غزة.. لماذا الحرب؟
بقلم: ناجي صادق شراب
التصريحات التي تخرج من "إسرائيل" تؤكد أن خيار الحرب بات
قريباً، والتصريحات التي تخرج من غزة تؤكد أن الإعداد للحرب قائمة. والسؤال مع
التسليم بخيار الحرب، أي حرب يريدها كل طرف؟ "إسرائيل" من جانبها شنت
حروبها الثلاث وأهدافها لم تتغير في كل هذه الحروب، الهدف الأساس أنها تريد غزة
منفصلة وبعيدة عن سياقها الفلسطيني الكلي، وتحقيقاً لهذا الهدف لا تمانع من وجود
حركات المقاومة، ووجود حركة حماس كحركة حاكمة، وتحكم علاقتها بها هدنة ليست قصيرة
قابلة للتجديد. وهدفها الثاني عملية ترويض سياسي لحماس، وتخييرها بين الحكم
والمقاومة في النهاية، ومن أهداف "إسرائيل" أيضاً إبقاء غزة ضعيفة تابعة
معتمدة على "إسرائيل" في احتياجاتها الإنسانية والاقتصادية، ولذلك كان
هدف "إسرائيل" في كل هذه الحروب هو تدمير البنية التحتية لغزة حتى تبقى
تدور في حالة من الاعتماد الدائم عليها. وفي النهاية "إسرائيل" تربط بين
إعمار غزة وأن تبقيها منطقة منزوعة السلاح أو لا تشكل مصدراً للتهديد لها. وقد
يكون هدفها النهائي هو ضرب الدولة الفلسطينية إذا قامت وتفريغها وإجهاضها من كل
مقومات الاستقلال. وبالتالي نكون أمام كيانين سياسيين فلسطينيين لعب الفصل
الجغرافي دوراً رئيساً في تعميق هذه الأهداف.
والسؤال ثانية، ما هو هدفها من أي حرب مقبلة؟ ومتى تنتهي حالة الحرب؟ ستبقى
الأهداف السابقة هي المحرك الرئيسي لأي حرب على غزة "إسرائيل" لن تسمح
في جميع الأحوال بأن تتطور قدرات المقاومة العسكرية، وتحصل على أسلحة متطورة تهدد
أمنها ووجودها، وليكن معروفاً أن غزة تقع في الدائرة الأولى لأمن
"إسرائيل"، ومن ثم يبقى خيار الحرب قائماً، والهدف منه تقويض قدرات
المقاومة العسكرية، وإبقاؤها تحت السيطرة العسكرية "الإسرائيلية". من
خلال المزيد من التدمير، والمزيد من الحصار، والمزيد من الانقسام والفصل.
عندما انسحبت "إسرائيل" من غزة كانت تعرف ماذا تريد، وكان هدفها
الوصول إلى حالة الانقسام الفلسطيني، وبالمقابل فإن حماس وحركات المقاومة الأخرى
تتحدث عن الحرب، وأن الحرب الأخيرة لم تنته، وأن الإعداد جار للحرب المقبلة.
والسؤال أي حرب تريدها "حماس" وفصائل المقاومة الأخرى في هذه هذه
المرحلة؟ في أدبيات الحرب، الحرب ليست غاية في حد ذاتها، بل هي امتداد للسياسة.
بعبارة أخرى تلجأ الدول إلى الحرب لتحقق أهدافاً سياسية فشلت في تحقيقها الوسائل
السياسية، والحرب الأخيرة وإن كانت "إسرائيل" هي السبب فيها، لكن لا
يمكن استبعاد أن الذهاب للحرب أيضاً كان خياراً لحركة حماس التي حددت أهدافها
منها، برفع الحصار، وفتح المعابر وإعادة بناء الميناء والمطار. انتهت الحرب
و"إسرائيل" فشلت في تحقيق أهدافها الرئيسية وإن نجحت في تعميق حالة الانقسام،
أما على مستوى الحركة فيمكن القول إن الحرب قد فشلت حتى هذه اللحظة في تحقيق
أهدافها السياسية، وإن كنا نسمع عن إمكانية الوصول إلى هدنة لخمس سنوات، مقابل رفع
الحصار، وفتح المعابر، أما فيما يتعلق بموضوع الميناء والمطار وعلى الرغم من
أهميتهما لسكان القطاع، إلا أنهما من مظاهر السيادة، والاستقلال، وهنا فإن موافقة
"إسرائيل" مرهونة ومشروطة بتحقيق هدفها الرئيسي من جعل الانقسام حقيقة
سياسية، وبالتالي تتخلص من فكرة الدولة الفلسطينية بشكل نهائي، ومشروطة أيضاً بنزع
سلاح المقاومة أو على أعلى تقدير تحويل هذا السلاح إلى وظيفة أخرى، فالتفكير
"الإسرائيلي" يقوم على أن إنشاء ميناء ومطار سيحولان دون اندلاع حرب
جديدة، لأنه عند الوصول إلى هذه المرحلة لا يعقل أن تعود حماس للحرب، وعندها يمكن
التفكير في تجديد الهدنة بشكل تلقائي .
وبالمقابل حركة حماس إذا ذهبت لهذه الهدنة بهذا المنطق، أي بعيداً عن
الإطار الفلسطيني والسلطة الواحدة، فهذا يعني ترسيخاً للانقسام، وتأكيداً لفكرة
الدولة أو الكينونة المستقلة في غزة. وعليه فإن خيار الحرب بات مرتبطاً بهذا
السيناريو، وهذا التفكير. هذه مجرد رؤية خاصة قد تكون صائبة أو خاطئة، لكن المهم
أن نعرف كيف تفكر "إسرائيل" حتى نتفادى الحرب. في النهاية الحرب ليست
خياراً لغزة، ويبقى خيار إعادة الإعمار والبناء أهم الخيارات، وهذا الخيار يعتبر
أعلى درجات المقاومة.
المصدر: الخليج