حقيقي، ربما تجنباً للتورط في الشأن السوري الداخلي، وحتى لا تكون
جزءا من الصراع. لكن هذا لم يجنب الفلسطينيين الصراع ودفع ثمنه. وربما الاستنكاف من
حيث المبدأ سلوك صحيح، لكن الحقيقة الثابتة أن حصار المخيم مضى عليه قرابة عامين، وأنّ
عشرات على الأقل ماتوا جوعاً ومرضاً في مراحل، من دون وجود أي جهة دولية أو عربية أو
فلسطينية، لديها قدرة أو خطة حقيقية لإنقاذ المخيم وأهله، تماماً كما هي الحال مع بقية
السوريين.
ما يجري عالميا وعربيا وفلسطينيا، هو
موقف المتفرج لعملية استنزاف سورية حتى آخر مدني، بينما يأتي مقاتلون غامضون من كل
العالم للقتال في سورية ضمن تنظيمات مختلفة.
حسابات النظام السوري قد تتضمن إشغال
المعارضة ببعضها. وعملياً، لم يعد مجدياً لأي شخص أن يفكر في أن يكون جزءا من مواجهة
النظام بهدف التغيير نحو الأفضل، لأنّ الكل يواجه الكل في سورية، ولأنّ خصوم النظام
الأقوياء أكثر دكتاتوريةً ودمويةً. وهكذا يكون قد تحقق فعلا هدف النظام، ولو بثمن مرتفع
جداً.
يبدو وضع مخيم اليرموك عصيّاً على الفهم
والحل، للوهلة الأولى. وهو كذلك إذا أردنا فهمه من خلال الحديث عن دور القيادة الفلسطينية
في حل أزمته، في وقت تبدو أدوات وقنوات عمل هذه القيادة محدودة جداً. والأمر ذاته بالنسبة
للفصائل الأساسية خارج منظمة التحرير الفلسطينية، خصوصاً أن عدم التدخل في الشأن الداخلي
السوري يبدو هو القرار الصائب. لكن عجز الجميع عن فعل شيء (منظمة التحرير و"فتح"
و"حماس" وباقي الفصائل الحقيقية)، وحقيقة أنّ أي جهد، خصوصاً الآن، يكاد
يكون عابراً وغير مؤثر، وهدفه الظهور في هامش المشهد بينما من يصنعون المشهد قوى أخرى،
جزء كبير منها غامض، هو أمر يجب فهمه في سياق تقزيم الحركة السياسية والوطنية الفلسطينية
إلى بنى فوقية دبلوماسية ورسمية، من دون قاعدة على الأرض تسمح لها أن تكون مؤثرة في
الحدث.
قد يبدو الحديث ترفاً، ولكن ما يحدث في
مخيم اليرموك وغيره، هو نتاج تهاوي الحركة الوطنية الفلسطينية المنظمة الفصائلية والرسمية.
المصدر: الغد