القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 14 كانون الأول 2025

غزة بحاجة لسفينة كسر الحصار

غزة بحاجة لسفينة كسر الحصار

د. أيمن أبو ناهية

إن كذب الاحتلال بضبط سفينة أسلحة متوجهة إلى قطاع غزة، أصبح معروفًا ومكشوفًا للجميع, ذلك أنه أراد أن يتخذ ذريعة لجريمة استمرار الحصار والعدوان. وأعتقد أن قطاع غزة الذي يشهد حصارًا منذ 7 سنوات ليس بحاجة إلى أسلحة بقدر حاجته إلى مواد تموينية ودوائية وأساسية؛ لأن أهله يعيشون في كارثة إنسانية لا مثيل لها في التاريخ, ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبقى هذا الشعب على جوعه وآلامه وجراحه تحت وطأة الاحتلال, والعالم يلتزم الصمت حيال جرائم القتل وانتهاك حقوق الإنسان، من حصار وتجويع وتدمير للممتلكات ومرافق الخدمات الصحية، حتى وصلت الأمور إلى درجة من البؤس تتمثل بحرمان أهل القطاع الماء النقي والكهرباء، والمواد الغذائية والدوائية، فلا يمكن لأحد أن يدحض الحقيقة التي تقول: إن المجتمع الدولي ساكت عمّا يقوم به الاحتلال حيال القطاع المحاصر.

فلا أعتقد أن قطاع غزة الذي تبلغ مساحته نحو 360 كيلو متر مربع, ولا يوجد به موارد طبيعية، وعدد سكانه قرابة المليونين، ويحيط به الاحتلال من جهتي الشمال والشرق، ومصر من جهة الجنوب بامتداد يزيد عن 10 كيلو متر، وشاطئ القطاع تراقبه قطع أسطول الاحتلال البحري على مدار الساعة ليلاً ونهارًا، والوضع المعيشي فيه يشرف على الانفجار، وأغلب سكانه من الأطفال والنساء والشيوخ، والرجال العزل؛ لا أعتقد أنه يبحث عن السلاح دون البحث عن الطعام.

ومع كل هذا الوضع الأمني مضبوط جيدًا، وإن نسبة الذين يحملون السلاح بهدف حفظ الأمن والدفاع والمقاومة لا تتعدى كسرًا بسيطًا من مجموع عدد سكانه. وأما الحديث عن خطر عسكري على الاحتلال قادم من قطاع غزة فهو من باب الكذب والمبالغة والتهويل، قد يُستخدم ذريعة لألعاب سياسية، وتمرير مخططات وحياكة مؤامرات، والخطر الحقيقي على أمن القطاع وسلامته الآن يأتي من الاحتلال أولاً وأخيرًا.

فالاحتلال هو أول الملومين في التسبب بمأساة أهل القطاع، منذ ما قبل دحره ومستوطنيه قبل عدة أعوام، مأساة أبقت القطاع في حالة حصار خانق، باستعمال الاحتلال قوة جيشه وسلاح بحريته، والدخول إلى القطاع والخروج منه من ممر ضيق، يسهل التحكم فيه، فالاحتلال يستطيع مراقبة أية حركة في اتجاه القطاع بأقل تكلفة أو جهد. الذريعة التقليدية لدى الاحتلال لجرائمه غير الإنسانية ضد المدنيين في قطاع غزة هي الشائعات الكثيرة، التي يحاول حياكتها حول القطاع، وخاصة ضد الحكومة التي تدير الأمور على ما يرام.

في النهاية يُبقي الاحتلال على حصاره، الذي يؤثر بالدرجة الأولى والثانية إلى الأخيرة في المدنيين، وما تبقى لهم من مرافق خدمية، فاستمرار الحصار يرمي إلى تفريغ القطاع بتهجير أهله، وجلهم من لاجئي نكبة فلسطين عام 1948م؛ ليكون القطاع منطقة عازلة عن الجوار.

فالمجتمع الدولي لم يفعل ما فيه الكفاية لوقف "المحرقة اليهودية على قطاع غزة"، فما يجري لسكان قطاع غزة في القرن الحادي والعشرين (هولوكوست) جديد، وإن سكوته على جرائم الاحتلال مشاركة في الجريمة نفسها، ويتحمل القسط الأكبر، وربما قبل الاحتلال نفسه، فهو يرى ويسمع وكأن الأمر لا يعنيه, مع أن له اليد الطولى في التأثير السياسي والاقتصادي والمعنوي على الاحتلال، ويستطيع بمبادرة دبلوماسية مكونة من بضع كلمات المساهمة الفعلية الحقيقية في فك الحصار.

ولا ننسى صمت العرب المشترك على جريمة الحصار، فهم كذلك أول الملومين بشكل مباشر وأكثر من أي وقت مضى، والشقيقة مصر عليها واجب أخوي وإنساني وأخلاقي تجاه سكان غزة، خصوصًا في موضوع إغلاق معبر رفح الحدودي الوحيد بين مصر والقطاع، فلا يمكن أن تكون مصر طرفًا في النيل من صمود أهل القطاع الأسطوري، وعزة أهله المتميزة أمام الأمم والشعوب والحضارات، وعلى الأنظمة العربية عمومًا أن تأخذ قرارها السياسي والسيادي بيدها، وألا تكون أداة في أيدي من يتلذذون بإحكام الحصار.

الضمير البشري يقف أمام محك مأساة قطاع غزة لاستعادة مكانته ورد الاعتبار له، على الجميع البدء بتحرك جدي شامل، يلزم الاحتلال برفع الحصار نهائيًّا عن القطاع، بشكل غير قابل للإعادة أو التكرار.