القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

عين الحلوة وأشقاؤه من المخيمات 2011: تحديات تتكرر.. وأسئلة تفتقر للمرجعية

عين الحلوة وأشقاؤه من المخيمات 2011: تحديات تتكرر.. وأسئلة تفتقر للمرجعية

محمد صالح

عندما يجري الحديث عن التسوية أو الانفجار على صعيد الملف اللبناني الأكثر حرارة، أي ملف المحكمة الدولية المسيّسة وقرارها الاتهامي الواضح الأهداف والغايات، يصبح الملف الفلسطيني في لبنان، جزءاً من حسابات التسوية أو الاشتباك. ففي ذروة التأزم، كان يجري التركيز على قضية تحييد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، عن الصراع الداخلي، وهي مسألة تكاد تكون صعبة جداً، نتيجة تداخل العاملين اللبناني والفلسطيني، فهل يمكن تصور أن تكون «حركة الجهاد الإسلامي» أو «حركة حماس» جزءاً من اصطفاف داخلي مع «القوات» أو «الكتائب» ويمكن طرح السؤال بالنسبة لفصائل فلسطينية أخرى؟

وعندما يجري الحديث عن تسوية داخلية، فان العنوان الفلسطيني يكون في صلبها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ثمة ما هو متداول بأن الصيغة السعودية ـ السورية للتسوية بنسختها شبه الأخيرة، تلحظ أن يصار إلى «تقديم» هدية لحكومة سعد الحريري الجديدة، تتمثل في تنفيذ أحد أبرز بنود الحوار الوطني وهو ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وتحديداً في المناطق الحدودية اللبنانية ـ السورية.

غير أن المؤسف في الاحتمالين، أن أي طرف لبناني لا يقارب الملف الفلسطيني من زاوية المصلحة الوطنية الفلسطينية وكيفية التقائها مع المصلحة الوطنية اللبنانية... الا اذا كان الكفر بقضية فلسطين عنواناً إجماعياً لبنانياً... والا ما معنى السكوت السياسي والنيابي من قوى وازنة ومتعاطفة مع القضية الفلسطينية عن الواقع الاجتماعي الفلسطيني في لبنان؟

ها هي نسبة البطالة في كل مخيمات الشعب الفلسطيني في لبنان، تتجاوز الثلاثين بالمئة وفقاً لاحصاءات غير رسمية. هذا الرقم لن يكون مفاجئاً اذا تضاعف بعد فترة زمنية، واذا أخذنا في الاعتبار انعدام معظم فرص العمل للفلسطينيين في لبنان على الرغم من القانون الأعرج الذي أقره البرلمان اللبناني في العام 2010. يرشح الرقم للارتفاع انعدام فرص العمل أمام الفلسطينيين في الخارج، عدا عن صعوبة التنقل والسفر. يساهم أيضاً في هذا الواقع ما تشهده وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» من تخفيضات في الموازنات، سنة بعد سنة، وهو الأمر الذي يؤدي الى تراجع فرص العمل التي توفرها الوكالة من جهة وتفاقم الواقع الاجتماعي والصحي والتربوي في المخيمات، من دون إغفال الواقع المتمادي في السنوات الأخيرة والمتمثل في تراجع تقديمات منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الاخرى.

ومثلما دشن «الأمن السياسي» الأيام والأسابيع الأولى والأخيرة للعام 2010، في مخيم عين الحلوة، الذي يعتبر عاصمة «الشتات الفلسطيني» في لبنان، فان «جنرال الأمن» يبقى عنوان هذا المخيم وباقي المخيمات في العام 2011، في ظل الحراك الجاري على صعيد المنطقة ولبنان.

ومثلما طرحت الزيارة الاستثنائية الأولى من نوعها منذ العام 1982، لأمين سر حركة «فتح الانتفاضة» أبو موسى، في كانون الثاني 2010، إلى مدينة صيدا، على بعد عشرات الأمتار من عين الحلوة، أسئلة كثيرة حول التوقيت والغايات، فان إقفال العام 2010، على مقتل احد ابرز قيادات التنظيم الإسلامي المتشدد «جند الشام» غاندي السحمراني الملقب بـ«أبي رامز»، في مخيم عين الحلوة طرح أسئلة جديدة، أبرزها هل يشهد العام 2011 نهاية تنظيم «جند الشام» الذي ولد في «مخيم الطوارئ» المجاور لمخيم عين الحلوة قبل ربع قرن تقريباً، وهل وصلت هذه المجموعات بعد عقدين ونصف إلى طريق مسدود بعد أن كانت قد حاولت التغلغل في بنية المخيم الاجتماعية والحياتية والسياسية والدينية ودائماً على طريقتها، وبدعم كان خفياً حيناً وعلنياً حيناً آخر من جهات سياسية؟

تقول مصادر فلسطينية بارزة أن مشاريع كهذه إن كانت إسلامية متشددة أو أصولية أو سلفية لا يمكن أن تعمّر طويلا في عين الحلوة وما شهده عام 2010، خير دليل وذلك بسبب عوامل عدة، بينها كون هذا المخيم من اكبر مخيمات الشتات الفلسطيني على الإطلاق (ما بين 75 إلى 80 ألف نسمة) ليس في لبنان فحسب بل في كل انتشار الشتات الفلسطيني، في العالم، لذا يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني إضافة إلى كونه موجوداً في عاصمة الجنوب من الناحية الديموغرافية والجغرافية وفي منطقة تعتبر عاصمة المقاومة وخط إمداد المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني إضافة إلى قرب موقعه من الخط الساحلي الرئيسي من الناحية الغربية، حيث مرور قوافل قوات الطوارئ الدولية («اليونيفيل»)، إضافة إلى وجوده في الجنوب الذي يشكل المعقل الوحيد المتبقي في هذا الشرق لمواجهة إسرائيل.

كما ان تعثر المشروع الإسلامي المتشدد في مخيم عين الحلوة يعود أيضا إلى طبيعة المخيم نفسه بما يشكل من ثقل تاريخي في المقاومة، ناهيك عن رفض الشارع الفلسطيني في المخيم له، وتصويره دوما بأنه «طارئ» في الأدبيات الفلسطينية التاريخية.

هنا، يمكن التوقف عند ما تم إعلانه رسمياً من قبل بعض الفصائل الفلسطينية في مطلع العام 2010 عن ترحيل أكثر من 28 إسلامياً متشدداً، ينتمون إلى تنظيمات سلفية محسوبة على «القاعدة» من عين الحلوة، باتجاه بعض الدول الأوروبية، في إطار توجه فلسطيني ولبناني لتضييق الخناق على هذه القوى ورفض استخدام المخيم في أي استهداف أمني محتمل للساحة اللبنانية، وخاصة لقوات «اليونيفيل»، يضيف المصدر «إن أي تغيير في الخريطة الجغرافية والسياسية للمخيم وفي طبيعة القوى المتواجدة فيه او في منهجية الفصائل وسلوكها سوف تنعكس سلبا وبشكل دراماتيكي على المخيم برمته والجيش اللبناني في حالة جهوزية عسكرية وأمنية، وينتشر على الأبواب ومخيم نهر البارد خير شاهد... عدا عن كون سكان المخيم ليسوا بوارد تبني مثل هذه الأفكار والطروحات المتطرفة».

من هنا، يتابع المصدر الفلسطيني، كان لافتاً للانتباه السياسي والأمني والإعلامي عدم حصول أية ردة فعل، على مصــرع السحــمراني، سواء من «جند الشــام» أنفســهم، أو من يستجــيرون بهم أو يدورون في فلكهم أو يناصرونهم.

وإذا كان غاندي السحمراني غير فلسطيني وليست له عائلة أو عشيرة في المخيم تهب لأجله، فان ردة فعل المخيم على مصرع ابن المخيم، أمير حركة «فتح الإسلام» عبد الرحمن عوض، على أيدي الجيش اللبناني، كانت ببرودتها شبيهة بردة الفعل على السحمراني كما على مصرع شحادة جوهر وهو من مؤسسي «جند الشام» قبل أكثر من سنتين في المخيم نفسه.

وتلفت المصادر الانتباه إلى «انه لو كان المشروع الذي ينتمي إليه السحمراني وعوض وجوهر قد وجد بيئة حاضنة شعبياً وسياسياً واجتماعياً لكانت معركة مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني و«فتح الإسلام» في العام 2007، قد وقعت في مخيم عين الحلوة والتعمير أو ربما انتقلت من «البارد» إلى عين الحلوة، لكن الجميع يعلم أن هذه الحالات قد استفادت من مناخات سياسية وأمنية معينة، واستطاعت الدخول إلى عين الحلوة، حيث كان متعذراً عليها الاندماج في بيئة المخيم، أو أن تتحول إلى ظواهر طبيعية، فاختارت أن تقيم في «مخيم الطوارئ» الذي تحول في بعض جنباته إلى ملاذ لهؤلاء، فضلاً عن ترسخ القناعة لدى معظم الفصائل الفلسطينية في المخيم، «حول استحالة تعايش أي مشروع امني أو ديني خاص ومتطرف في المخيم أو تجيير أية قوة فلسطينية أو فصيل مسلح لمصلحة أي طرف أو مشروع آخر سواء أكان لبنانياً أو إقليمياً لغير مصلحة قضية فلسطين المركزية» على حد تعبير المصادر الفلسطينية.

كما أن مخيم عين الحلوة بفصائله الإسلامية، التي لم تعد طارئة على حياته اليومية السياسية والاجتماعية وهي حاسمة في موقفها من القضية المركزية فلسطين والصراع مع العدو الإسرائيلي مثل حركة «حماس» و«حركة الجهاد الإسلامي» بالدرجة الأولى، يرفض هذه الظواهر، يلاقيهما في موقفهما كل من «عصبة الأنصار» و«الحركة الإسلامية المجاهدة»، وهما فصيلان باتا يعتبران من «الثوابت» في المخيم إلى جانب الفصائل التاريخية الأخرى، وقد انخرطا في التعامل مع قضايا المخيم المعيشية والحياتية والصحية وحتى البيئية، وذلك بعد ان طرأ على حركتهما تحول جذري ترجم في الأشهر الأخيرة من 2010 بمواقف لافتة للانتباه عبر التزامهما خيار المقاومة في فلسطين ولبنان.

ووفقاً لما هو متداول في المخيم فإن هذين التنظيمين، أبلغا من يعنيه الأمر لبنانيا وفلسطينيا، بأنهما على الحياد في اية تداعيات لبنانية على خلفية صدور القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وتؤكد أوساط فلسطينية بارزة وجود دور ما لتنظيم «عصبة الانصار» على صعيد ممارسة رقابة جدية على «جند الشام» في «مخيم الطوارئ» الذي تسيطر عليه «العصبة» تاريخياً.

في المقابل، فان حركة «فتح» وهي من الفصائل التاريخية القوية في مخيم عين الحلوة، فقد انصرفت في الشهور الأخيرة، إلى معالجة أوضاعها التنظيمية، وهي نجحت في تجاوز بعض التغييرات الانقلابية، وأعطت جزءاً من اهتمامها لمنع تمدد وانتشار المشروع الإسلامي المتطرف في المخيم. يذكر أن فصائل «الشعبية» و«الديموقراطية» متمسكة بمواقفها التاريخية وتلتقي في ذلك مع «قوى التحالف الفلسطيني» وحركتي «حماس» و«الجهاد».

من الأمن والسياسة، إلى الأمور الأكثر إلحاحاً التي تم ترحيلها للعام الحالي، وهي الأمور الإنسانية والمدنية والاستشفائية والتعليمية وحق التملك للفلسطينيين وهي من الأمور المستعصية في 2010 وما سبقه من أعوام لأسباب سياسية لبنانية بحتة تتعلق بـ«فوبيا» التوطين ومزايدات بعض السياسيين والكتل النيابية اللبنانية في هذا المحال. ومن المتوقع أن تتجه الأمور على صعيد تقليص الخدمات الصحية، نحو مواجهة مفتوحة بين وكالة «الاونروا» واللجان الشعبية الفلسطينية، «على خلفية استمرار تردي الخدمات الأساسية في المخيمات وخاصة الوضع الكارثي والمأساوي للخدمات الاستشفائية» على حد توصيف مصادر اللجان الشعبية وذلك في ظل انتفاء الحلول لهذا الانهيار المتواصل على مستوى الخدمات الاستشفائية.

فاللجان الشعبية تطالب «الاونروا» بأن تتولى معالجة اللاجئين الفلسطينيين، كما تعالج وزارة الصحة اللبنانية المواطنين اللبنانيين، على ان تتحمل «الاونروا» النسبة نفسها، التي تتحملها وزارة الصحة اللبنانية، «وإلا فان البديل أن يدبر كل مريض فلسطيني رأسه هو وعائلته من خلال جمع التبرعات أو الاستجداء على قارعة الطريق أو عند عتبات المستشفيات لتدبر امر تحمل النفقات الاستشفائية.. او الموت دون الحصول على العلاج» يقول أحد الناشطين في العمل الأهلي الفلسطيني.

يطرح هذا الأمر على الفلسطينيين، ومن زاوية انسانية، «وفي غياب العناوين الوطنية الجامعة، أن يبادروا الى ترجمة الصيغة التاريخية المؤجلة المتمثلة في انشاء مرجعية موحدة لمخيمات لبنان، لعلها تساهم في حل بعض الأمور الاجتماعية والانسانية وفي إطلاق حوار جدي مع الحكومة اللبنانية يتجاوز بعض الأطر الحوارية الفوقية أو الفولكلورية» على حد تعبير الناشط الأهلي نفسه..

كما ان مخيم عين الحلوة «يعاني من أزمة حادة بسبب عدم توفر البنى التحتية الضرورية وشبكة المياه المهترئة التي مضى عليها أكثر من ربع قرن وتختلط مياهها بمياه الصرف الصحي ما يجعلها ملوثة، وفق أكثر من فحص أجري. اما شبكة الصرف الصحي فهي بحاجة الى استبدال بسبب فيضان مياهها في الطرقات بشكل متكرر وبسبب عجزها عن استيعاب مياه المطر الأمر الذي يؤدي الى فيضان المياه على البيوت».

ويقول أحد أعضاء «اللجان الشعبية» في عين الحلوة إن المطلوب في مواجهة ازمة البطالة المستشرية منح اللاجئين حق العمل بدون أية شروط وتحسين خدمات «الأونروا» ودعوة فصائل منظمة التحرير وقوى التحالف للعمل على إنشاء مشاريع إنتاجية للمخيمات.
 
المصدر: جريدة السفير اللبنانية