غزة بعد فوز نتنياهو
بقلم: صالح النعامي
تكتسب إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو رئيساً لوزراء
الكيان الصهيوني أهمية خاصة لغزة ومقاومتها، فقد شنت إسرائيل، تحت حكمه، حربين من أصل
ثلاث حروب طاحنة على قطاع غزة، منها حرب الصيف الماضي التي تعد ثاني أطول حرب في تاريخ
الصراع العربي الإسرائيلي، واستمرت 51 يوماً. والسؤال المطروح هنا: هل يعني نجاح نتنياهو
في الانتخابات بدء العد التنازلي لحرب جديدة على قطاع غزة؟ نظرياً، لا مصلحة لدى كل
من إسرائيل وحركة حماس في التورط في مواجهة عسكرية جديدة. والانطباع السائد أن تشكل
حكومة يمينية متطرفة يعني، بالضرورة، أن تكون يد إسرائيل خفيفة على الزناد، لا يعبر،
بالضرورة، عن واقع الأمور، حتى في ظل التهديدات التي يطلقها قادة أحزاب وحركات اليمين
التي ستشارك في حكومة نتنياهو الجديدة، فقد أظهرت تحقيقات أجرتها لجنة الخارجية والأمن
التابعة للكنيست في أداء المستويات السياسية والعسكرية، في أثناء الحرب، أن هذه الحرب
انتهت بفشل إسرائيلي ذريع. وفي مقابلة مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في عددها يوم 3
إبريل/نيسان الجاري، أوضح عضو اللجنة، النائب عوفر شيلح، أن هناك شكوكا في قدرة إسرائيل،
في المستقبل، على تحقيق نتائج أفضل في مواجهات ضد حماس. في الوقت
نفسه، لا خلاف في إسرائيل على أن تغيير الواقع
في قطاع غزة بشكل يفضي إلى تحسين الواقع الأمني في جنوب الكيان الصهيوني يتطلب إعادة
احتلال القطاع، والبقاء فيه مدة طويلة جداً، وهذا ما لا تحبذه نخب الحكم أو المعارضة،
باستثناء وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، الذي أصبح وزة عرجاء، بعد تراجع تمثيل حزبه
في الكنيست. فإعادة احتلال القطاع يعني تحمل إسرائيل مسؤولياتها تجاه مليون وسبعمائة
ألف فلسطيني كقوة احتلال، مع كل ما يتطلبه الأمر من دفع ثمن سياسي وكلفة اقتصادية،
ناهيك عن الاستنزاف عسكرياً في الوحل الغزي. ويعون في إسرائيل أنه ليس ممكناً نقل المسؤولية
عن قطاع غزة، بعد احتلاله إلى السلطة الفلسطينية، حيث إن قيادة السلطة تربط بين تسلم
مقاليد الأمور في قطاع غزة والتسوية السياسية للصراع، وضمن ذلك إقامة الدولة الفلسطينية.
وتدرك السلطة أن حكومة يمينية متطرفة في تل أبيب
لن تكون شريكاً جدياً في أية تسوية سياسية، تفضي إلى حل الصراع، ولا سيما بعدما تعهد
نتنياهو في حملته الانتخابية بأنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، طالما ظل رئيساً لوزراء
إسرائيل. في الوقت نفسه، إن شن حرب جديدة على غزة سيكون مرتبطاً بتآكل كبير في مكانة
إسرائيل الدولية، فبخلاف الظروف التي كانت سائدة عشية الحرب الأخيرة، فإن أزمة الثقة
المتفاقمة بين نتنياهو والرئيس الأميركي، باراك أوباما، والقادة الأوروبيين، لن توفر
بيئة دولية لشن الحرب. ومما يزيد الأمور تعقيداً، أن قبول فلسطين في محكمة الجنايات
الدولية سيزيد فقط من وطأة التداعيات السلبية لشن الحرب.
في الوقت نفسه، يعي نتنياهو أن اضطراب البيئة
الإقليمية يدفع بمزيد من التهديدات الاستراتيجية، ما يقلص من القدرة على الاستثمار
في المواجهة ضد غزة. وفيما يتعلق بحركة حماس، فإنها باتت تدرك أنها أخطأت في قراءة
الواقع الإسرائيلي، عشية اندلاع الحرب الماضية، واعتقدت أنه في وسعها الحصول على مكاسب
سياسية، في التصعيد العسكري ضد إسرائيل. أساءت حماس تقدير الواقع الإقليمي، وتأثيره
السلبي على ظروف أية مواجهة مع إسرائيل، حيث تبين لها أن المحور العربي الذي تقوده
مصر السيسي غير معني بأن تسفر المواجهة عن تعزيز مكانة الحركة السياسية. لذا، فإنه
على الرغم من الأداء البطولي والإبداعي لمقاتلي حماس خلال الحرب، فإن هذه الحرب أسفرت
عن مزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والإنسانية في القطاع. ومن الواضح
أنه لم يطرأ على البيئة الإقليمية تحولات كبيرة، يمكن أن تستفيد منها حماس في المواجهة
المقبلة مع إسرائيل. وتدرك حماس، أيضاً، أن الغزيين، الذين كانوا وقود ثلاث حروب شنت
عليهم في أقل من سبع سنوات، معنيون بالتقاط الأنفاس، وما يشغلهم، حالياً، هو إعادة
إعمار ما دمره الاحتلال خلال الحرب، وتحسين الأوضاع الاقتصادية البائسة.
لكن، على الرغم من أنه لا يوجد لدى حماس وإسرائيل
رغبة في تفجر مواجهة جديدة، إلا أن مثل هذه المواجهة يمكن أن تنفجر، بسبب الظروف السائدة
في القطاع. فتواصل الحصار وعدم السماح بالشروع في إعادة الإعمار، وتلاشي الأمل في تحسن
الأوضاع الاقتصادية، يمكن أن يفضي إلى مواجهة جديدة. وقد تصل الأمور إلى حد اقتناع
الفلسطينيين أن مواجهة تبعات حرب جديدة هي أفضل من مواصلة تحمل الأوضاع الاقتصادية
والمعيشية الصعبة التي يكابدونها.
ومن الواضح أن استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي
يزيد الأمور تعقيداً، ويمثل مسوغاً لتبرير عدم تعاطي المجتمع الدولي مع قضية إعادة
الإعمار في قطاع غزة. وقد دفع إدراك المآلات الكارثية لبقاء الواقع في قطاع غزة على
ما هو عليه الآن أطرافاً أوروبية إلى محاولة تقديم مقترحاتٍ، يمكن أن تؤجل المواجهة
المقبلة. ولم يعد سراً أن سويسرا طرحت، أخيراً، مبادرة تدعو إلى تهدئة بين المقاومة
في قطاع غزة وإسرائيل في مقابل الشروع في إعادة الإعمار، وحل مشكلة موظفي حكومة غزة
الذين لا يتقاضون رواتب منذ أكثر من عام ونصف. وعلى الرغم من أنه لم يكشف، حتى الآن،
عن طابع الرد الإسرائيلي على المقترح السويسري، فإن السلطة الفلسطينية سارعت إلى التحذير
من التعاطي مع هذه المبادرة، على اعتبار أنها تمنح حكومة اليمين الفرصة للانفراد بالضفة
الغربية. ومن الواضح أنه لا يمكن تخيل نجاح مبادرة لتغيير الواقع في قطاع غزة من دون
إشراك السلطة الفلسطينية التي ينظر العالم إلى قيادتها ممثلاً وحيداً للفلسطينيين.
من هنا، فإن فرص نجاح المبادرة السويسرية محدودة للغاية. وفي ظل هذا الواقع، سيكون
تفجر مواجهة في غزة مسألة وقت.
المصدر: العربي الجديد