القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

غزة تعضّ على الجراح.. وتنتصر

غزة تعضّ على الجراح.. وتنتصر

جهاد أبو مصطفى

استيقظت غزّة على جريمة جديدة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي فجر أمس، إذ استهدفت الطائرات الحربية برجَي "الإيطالي" و"الباشا" في وسط المدينة، وحوّلتهما إلى كومة من الركام والدمار، لينضما إلى برج "الظافر 4" الذي دُمّر قبل أيّام، ضمن سياسة "إسرائيل” للضغط على المقاومة، لانتزاعِ وقف إطلاق نار غير مشروط، يقطع الطريق على تحقيق أي إنجاز سياسي.

لم تكتفِ "إسرائيل” بقصف الأبراج الشاهقة في غزّة فحسب، بل راحت طائراتها تُلقي آلاف المنشورات الورقية على حي الشجاعيّة الواقع في شرق القطاع، والذي ارتكبت فيه "إسرائيل” مجزرتها البشعة إبان أوّل أيّام الاجتياح البريّ، مُطالبة السكّان بضرورة إخلاء منازلهم، ضمن سياسة التهديد والوعيد.

لكن الرد على هذه التهديدات جاء من أطفال غزّة، الذين وضعوا منشورات الاحتلال تحت أقدامهم وداسوها، غير آبهين بسياسة "عدم التسامح" الإسرائيليّة.

ويضاف إلى ذلك آلاف الاتصالات التي وردت للمواطنين من الاستخبارات الإسرائيلية، في إطار الحرب النفسية التي تُمارس ضد السكّان، والتي تُحذّرهم من السماح للمقاومين بإطلاق الصواريخ من جوار منازلهم، وأراضيهم، متوعدةً أحياء سكنيّة بالاستهداف الكامل، في حال استمر إطلاق الصواريخ منها.

ولكن مع دخول اتفاق التهدئة مساء أمس، حيز التنفيذ بعد خمسين يوماً على العدوان، لا يبدو سكّان القطاع بمعنويات مهزومة كتلك التي تُعاني منها الجبهة الإسرائيلية الداخلية، فهم أكثر صلابة وتحملاً، بعدما استمدوا صمودهم وصبرهم من إمعان الاحتلال في قتلهم، وتجويعهم، وتضييق الخناق عليهم.

وبرغم الدمار الهائل الذي أصاب شقّة سعيد درابية، أحد سكّان برج "الإيطالي" في غزّة، إلا أنه يُؤكّد في حديث إلى "السفير" أن تلك السياسة الإسرائيلية الرامية إلى الضغط على المدنيين، للتخلّي عن خيار المقاومة، لن تُفلح في الذود عن هذا النهج، مهما بلغ الاحتلال من جبروته، وتعميق جراح المدنيين، فلم يعد أمامهم خيار آخر سوى الصمود في أرضهم، ودعم المقاومين، وتشكيل حاضنة شعبيّة لهم.

ويُضيف درابية: "لسنا أوّل ناس تُهدم منازلهم، هناك الآلاف ممن فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم وما زالوا صابرين، وغيرهم ممن فقد بيته وولده، الحمد لله نحن لم نُصب بأذى، والخسارة المالية مُعوّضة".

وكان درابية درابية دعا رجال المقاومة الفلسطينيّة، إلى تكثيف الضربات الصاروخية تجاه البلدات الفلسطينية المُحتلّة، وإيلام العدو، وإيقاع أكبر الخسائر في صفوفه، ومواصلة القتال حتى نيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

حركة حماس، وعلى لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم، دانت سياسة قصف الأبراج السكنية التي تنتهجها "إسرائيل” خلال عدوانها على قطاع غزّة، معتبرة أنها "جريمة حرب وانتقام إسرائيلي غير مسبوق من الشعب الفلسطيني في غزة".

وقال برهوم، في بيان، إن "هذه سياسة ضد أهلنا في غزة لتخويفهم وثنيهم عن الالتفاف حول المقاومة ورجالها"، مؤكدًا أنها ستزيد من إصرار المقاومة على المواجهة وحماية مصالح الشعب الفلسطيني.

من جهته، يقول المواطن صالح الدغمة، وهو أحد الذين فقدوا منازلهم في الحرب: "لا يهم أن نخسر بيوتنا، وأهلنا، فهذا قدر الله، لكننا نعوّل على فصائلنا المُقاومة ألا تتخلى عن مطالبنا، ولا تُدني سقف حقوقنا، فهذا ما يسعى الاحتلال إلى تحقيقه".

ويُشير الدغمة، الذي دُمّر منزله في قرية عبسان الصغيرة في جنوب القطاع، في حديث إلى "السفير"، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي أقدم بشكل همجي على استهداف الأبراج، والمنازل، والمجمعات التجاريّة في غزّة، بعد فشله في المعركة العسكرية، لا سيما البريّة، وبعد الصمود الأسطوري لجماهير الشعب الفلسطيني في غزّة، واحتضانهم للمقاومة.

أما الكاتب والمُحلل السياسي سليمان النبيل، فيقول إن "إسرائيل” سعت إلى تدمير البنية التحتيّة والاقتصاديّة لغزّة من خلال استهداف الأبراج، والأعيان المدنية بصورة مُباشرة.

ويلفت النبيل في حديث إلى "السفير"، إلى ما رمت "إسرائيل” لتحقيقه من تمزيق النسيج الاجتماعي، وتدمير المنازل، والبنية التحتية في الضاحية الجنوبية في لبنان إبان حرب العام 2006، من أجل تشكيل سخط وضغط شعبيين من الجماهير على المقاومة لإيقاف الحرب، والقبول بأي تهدئة، مُشدداً على أن "هذا الحلم الإسرائيلي – البائس ــ هو ما سعت "إسرائيل” إلى تحقيقه في قطاع غزّة خلال العدوان".

في هذا الإطار، يُشير مراقبون إسرائيليون، إلى أن تأليب سكّان غزّة ضد فصائل المقاومة، هو أنجع الحلول الحالية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار غير مشروط، من دون إنجازات سياسية تحسب لفصائل المقاومة، على غرار القاعدة التي تقول: "الهدوء في مقابل الهدوء".

على أي حال، فسكّان غزّة قد صمدوا، وبرغم تهجير الآلاف منهم، وتشرّدهم بين مراكز الإيواء، إلا أنهم يؤكدون أن الخسائر المالية والبشرية لا تهم، إذ إن الحرب توّجت في النهاية بانتصار عسكري وسياسي يليق بهم ويُبلسم جراحهم في الوقت نفسه.

المصدر: السفير